كيف تؤثر التقنية على حواسنا؟
وإذا كان الشم هو أولى الحواس التي أخذت بالضعف نتيجة للتكنولوجيا ومنصات التواصل، فماذا عن تبعات ذلك، وماذا عن الحواس الأخرى ومراكز التفكير والإدراك؟
قبل الرد على هذا السؤال، يجب فهم كيفية عمل الحواس وكيف تترابط بعضها البعض.
الجهاز الحسي يتناسب ويتكامل
يصنف العديد من العلماء النفسيين حواسنا الرئيسية كاعتقادية أو عاطفية، فعلى سبيل المثال، ترتبط حواس الشم والتذوق مباشرة بمناطق المعالجة العاطفية في الدماغ، بينما يتم معالجة الحواس العقلانية مثل السمع والرؤية في القشرة الدماغية.
يشير العلماء إلى أن أكثر من نصف القشرةتقديم العقل – وهو في حد ذاتها أكثر من نصف حجم الذهن- مخصص لعلاج ما نشهده، وهذا ما يفسر أننا كائنات بصرية، وهذا سبب رئيسي لتوفير وسائل الإعلام لدينا سمعيًا وبصريًا في المقام الأول.
لا يعني ذلك تجاهل حاسة دون غيرها، فأنظمتنا الحسية مصممة للعمل بشكل شامل لبناء انطباع وتصور كامل للعقل، على سبيل المثال، عندما نُفكر في تناول الطعام، الحواس التي تفكر في أداء المهمة هي التذوق، لكن شكل الطعام ولونه ورائحته وحرارته وملمسه ووزنه يثير رؤيتنا وينشط حواس الشم والسمع واللمس.
ازالة واحدة من تلك الحواس يمكن أن تؤثر على التجربة بشكل كامل. على سبيل المثال، عندما يتناول الأشخاص الايس كريم في الظلام، فمن غير المرجح أن يستمتعوا به، أو حتى يكونوا متأكدين من نكهته.
تساوي تأثير التقنية على حواسنا معدل ما يقضيه الفرد أمام الشاشات اليوم بمختلف أنواعها ما يقارب 7 ساعات، وقضاء الكثير من هذا الوقت زاد اعتمادنا المفرط على البصر والصوت، وقلل استخدام باقي الحواس، وهذا له تأثيراته.
ولا يمكن للناس ببساطة التعبير عن هويتهم بسهولة باستخدام المنتجات الرقمية. على سبيل المثال، رؤية جميع أعمال شكسبير على جهاز لوحي لا تعطي نفس الشعور عند رؤيتها في الواقع، كذلك لا يمكن لرسام تقييم أي عمل فني عن بعد.
وعائداً إلى حاسة الشم، يقول شيلر “إن الرائحة إشارة هامة حقا للتواصل الاجتماعي، وهذا شيء لا يطبقه في أي تقنية نستخدمها اليوم”.
أما تشارلز سبنس أستاذ علم النفس التجريبي جامعة أكسفورد، فيقول “تبين أننا نميل إلى شم راحة يدنا دون وعي بعد مصافحة شخص ما. وهذا يعطينا تلميحات عن الأشخاص، بدءًا من صحتهم، إلى أعمارهم، وحتى شخصياتهم، وسنفقد قدرا ليس بالقليل من ذلك إذا كنا نتفاعل رقميا فقط”.
وبالعبور إلى حاسة اللمس، حيث تكون ضرورية لحياتنا العاطفية، وبطرق لا يمكن أن تعوض لمس شاشات الأجهزة الذكية، قد تثبت من مستقبلات عصبية متاحة بكثرة في الجلد تخلف مشاعر إيجابية عند تحفيزها.
أما الأذى الأكبر لتأثير التقنية، ذلك المتعلق بالذاكرة، فإنه يتطلب معرفة كيفية حدوث الأمر داخل الدماغ.
وفي حياتنا اليومية، نركز عادة على ما يناسبنا، وهذا يحدث في جزء من العقل يُدعى القشرة الجبهية.
وتساعدنا تلك القشرة على تركيز الاهتمام على ما نحتاج إلى تعلمه ومعالجته بطريقة هادفة، والبحث عن الذكريات الموجودة في مكان معين، والحفاظ على دقة ذكرياتنا إذا أردنا تذكر الشيء السليم.
ويُشير إلى أن العقل البشري مصمم للتعامل مع كميات ضخمة من البيانات بموارد أقل، فعندما نركز على “التوثيق” أكثر من “التجربة” فإننا لا ننتبه إلى ما يميز هذه اللحظة، أي المشاهد والأصوات والروائح والمشاعر التي تجعل التجربة فريدة.
ولا يشغلونا بدلا من ذلك في تسجيل كل لحظة وتوثيقها بالصور أو الفيديو، وهنا نفقد التركيز على أي جانب من جوانب التجربة بتفاصيل كافية لتكوين ذكريات تميزية سنتذكرها.
وفي عالم تتم فيه مقاطعة محادثاتنا وأنشطتنا واجتماعاتنا بشكل روتيني من خلال الرسائل النصية ورسائل البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية، تضعف هذه المشتتات قدرات عقولنا، وغالبًا ما نزيد المشكلة بتقسيم انتباهنا بين أهداف متعددة. فتعدد المهام يمكن أن يجعلنا نشعر بأننا أكثر كفاءة، ويفتخر الكثيرون بالقدرة على التبديل بين مهمة وأخرى، ولكن هذا بتكلفة.
وكل مرة يُشتت انتباهنا بشكل روتيني أو يتم التبديل بين تدفقات الوسائط المختلفة (مثل قراءة رسالة نصية مع الاستمرار في المحادثة)، تمتص موارد الفص الجبهي لاسترداد تركيزنا. والنتيجة هي وجود ذكريات ضبابية ومجزأة.
تتأثر أيضًا كفاءة الأشخاص في تذكر المعلومات مع ظهور منصات مثل “شات جي بي تي” حيث تهدد ذاكرة الأفراد وقدرتهم على التفكير النقدي لأنفسهم.
وتبدأ هذه العوامل في التأثير على كيمياء دماغ المستخدم، مما يجعل من الضروري أن تكون على دراية بكيفية استخدامك للمنصات المعلوماتية، للحفاظ على صحة عقلك ومستوى المهارات المعرفية.الإستعاضة عن فقدان نقاط التقاط العصبية للذاكرة القديمة بسبب عدم إستعمال تكنولوجيا يُسهم فيها.
لكن، هناك إختلاف بين إستقلالية إسترجاع المعلومات وإعتماد الإنترنت لتزويدك بالمعلومات. ومن الضروري في بعض الأحيان أن تحاول تذكر المعلومات بنفسك بدلاً من اللجوء مباشرة إلى الإنترنت.
شركات تحاكي حواسنا للتسويق والربح
شركات التكنولوجيا الكبرى قد بدأت إنتقاد تأثير الحواس في المنتجات لزيادة مبيعاتها. ومثلاً “ديكستا روبوتيكس” الصينية قامت بإضافة اللمس في الواقع الافتراضي باستخدام قفاز يُعرف بـ “ديكسومو”.
ويُقول ألير جو المدير التنفيذي للشركة “ديكسومو قادر على توفير ردود فعل حسية وردود فعل قوية في نفس الوقت، هذا يعني عند تحريك أصابعك على سطح افتراضي، ستشعر بملمس السطح وعند حمل الطوبة وتحريكها من مكان لآخر، ستشعر بالشكل الفعلي”.
ومثال آخر إبتدأت بعض المتاجر بإتباعه، حيث أعتمدت على دراسات تؤكد أن النكهات الحامضة يمكن أن تجعلنا أكثر إستعداداً للقيام بسلوكيات ذات مخاطر.
ولذا قام أصحاب هذه المتاجر بتعطير مكان عروض منتجاتهم بنكهة الليمون لتحفيز سلوك الشراء عند الزبائن لكي يقوموا بشراء المنتجات.