اليابان خلال فترة ما قبل الثورة الصناعية الأولى!
ومع ذلك، تمكنت بعد فترة قصيرة من تخطي هذا كله، وظهرت كقوة اقتصادية قوية منافسة للدولة الأميركية.الولايات المتحدة الأمريكية. وربما بسبب كونها نموذجًا شرقيًا قد يتقاطع مع نموذجنا الشرقي التقليدي بطريقة ما، أكثر من التجربة اليابانية على سبيل المثال.
هناك العديد من الفصول المثيرة في الحكاية اليابانية التي تجذب المدقق ليتعمق فيها ويعرف أصولها. وسأبدأ نظرتي من العصر الحديث نسبيًا، تقريبًا منذ بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر في عام ١٨٦٠.
في ذلك الوقت، كان الإمبراطور يدعى مايجي، وهو الاسم الذي اختاره كومي الإمبراطور عند توليه الحكم، ويعني “المتنور” كرمز للعصر الحديث. تم إصدار القرار بالتغيير (نلاحظ هنا دور البطانة الداعمة)، حيث انحنت بعض الإقطاعيات بطيء وساهمت في تنفيذ هذا التغيير ونجاحه.
لكن دعونا أولاً نلقي نظرة جغرافية على تلك الأرض المنعزلة في أقصى الشرق. تتكون اليابان جغرافياً من أرخبيل بحري، أي مجموعة من الجزر وسط المحيط. تقع مقابل الصين من الجهة الجنوبية الغربية، حيث يفصلهم بحر اليابان. يُمتد شمالًا ليفصلها عن روسيا وكوريا، بينما من جهة الشمال، تفصل اليابان مضيق لابيروز عن بحر أوخوتسك وجزيرة سخالين المنتمية لروسيا. يحدها المحيط الهادئ من الشرق والجنوب، لتقع قبالة سواحل الولايات المتحدة الأمريكية شرقًا.
وفعلاً، كما كانت طبيعتها الجغرافية المنعزلة، كانت اليابان تعيش حالة عزلة حضارية حتى عن المجتمعات الأخرى في تلك الفترة، حيث كانت سياستها الابتعاد عن العالم الخارجي، وكانت مقسمة ومحكومة بنظام الاقطاعيات، فكان الحكم مقسمًا بين الأسر بجانب السلطة الإمبراطورية الرمزية. وتميز الشعب بهيكل طبقات يعيش بمعايير مختلفة حتى في مجال التعليم، حيث كانت طبقة الساموراي، التي كانت تخدم الاقطاعيين، ضمن أرفع الطبقات، وعلى الرغم من عدم ثرائها الاقتصادي، كان لها مكانة أخلاقية وكانت تتبع مبدأ التضحية من أجل الآخرين على حساب مصالحها الشخصية، فكانت تعيش حياة تعانق النبلاء.
ظلت اليابان على هذا الحال حتى واجهت الحملات العسكرية الغربية، حيث أرادت الولايات المتحدة القوة فرض سيطرتها على السواحل اليابانية، خاصة وأنها جنوبي الصين وكوريا، وكذلك بعض الدول الأوروبية مثل هولندا.
بدأت الولايات المتحدة بالتهديد بفرض سيطرتها بالقوة وهنا استفاق بعض حكام الاقطاعيات والساموراي المساعدين وفضلوا ضرورة توحيد اليابان تحت راية الإمبراطور، خاصة بعد أن أدركوا التقدم الحديث للسلاح الأمريكي والأوروبي بينما كانت اليابان بلا ذلك.
وكان الإمبراطور في ذلك الوقت يدعى مايجي، وهو الاسم الذي اختاره كومي الإمبراطور عند توليه الحكم، ويعني “المتنور” كرمز للعصر الحديث. وتم إصدار القرار بالتغيير (هنا يجدر بنا التأكيد على دور البطانة الداعمة)، حيث انحنت بعض الإقطاعيات بطيء وساهمت في تنفيذ هذا التغيير ونجاحه.
كان هدف السيد كوباياشي غير اعتيادي بالنسبة لنا بالطبع، حيث كان لديه رؤيته الخاصة، وحاول إقناع الآخرين قائلاً: إذا قمنا بتوزيع مئة كيس أرز وأكلناها، فسينفد وستعود الجوعى، بيد أنه إذا بعناها وبنينا مدرسة بثمنها، فسيتحول المئة كيس أرز إلى مئة ألف كيس أرز.
ومع ذلك، فإن التغيير يواجه دائمًا معارضة، وغالبًا ما يدفع البعض ثمناً باهظًا، حيث شنت حرب ضد بعض الاقطاعيات ودفع أهلها ثمنًا باهظًا. إلا أن الهدف كان التغيير نحو الأفضل في النهاية لليابان، وتم بعد ذلك إرسال الدعم والمساعدات بعد فرض السيطرة. ولوصول المساعدات، فُرسلت مئة كيس أرز لأحد تلك القرى وكان السيد كوباياشي المسؤول عن إحدى الاقطاعيات التي استلمت المئة كيس أرز، لكنه رفض توزيعها على الناس الجياع.
بالتأكيد، نسمع عن حالات مثل هذه في العصر الحالي وفي بلداننا، إلا أن هدف السيد كوباياشي كان مختلفًا عن المألوف بالنسبة لنا، حيث كان لديه رؤية خاصة، وحاول إقناع الآخرين قائلاً: إذا قمنا بتوزيع مئة كيس أرز وأكلناهم، سوف تنتهي وستجوع الناس من جديد، بينما إذا بعناها وبنينا مدرسة بثمنها، ستتحول المئة كيس أرز إلى مئة ألف.
وفعلاً، بالرغم من رفض بعض السكان، تم بيع الأرز وبناء مدرسة كابو غوكان. وكانت هذه خطوة أساسية نحو تقدم ياباني جديد.
هذه القصة تذكرنا بأن الطعام والشراب والملبس ليسوا كل شيء، بل أن طرق وسبل التغيير تأتي من خلال عوامل متعددة، منها العلم وربما الأمان أو أي عامل آخر من عوامل التنمية.