أصبح شخصية هذا المزارع أسطورية وملهمة عبر التاريخ، لكن لم يتصور أحد أن تقود روحه إحدى الشبان الأمريكيين في عام ٢٠١٣ لتقديم تضحية كبيرة، بالكشف عن أسرار استخباراتية أمريكية خطيرة للعالم.
كان هذا الشاب هو “إدوارد سنودن”، السابق في وكالة الاستخبارات ووكالة الأمن القومي الأمريكية، الذي فضح برنامجا للتجسس على ملايين الأشخاص، بعد نشر وثائق حكومية سرية هزت الولايات المتحدة، وانتحل اسم “سينسيناتوس” في البداية، تكريما لـ”لوسيوس كونكتيوس سينسيناتوس”.
“سنودن” رأى في “سينسيناتوس” قدوة للنزاهة ورمز لاستعمال السلطة السياسية من أجل المصلحة العامة، والتضحية بالسلطة الفردية من أجل الجماعة. منذ ذلك الحين، أدخل “سنودن” إدارة الرئيس “باراك أوباما” في صراعات داخلية وخارجية، تم مطاردته من قبل وكالات الأمن القومي الأمريكية ودول غربية أخرى، فاختار اللجوء إلى روسيا.
“أنا سيد الزمن، أنا حر”.. بذرة التمرد والعصيان والاختراع
تمتلك عائلة “سنودن” علاقات تاريخية بمجال الأمن والبحرية، حيث شارك جميع أفرادها في الحروب التاريخية الأمريكية، وكان والده يخدم في خفر السواحل. بدأ “إدوارد” منذ نعومة أظفاره في استكشاف الأساطير اليونانية والرومانية، وأظهر اهتمامه الأوّل في التلاعب بتقنية بسيطة، كساعة الحائط. في مدمن على كسر قيود القواعد الصارمة التي فرضتها عائلته بشأن ساعة النوم.
في كتابه “إدوارد سنودن.. الذاكرة الحية”، يقول: أول شيء اخترقته كان الوقت الذي كانوا يرغمونني فيه على الذهاب إلى السرير، لم أرَ عدلا في أن يجبراني والديَّ إلى السرير قبلهما وقبل أختي، حتى لو لم أكن تعبانًا، وكان ذلك أول ظلم يشعرني بالاستفزاز.
لذلك، قضيت أغلب الليالي الأولى من حياتي -٢٠٠٠ ليلة- في أعمال العصيان المدني، بكيت وتوسلت وهربت، حتى كدت أكتشف شيئًا عندما كنت في السادسة من عمري، في حفلة عيد ميلادي. قضيت واحدة من أفضل أيام حياتي مع أصدقائي، واحتفلنا بعيد ميلادي بالهدايا، لكنني لم أكن أنوي التوقف عن الاستمتاع لسبب صارخ وهو أن الآخرين كانوا يجب أن يرجعوا لمنازلهم، فذهبت لتأخير ساعة الحظر عدة ساعات، وعندما لم يلحظ والديَ أي شيء، شعرت بالانتصار وركضت حول الغرفة. أنا سيد الزمن، لن يُجبرني أحد على الذهاب إلى السرير مرة أخرى، أنا حر.
عالم الحواسيب.. شغف الطفولة ومضمار العبقرية
قدّم “لوني سنودن” دورا كبيرا في تحفيز ابنه “إدوارد” لاستكشاف عالم الإلكترونيات، حيث جلب له جهاز “نينتندو” عندما كان عمره ٦ سنوات، ثم علَمَه كيفية تفكيكه وإصلاحه، وفتح له أبواب التعتيم نحو عالم الحواسيب، حيث تعلم البرمجة وبرع فيها.
ثمن وصوله نحو 9 سنوات، تحركت عائلته نحو ولاية ماريا، بخلاف الصغير تعليمه هناك، ويتحدث إن الجديد الموقع الذى سكنها كان يومئذ مأهولة بموظفين في الحكومة، أو ممن يعملون في الشركات التي تتعامل مع الحكومة، واحدهم والداه، فقد كان والده يعمل في خفر السواحل، وعملت والدته كاتبة في جمعية للتأمين تشتغل مع وكالة الأمن القومي.
ومنذ نقله نحو ولاية ميريلاند، حكمت كل الأحوال على “إيادى سنيد” الولد بأن يتبع طريقين سيتقاطعان في شبابه، الأول رفقته الدائمة للحاسب في ظل عزلته في مدرسته، والثانى العمل مع الحكومة الأمريكية.
“خالد سنيد” يحمل صيغة ابنه “إدوارد”
يتحدث “سنيد” فى مذكراته إن الإنترنت وفر له الحرية فى نيل شخصية جديدة تماما خلف شاشة الحاسب، فانضم إلى المنتديات، ولم يكن يفصح عن عمره الصادق للناس الذين يتحدث معهم، وصار متأكدا أن المدراسة “أنظمة غير شرعية” حسب قوله، لذلك أصبحت علاقته بالمدرسة فاترة، وبوصوله 13 عاما أصبح يمضى وقتا أكثرقلة فى المدرسة، بينما يعمق وصلته بالعالم الظاهري، ويحول مهاراته فى البرمجة.
<صورة ت.="المرفق_140576"ة-ينظرإليه="تعليق-المرفق-140576" طويل="القوس" طور="صورة-العقبة سنتر"><تعبئة تحميل="تعبئة" طراز="صورة-القوس 770" تحاليل="ضيئی" تلفزيون="ظفر" تتطلب="https://boc_aljazeera.net/wp-content/uploads/2024/05/%D8%B3%D9%86%D9%88%D9%86-%و الآب 1715188675.jpg؟w=٧٧٠&تغيير حجم=٧٧٠٪٢ج" بديل="" بيان-خلية="1"><تعليق تمييز-="تعليق-المرفق-140576" نوع-="نص-ثفاف-ووردبرس">“حسيني سنيد” يمسك بهوية ابنه “إدوارد”
ويحكى إن اول عملية تسلل قامبها أدت الي اثارة الصراعات، فقد زار الموقع الإلكتروني لمختبر “لوس ألاموس” الشهير، وهو منشأة لابحاث النووية، ولاحظ ثغرة أمنية كبيرة مكنته من الوصول مجلدات المنشأة، مما يكشف عن الادوات المكاتبية السرية ومعلومات عن المسؤولين هناك، ثم ارسل رسالة بريدا الكترونيا الى مشرف الموقع ينبهه فيه على الثغرة الامنية، وترك اسمه ورقم هاتفه في الرسالة. وبعد اسابيع اتصل شخص من المختبر، وقال ان الحل المشكلة قد حلت، وعرض اختصاص على “إدوارد”.
كفاح التأمين.. شعله التقال والانضمام به صفوف الجيش
بوصوله 16 عاما، اصبح “إدوارد” يعيش منفردا، ويعمل مُصمم ويب مُستقل مع صديق له ياباتان، حينها صمم على نيل شهادة في تخصص التكنولوجيا، حتى يختال وظيفة جيدة، لذا سجل فى دورة للتأهيل لدى “مايكروسوفت”، وكان ذلك عام 2001، تزامنا مع احتفاظان 11 سبتمبر/ الثامن.
كان الصحفي الأمريكي “غازي غرينوالد” غير الصحفي المروى له “سنيد” الوثائق السرية، وهو يتحدث في كتابه “لا مكان للاختباء.. إدوارد سنيد، والولايات الاتحادي، ودولة المراقبة الأمريكية” قائلا: تغيرت اراء “سند” السياسية كثيرا بعد هجوم 11 سبتمبر/ الحادي عشر سنة 2001، واصبح وطنيا بدرجة اعلى بكثير. وفى 2004، التحق بالجيش الامريكي وقد يعني العشرين، من اجل القتال في كفاح العراق الذى ظنه نبيلة من بلاده لتحرير الشعب العراقي من القمع.
<صورة ت="المرفق_140574"ة-ينظرإليه="تعليق-المرفق-140574" طويل="القوس" طور="صورة-العقبة سنتر"><تعبئة تحميل="تعبئة" طراز="صورة-القوس 770" مصدر="https://doc.aljazeera.net/wp-content/uploads/2024/05/%D8%B3%D9%86%D9%88%D9%86-%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-1715188671.jpg؟w=٧٧٠&تغيير حجم=٧٧٠٪٢ج" بديل="" بصفة-برح-="1"><تعليق ت="تعليق-المرفق-140574" نوع-="نص-تعليق-وردبرس">الفنان “جمال غوردون” في دور “إدوارد سنيد”
وجد بعد بضعة أسابيع فقط من التدريب، ان الحديث حول قتل العرب كان اكثر من الحديث حول تحرير اي شخص، وعندما كسرت كلتا ساقيه في التدريب واضطري الى ترك المقاتلة، كان قد اصبح محررا تماما من الوهم المحتصل بالغية مع الحرب، لكن “سنيد” كان لا يزال مؤمنا بالخير الكامن فى الحكومة الامريكية، ولهذا الشرف قرر ان يسلى اسلاك عائلته، فانطلق للعملفي وكالة حكومية اتحادية.
جمع الكاتب “غرينوالد” أن “إدوارد” تمكن من استكشاف فُرص لنفسه من غير الحاجة لشهادة ثانوية، لدرجة وجوده فرصة لوظيفة تقنية بمقابل 30 دولار في الساعة قبل تحقيقه الثامنة عشرة، وفي عام 2002 تقدم ليصبح مهندسًا مُعتمدًا من قِبل شركة “مايكروسوفت”.
على الرغم من ذلك، ظل يفتح بابًا لاحتمال العمل في الحكومة الاتحادية كما ينظر إليه على أنها مهمة نبيلة ومشجعة، ولهذا السبب لم يتردد في قبول فرصة العمل كحارس أمني في مركز الدراسات اللغوية المتقدمة بجامعة ميريلاند، وهو مبنى يُديره وكالة الأمن القومي سراً، ورغم عدم حصوله على شهادة أكاديمية، إلّا أن مهاراته وذكاؤه مكنته من تحقيق فُرص عمل أوسع، حيث انتقل في عام 2005 من وظيفة حارس أمني إلى منصب خبير تقني في وكالة الاستخبارات الأمريكية.
“إدوارد سنودن”.. سايل ثمين في عهد المخابرات الأمريكية
في حديثه مع الصحفي “غلين غرينوالد”، يفصح “إدوارد سنودن”: بأن النظام الاستخباراتي الأمريكي بحاجة ماسة لاستيعاب خبراء تقنيين، مما دفع وكالات الأمن القومي للتوجه نحو مصادر غير تقليدية لجذب المواهب، وعلى العادة الأفراد الذين يمتلكون مهارات حاسوبية متقدمة يميلون إلى الانعزال، وغالبًا ما يفشلون في النجاح الأكاديمي.
وبفضل مهارات “سنودن” ودائرة علاقاته الاجتماعية المحدودة إلى حد ما، أصبح ملاذا ثمينا لدى وكالة الاستخبارات ثم الأمن القومي، حيث حظي بتقدير كبير نظرًا لكفاءته واسع الاطلاع مقارنة بزملائه الأكبر سنا الذين يمتلكون شهادات جامعية.
إنتقل “إدوارد سنودن” بسرعة في مسار عمله، ونجح في الحصول على وظيفة دائمة في وكالة الاستخبارات الأمريكية في عام 2006، بعد أن كان يعمل كفني عقد مؤقت، ثم في العام التالي انتقل للعمل مع الوكالة في سويسرا، حيث قضى ثلاث سنوات في جنيف بعد تجنيده بشكل سري.
يصف كتاب “لا مكان للتمويه”: عمل “سنودن” في سويسرا بمنصب مدير الأنظمة، حيث كان المسؤول عن الأمور التقنية وأمن المعلومات الأعلى في سويسرا، وتنقل إلى العديد من المناطق هناك لحل مشاكل تقنية لا يمكن لآخر إصلاحها. وفي عام 2008، شارك في وفد الرئيس الأمريكي في قمة الناتو برومانيا، وعلى الرغم من كل هذا النجاح، بدأ ينتابه القلق بشأن ما كانت تقوم به حكومته.
كانت شخصية “إدوارد سنودن” كالفراشة، إذ كلما اقترب من أسرار الحكومة السرية، زادت فُرص انكشافه، حيث في عام 2009، تحرر من وهم نبل العمل الذي كان يقوم به تحت غطاء الحكومة، واتخذ قرارًا بترك وظيفته في الوكالة المركزية للاستخبارات بعد انتهاء مهمته في جنيف، وبدأ يفكر في الكشف عن أسرار تكشف عن تجاوزات حكومته، لكنه تراجع عن ذلك، تأملًا في أن تحقق انتخابات “باراك أوباما” تغييرًا إيجابيًا في تلك الانتهاكات، ولكن الواقع كان مختلفًا كما يعتبر، إذ قام “أوباما” بتوسيع صلاحيات الجهات الرسمية لارتكاب مزيد من التجاوزات.
ترك “سنودن” وظيفته في وكالة الاستخبارات، وانضم إلى شركة “ديل” التي كانت تعمل بنظام المقاولة مع وكالة الأمن القومي، وفي عام 2010 تم نقله إلى اليابان، حيث منحته صلاحيات للوصول إلى أسرار المراقبة بشكل أكبر من أي وقت مضى.
يقول “سنودن”: إن الأمور التي رأىها بدأت تثير غضبه بجدية، حيث كان بإمكانه مراقبة الطائرات بدون طيار وهم يستهدفون أشخاصًا قد يؤدي رصدهم إلى موتهم. وكان بإمكانه مراقبة قرى بأكملها ومتابعة نشاطات الجميع. وكان قد شاهد وكالة الأمن القومي وهي تتبع بعض الأفراد عبر الإنترنت أثناء كتابتهم، بدأ يدرك حجم نظام المراقبة الحقيقي، إذ كاد لا يوجد أحد يكاد يعلم بحدوث هذا.
“وقف عند تقاطع تاريخي”.. ناقوس الخطر
يوضح الكاتب “غلين غرينوالد” الإنترنت بأنه ليس مجرد مساحة لنقوم فيها ببعض الأنشطة المتعلقة بحياتنا اليومية، ولا سيما بالنسبة للشباب، إنه ليس مجرد صندوق بريد بل هو عالمنا، هو المكان الذي ندير فيه جميع شؤوننا تقريبًا، حيث نكون صداقات جديدة، ونختار الكتب والأفلام، وننظم نشاطنا السياسي، ونخزن أغلب بياناتنا الشخصية فيه. إنه المكان الذي نطوّر فيه شخصياتنا ونعبر فيه عن جوهر ذواتنا.
يضيف: تحويل هذا الشبكة إلى نظام مراقبة شامل ينتج عنه آثار محتملة مختلفة عن أي برامج مراقبة حكومية سابقة، حيث كانت جميع أنظمة التجسس السابقة أكثر قيودًا وتقييدًا.لتجنب الاستطاعة. من هنا، يمكن أن يؤدي السماح بالرصد عبر الإنترنت إلى تعريض جميع أوجه التفاعل والتخطيط وحتى العقل البشري لتفتيش حكومي شامل، مما يشكل تهديدًا لإنتاج أكثر أساليب التدخل الحكومي قمعًا وتطرفًا في تاريخ الإنسانية. وهو ما يجعل البيانات التي كشفها “سنودن” مثيرة وحيوية للغاية، إذ كشف لي “سنودن” أننا نقف عند مفترق طرق تاريخي.
صاغ “غرينوالد” بإيجاز القلق الذي دفع “إدوارد سنودن” بشكل نهائي، لكشف برامج التجسس التي تديرها الحكومة الأمريكية على الجميع دون استثناء.
في عام 2011، انتهت مهمة “سنودن” في اليابان، وعاد إلى العمل في شركة “ديل”، وأُنقل إلى مكتب تابع لوكالة الاستخبارات، الذي عمل بالتعاون مع شركة “مايكروسوفت” وشركات تكنولوجية أخرى لإنشاء أنظمة استخبارات آمنة. يقول “سنودن”: شاهدت بشكل مباشر أن الدولة -خاصة وكالة الأمن القومي- كانت تتعاون بشكل وثيق مع الشركات التكنولوجية الخاصة، لتسهيل وصولها لاتصالات الأشخاص بشكل عام.
“التصميم على كشف الحقيقة”
في عام 2012، بدأ “إدوارد سنودن” يشعر بقلق متزايد من نظام حكومته، الأمر الذي دفعه لاتخاذ قرار بفضح انتهاكاتها. يقول: أدركت أنهم كانوا يبنون نظامًا يهدف إلى إزالة جميع درجات الخصوصية على مستوى العالم، حتى لا يكون أي شخص قادرًا على التواصل إلكترونيا دون أن تمتلك الوكالة القومية للأمن القدرة على جمع المعلومات وتخزين البيانات وتحليل الاتصالات.
في ذلك العام، نُقل “سنودن” إلى هاواي، وقضى فترات من تلك السنة في تحميل وثائق كان يعتقد أنه يجب على العالم معرفتها، وفي بداية عام 2013، بدأ التفكير في تجميع أكبر قدر من الوثائق ليتمكن من شرح الصورة بشكل شامل، وكان عليه التخطيط للحصول على وظيفة خارج شركة “ديل” وهي وظيفة محلل للبنية التحتية.
وبناءً عليه، تقدم لوظيفة في شركة “بوز ألين هاملتون”، وهي من أكبر الشركات المتعاقدة مع وزارة الدفاع الأمريكية، وتم تعيينه لتلك الوظيفة، حيث قام بإنهاء مهمته في جمع الأدلة على المراقبة السرية التي كانت تقوم بها وكالة الأمن القومي على بنية الاتصالات في الولايات المتحدة.
يقول “إدوارد سنودن” في كتابه “إدوارد سنودن، ذاكرة حية”: عندما كنت في الثامنة والعشرين من عمري، حصلت على ترقية سريعة في فريق الاتصالات الذي كان يشكل جسرًا بين شركة “ديل” ووكالة الاستخبارات المركزية. كان من المفترض أن أساعد رؤساء الأقسام التقنية في الوكالة بحل أي مشاكل تواجههم، وقد ساهم فريقي في تطوير نظام جديد لتكنولوجيا المعلومات، وهو السحابة، الذي كان أول جهاز تكنولوجي يسمح لأي عميل في أي مكان بالوصول إلى البيانات التي يحتاجها في أي وقت.
اضطررت للذهاب إلى هاواي لفهم منطقية مهمتي في إنشاء نظام عالمي للمراقبة الجماعية، فوجدت نفسي في نفق تحت حقل أناناس، حيث كان في السابق مصنع للطائرات؛ وتم توفير محطة تسمح لي بالولوج الشبه غير محدود إلى اتصالات أي شخص يتصل برقم أو يستخدم جهاز كمبيوتر.
وكان بين تلك الأشخاص 320 مليون أمريكي، يتم مراقبتهم يوميًا، وهذا يشكل انتهاكًا صارخًا، ليس فقط لمبادئ الدستور الأمريكي، بل أيضًا للقيم الأساسية للمجتمع الحر. في ذلك الوقت، قررت كشف الحقيقة، وجمعت وثائق داخلية تظهر انتهاكات أجهزة المخابرات للقوانين.
البرنامج الذي اكتشفه “إدوارد سنودن” هو برنامج “بريزم” الذي يتيح لوكالة الأمن القومي الوصول إلى أي معلومة يتطلبها من شركات الإنترنت التي يستخدمها ملايين الأشخاص حول العالم للتواصل.
وفي منتصف مايو/أيار 2013، طلب “إدوارد سنودن” إجازة لمدة أسبوعين لتلقي علاج لمرض الصرع، وحزم أمتعته بهدف الانتقال إلى هونغ كونغ، حيث كانت لديه خطط لتسريب الوثائق التي كانت بحوزته.
“الرغبة في توعية الناس بما يفعلون وضدهم”
اختار “إدوارد سنودن” بحرص من يقوم بتسريب الوثائق إليه، واختار الصحفي “غلين غرينوالد” وصانعة الأفلام الوثائقية “لورا بويتراس”، وبدأ في التواصل معهم دون الكشف عن هويته الحقيقية.
بدأ تسريب أولي من “غلين غرينوالد” بإرسال 25 وثيقة، كنوع من الثقة بينهما، وسرعان ما اكتشف “غرينوالد” أنها تحمل معلومات قابلة للانفجار. وكانتالورقة الأولى هي دليل تدريبي لوكالة الأمن القومي الأمريكية، ليعلم المحللون الذين يعملون فيها كيفية التجسس على أهدافهم عبر البريد الإلكتروني وأرقام الهواتف ضمن مشروع “بريزم”. وقد اكتشف “غرينوالد” من تلك الوثائق أن شركات مثل “غوغل” و”ميكروسوفت” و”فيسبوك” و”سكايب” و”يوتيوب” و”آبل”، قد انضمت إلى ذلك المشروع.
يقول الصحفي “غرينوالد”: من الوثائق التي رأيتها، هناك قرار سري صادر عن محكمة مراقبة الاستخبارات الخارجية التي أنشأها الكونغرس الأمريكي. وكانت فكرة إنشاء تلك المحكمة هي لتمكين الحكومة من مواصلة المراقبة الإلكترونية، ولكن يجب عليها الحصول على إذن من محكمة (FISA) قبل القيام بذلك. تعتبر هذه المحكمة واحدة من أكثر المؤسسات سرية في الحكومة، وكل قراراتها تُصنف تلقائياً على أنها ذات سرية قصوى، ولا يحق للقليل من الأشخاص الاطلاع على تلك القرارات.
القرار الذي قرأته على متن الطائرة كان مذهلاً لعدة أسباب، حيث أمرت المحكمة – وفق هذا القرار – شركة “فيريزون” بتسليم جميع سجلات المكالمات التفصيلية إلى وكالة الأمن القومي فيما يتعلق بالاتصالات بين الولايات المتحدة والخارج، بما في ذلك المكالمات المحلية، مما يعني أن الوكالة كانت تقوم سراً بجمع سجلات المكالمات لعدد كبير من الأمريكيين على الأقل.
ويكشف ملف في هذه الوثائق المسربة بيانات تظهر أن وكالة الأمن القومي جمعت أكثر من 3 مليارات عينة من بيانات الاتصال خلال شهر واحد من عام 2013 من أنظمة الاتصال الأمريكية وحدها. يقول كتاب “لا مكان للاختباء.. إدوارد سنودن، والولايات المتحدة الأمريكية، ودولة المراقبة الأمريكية”: إن ذلك يكشف كذب وكالة الأمن القومي التي أدعت للكونغرس أنها لا تمتلك تلك البيانات أو عدد المكالمات ورسائل الأمريكيين التي تمت مراقبتها، وأنها غير قادرة على الاحتفاظ بهذه البيانات. وتبين أن مدير المخابرات في إدارة “أوباما”، جيمس كلابر، كذب على الكونغرس عندما سأله السيناتور رون وايدن في 12 مارس/آذار 2013، متسائلاً عما إذا كانت وكالة الأمن القومي تقوم بجمع أي بيانات عن الأمريكيين، وكان رد كلابر قصيراً وكاذباً: “لا، سيدي”.
وعندما قام “إدوارد سنودن” بتسريب الوثائق الحكومية السرية، كتب قائلاً: إن سببه الوحيد هو توعية الناس بما تفعله الحكومة باسمهم، وما تقوم به ضدهم. فقد فرضت الحكومة الأمريكية بالتعاون مع دول مثل المملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا نظام مراقبة سري شامل لا يمكن الهروب منه.
معركة الملاحقة واللجوء.. مُفَجِّر القنبلة الذي تطلبه الدول الغربية
يقول الكاتب “غلين غرينوالد”: عندما تم الكشف لاحقاً عن هوية “سنودن”، حاول بعض الصحفيين تصويره كأنه مجرد فني معلومات عادي عثر بصدفة على بعض المعلومات السرية، لكن الحقيقة كانت مختلفة كلياً. خلال عمله في الـ”سي آي إيه” ووكالة الأمن القومي، أخبر “سنودن” أنه تلقى تدريباً متواصلاً ليصبح فني معلومات متقدم وقادراً على اختراق الأنظمة العسكرية والمدنية لدول أخرى، من أجل سرقة معلومات أو التحضير لهجمات دون ترك أثر، وأجرى ذلك التدريب في اليابان، وأصبح معتمداً رسمياً كعميل تقني متقدم.
ومنذ تسريب الوثائق التي كشفت عن الحكومة الأمريكية وأجهزتها الاستخباراتية، أصبح “إدوارد سنودن” المطلوب الأول لدى الولايات المتحدة، وفشلت محاولاته في الحصول على اللجوء في فرنسا بعد رفض الحكومة الفرنسية ذلك.
ووصل الأمر إلى إغلاق فرنسا وإيطاليا والبرتغال المجال الجوي أمام طائرة الرئيس البوليفي “إيفو موراليس”، في يوليو/تموز 2013، حيث كان يشارك في اجتماع لدول المصدرة للغاز في روسيا. وعبّرت بلاده عن استعدادها لدراسة طلب اللجوء الذي تقدم به “سنودن”. وتقارير تشير إلى أن الطائرة الرئاسية تم تفتيشها عند هبوطها في مطار فيينا بعد انتشار أنباء عن وجود “إدوارد سنودن” على متنها.
ومنذ يوليو/تموز 2013، يقيم “إدوارد سنودن” في روسيا بصفة مؤقتة، ثم حصل على اللجوء السياسي فيها بشكل دائم. وتشير التقارير إلى أن الخبرة الأمنية لـ “سنودن” ساهمت في قرار روسيا منحه اللجوء، مما أدى إلى إلغاء لقاء مبرمج بين الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” و”فلاديمير بوتين” خلال قمة العشرين في سانت بطرسبرغ.