ما الذي يتبع قبول المقاومة لاقتراح الهدنة؟!
بعد إعلان المقاومة قبولها لاقتراح الهدنة الذي اعتمدته وسطاء، يعني ذلك وقف إطلاق النار، حتى ولو على مراحل، فقامت بإطلاق الأعيرة النارية في الهواء، وقامت معها بإطلاق الزغاريد في مناطق متفرقة من قطاع غزة، رفع الشباب أصواتهم، وغنوا بفرحٍ
وفي ساحة هذه البهجة، هتفوا “ضع السيف أمام السيف ونحن رجال الضيف محمد”، رسالة واضحة للعامة وللخصماء بأنّهم ملتزمون بالأرض عن طريق المقاومة.
طرح وقف إطلاق النار يحتوي على 3 مراحل، كل مرحلة تدوم 42 يومًا، ومن الواضح أنها مستندة إلى اقتراحات باريس، إذ تُشبهها كثيرًا، ويُدرج الاقتراح الموافقة على وقف العمليات العسكرية والعدائية بشكل دائم في المرحلة الثانية
قبل إعلان المقاومة موافقتها على مقترح الهدنة، كان نتنياهو وحكومته يواصلون حملتهم الحربية بالتهديد والتحريض عقب رفح، مهددين بغزو المدينة التي يعيش بها ما يقرب من مليون ونصف المليون شخص، وقد لجأت المقاومة إلى وسائل الحرب الإسرائيلية بعد تدميرها لكل المدن من الشمال والجزء الوسطى إلى حدود المحافظة الجنوبية، على الرغم من ذلك، أعلنت المقاومة أن تهديد الغزو المحتمل لرفح لن يمارس ضغطاً عليها خلال مسار المحادثات، وأعلنت موافقتها على المقترح، وأبلغ هنية رسمياً الوسطاء بذلك.
منذ اللحظة الأولى لإعلان المقاومة القبول باقتراح وقف إطلاق النار، شككت الاحتلال، وصرح مسؤولون في حكومتهم بأنهم سيلتقون لمناقشة الرد على الاقتراح عند تسلمهم له، ثم شككوا في الوثيقة التي وافقت عليها المقاومة، مُدعين أن الترجمة ليست دقيقة، وأن الشروط فيها غامضة، مما يُعتبر مماطلة معروفة في سياق المفاوضات.
ومع ذلك، فإن موافقة المقاومة على اقتراح الوسطاء كانت ضربة استباقية زلزلت الاحتلال، وعطّلت العديد من مخططاته، وقلبت رأساً على عقب ذريعة الهجوم على رفح، ورغم استمرار الهجوم بعد إعلان الموافقة، إلا أنها كشفت عنه وكسرت غطاءه، وأظهرت الرغبة المُجددة من قبل الاحتلال في الاستمرار بالدماء العربية، وشتت فكرة الميناء المؤقت الذي أنشأته القوات الأمريكية بالفعل، والذي كان يعتبر بمثابة التهديد الرئيس لإفراغ القطاع من سكانه، وشتت قاعدة نتساريم، وأحبط هدفها، وبالتالي شتت خطة اليوم التالي للحرب التي كان يخطط لها نتنياهو وصهاينة إدارة الولايات المتحدة، فقد أظهرت الموافقة الاحتلال بوجه الرفض للسلام أمام العالم، مما زاد من سُخط الشعوب على نطاق عالمي.
وفقاً للوثيقة التي وافقت عليها المقاومة، يتضمن اقتراح وقف النار 3 مراحل، كل مرحلة تستمر 42 يومًا، ويشتمل على الموافقة على وقف العمليات العسكرية والعدائية بشكل دائم في المرحلة الثانية، ثم إنهاء الحصار تماماً في المرحلة الثالثة، وسحب الاحتلال من غزة بالكامل وعودة النازحين، بتفاصيل تنفيذية أكثر في تنظيم المراحل وتسليم الأسرى والمحتجزين، وحال تنفيذ هذا سيعني دون شك انتصار المقاومة بضربة قاضية على الاحتلال في كل المجالات، العسكرية والسياسية والاقتصادية وبناء السمعة.
المرحلة الثانية وما تشمله من وقف دائم لإطلاق النار تقضي على مشروع نتنياهو الذي يعتمد على التحريض وإرضاء اليمين المتطرف الذي يعتبره وسيلة للهروب من المحنة السياسية التي تقترب منه
لذا، لم يكن من العجب أن قال مسؤول كبير في الاحتلال لوكالة رويترز: إن الاقتراح الأخير يتضمن تنازلات كبيرة لا تقبلها “إسرائيل”، وأن اقتراح حماس كان يتضمن تبعات بعيدة المدى لا يمكنهم الموافقة عليها، وفي نفس السياق، استمر نتنياهو في إصدار بيانات نيابة عن مصادر سياسية ووزراء من الكابينيت، ليُرسل رسائل مفادها أن حكومته لم يُطرح عليها أي اتفاق جديد، وأن موافقة حماس للأقتراح كانت مجرد مبادرة واحدة، في حين أكد بايدن لنتنياهو أن التوصل لوقف لإطلاق النار مع حماس هو الحل الأمثل لحماية حياة الرهائن في غزة، مما يُظهر أن أمريكا ترجح الحل السلمي بعد أن أصبحت رهانات نتنياهو تُنكر.
لقد رمت المقاومة الكرة في ملعب الاحتلال، حيث وجد نفسه عالقًا في الزاوية، وهو ما أكده وسائل الإعلام الإسرائيلية، ووصفت موقف حكومته في ظل الضغوط الشديدة التي تمارسها الإدارة الأميركية بخصوص الصفقة، وهو ما دفع زعيم المعارضة في الكيان الاحتلالي لدعوة الحكومة لعقد نقاش عاجل بعد موافقة المقاومة على إرسال وفد إلى القاهرة للتباحث، خاصةً بأن اقتراح التهدئة يشمل في المرحلة الثانية إعلانًا مباشرًا عن وقف العمليات العسكرية والعدائية بشكل دائم.
المرحلة الثانية وما تشمله من وقف دائم لإطلاق النار تدمر مشروع نتنياهو المبني على التحريض وإرضاء اليمين المتطرف الذي يعتمد عليه للفلت من المحنة السياسية التي تهدد على قرب منه، وبالتالي تاريخه، حيث حاول خلال عمره السياسي الذي بلغ واحدًا وثلاثين عامًا أن يُحفر اسمه كأحد أعظم السياسيين في الكيان المحتل، من خلال سفك الدم، تمامًا كما كان أثناء خدمته في جيش الدفاع.
ليس بالمُفاجيء على شخصية نرجسية مثل نتنياهو أن يُقنع حكومته بمواصلة العملية العسكرية في رفح على الرغم من الشرط الأميركي لتقليل أكبر قدر ممكن من الخسائر.بصفوف المواطنين، وبالتالي تم الاتصال بين وزير الخارجية للكيان، غالانت، ونظيره الأمريكي، ببلينكن، ليتم إبلاغه ببدء عملية إجلاء الفلسطينيين من رفح. تم الإعلان في نفس الوقت بواسطة إذاعة جيش الاحتلال أن العملية في رفح ستكون محدودة على الأطراف الشرقية للمدينة، وليس في العمق، وهذا يشير إلى تقليل التكلفة البشرية بين المدنيين في العملية، وبالتأكيد هذا لن يكون كافيًا.
ما يُلاحظ بوضوح ولا يُمكن للاحتلال إخفاؤه هو أن المقاومة حققت انتصارًا سياسيًا كبيرًا بالإضافة إلى الانتصارات العسكرية التي حققتها حتى الآن، وهذا سيؤثر بشكل كبير ليس فقط في فلسطين ولكن أيضًا في المنطقة بأسرها.
أشار قادة الاحتلال العسكريون إلى أن معبر رفح البري سيكون جزءًا من العملية، وهذا تم تطبيقه بالفعل. سيشمل ذلك مستشفى أبو يوسف النجار، وفي الوقت نفسه، قام جيش الاحتلال بتوزيع منشورات تحذر المدنيين في المدينة من العودة إلى غزة، مما يعني أن نتنياهو وحكومته وقادة جيشهم مصممون على ارتكاب مجازر جديدة دون مراعاة للقانون الدولي ولا محكمة العدل الدولية، حيث يُعتبر صوت المتطرفين هو الأهم بالنسبة لهم حتى وإن كان ذلك يتطلب سفك الدماء العربية.
عائلات الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين، الذين لا يشكلون قوة تأثير كافية لتغيير نتائج الانتخابات القادمة، قاموا بغلق الطرق في تل أبيب والقدس وبئر السبع احتجاجًا على رفض حكومة نتنياهو الموافقة على صفقة تبادل الأسرى وتأخير إطلاق سراح ذويهم بعد فترة طويلة من الانقطاع، وفي ظروف قاسية حيث يمنع الجيش الطعام والماء عن القطاع. ما يحدث للقطاع سينعكس تأثيره على أسرهم، مما يؤدي إلى فقدان أحدهم تلو الآخر بفعل عناد نتنياهو وقادته العسكريين.
بين الضغط الدولي والأمريكي والشعبي وبين عدم تنازل نتنياهو واحتكاره لمصلحته الشخصية السياسية، من خلال سفك المزيد من الدماء، ستبقى الأيام القادمة هي الحاكمة في هذه اللعبة القذرة، مع تسلط غانتس وآيزنكوت وبن غفير ونتنياهو نفوذهم. وبين كل هذا وذاك، يبقى أنجح ما حققته المقاومة هو النصر السياسي الكبير، إلى جانب النصر العسكري الذي لن يكون له مثيل ليس فقط في فلسطين ولكن أيضًا في المنطقة بأسرها.