واجبات العلماء نحو فيضان الأقصى!
<
div class=”wysiwyg wysiwyg–blog-content css-1vkfgk0″ aria-live=”polite” aria-atomic=”true”>لا يمكن إنكار النصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله التي بينت موقف العلماء وتحدثت عن رفعتهم وأهمية دورهم، وهذا الحديث الغني في نصوص الشريعة ليس بلا فائدة، ولا يمكن أن يكون ذلك بدون مسؤولية يقومون بها، فما يقابل هذه النصوص التي قدمت موقفهم وفضلهم هو أداء الواجب وتحقيق الهدف.
واجبات العلماء كثيرة بشكل خاص نحو مواجهة فيضان الأقصى الذي أدهش العالم ولفت انتباهه، وظلت -وستظل- كحرب عالمية، ولكن المتضرر الأساسي فيها يعتبر جانب المسلمين للأسف
مدى رفعة العلماء
العلماءهم حافظوا الناس، ومصادرهم في الكارثات، وهم ورثة الأنبياء بعد انقطاع الوحي. وفقًا لما قاله العلامة الآجري في مقدمة كتابه “أخلاق العلماء”، حيث قال:
“الله تعالى اختص من خلقه من جعلهم محبين للإيمان، ثم اختص من بين المؤمنين من عميق حبهم فتفضل عليهم، وعلمهم الكتاب والحكمة وفقهوهم في الدين، وعلمهم التأويل، ورفعهم فوق سائر المؤمنين، وهذا في كل زمان وحين. قاموا بتمييز الحلال عن الحرام، والصواب عن الباطل، والمضر من المفيد، والجميل من القبيح”.
وأضاف “فضلهم عظيم، ومسؤولياتهم كبيرة. هم خلفاء الأنبياء، وسعادة الصالحين، يتضرع إليهم الثناء في البحار، وتتراجع الملائكة احترامًا لهم، وسيكونون وسطاء في القيامة بعد الأنبياء. جلساتهم تعطي الحكمة، وأعمالهم تنبذ الغفلة. إنهم أفضل من العباد، وأسمى من الزاهدين. يكونون غنيمة في الحياة، ومصيبة في الموت. يذكّرون الغافلين، ويعلمون الجهلاء. ليس لهم شرا ولا يوجد لديهم مخاوف. بفضل تأديبهم، يتحاور المطيعون، وبعظم موعظتهم يتوب المقصرين. جميع الناس بحاجة إلى علمهم، والصواب مع من خالف أقوالهم قربانًا. الأطاعة لهم واجبة على جميع الناس، والمعصية ممنوعة. من يطيعهم يسلك الطريق الصحيح، ومن يعصيهم يندم”.
واختتم بقوله، “على إمام المسلمين أن يأخذ برأي العلماء في المسائل المسألة فيها حتى يتخذ القرار بناءً على ذلك. وأما الأمراء فليأخذوا بأقوال العلماء فيما لا يعرفونه، والقضاة عليهم بأحكام العلماء والاعتماد عليهم. إنهم سراج العباد، وشعلة البلاد. إنهم قوام الأمة، ومنابع الحكمة. هم المصدر لغضب الشيطان، ومنهم تستنبط قلوب الصادقين، وتمتوت قلوب المضلين، فهم كالنجوم في السماء وبركة في الأرض. يرشدون في ظلمات اليابسة والبحر. إذا انخفضت النجوم، تتضايق العقول، وإذا طلع النور منهم، يبصر الناس الحق”.
وعلى نفس النحو، يُعد كتاب “إعلام الموقعين عن رب العالمين” للعلامة المحقق ابن قيم الجوزية كنزًا خفيًا، يرتعش له القلب، وتزلزل له الأضلاع، ويثير له الجلد. حيث جعل فيه العلماء مثل الموقعين عن الله عز وجل. وقد قال فيه:
“إذا كان منصب التوقيع عن الملوك في المناصب العليا، فكيف بمنصب التوقيع عن رب العالمين؟ الذي يبدأ موقعه بحسابه، ويتأهب لخدمته، ويفهم قدر المنزلة التي يحظى بها. يقوم بالرد على حكم الحق ويتبعه. والله هو المدبر الذي يهدي ويين. فمن تولّى هذه المسئولية التي تولاها رب الأرباب، فقد تولاها بكرامة وجلال. فقد قال في كتابه: {يستفتونك قل الله يفتيكم}. وليعلم المفتي عمن ينوب بفتواه، وليكون مدركًا أنه سيحاسب غدًا وسيحاكم أمام الله”.
العلماء هم رفاق الناس ورواد المجتمع، في كل مكان وأحداثه، وفي كل أفكار وإرشاداته، وفي كل أنشطة وأهدافها، وفي كل عمل وطموح. بل أنهم يتقدمون الصفوف ويرفعون البنر ويقودون الناس. إن الأمة ممتلئة بالخير ومنيرة بالفضل
المهام التي ينبغي عليهم تحملها أمام الكارثة
استنادًا إلى هذا التكليف والتشريف، هم مكلفون بالعديد من المهام الضرورية بشكل خاص بالنسبة لمواجهة كارثة الأقصى التي أخذت تفاحم العالم وتشغل الأذهان. ولا يزال الفريق الضعيف في هذا الصراع هم المسلمون، رغم كل الأسف. هذا لا يعني الاستسلام أو الاستسهال، ولكن ينبغي توضيح الحقائق الصلبة، وتقديمالبراهين الواضحة، والتحشيد والتوجيه لتحقيق ما يمكن تحقيقه. وهنا تأتي دور العلماء على رأس هذه الجهود. فمن بين واجباتهم:
- أولاً: الدور المعرفي، وهو الدور الأساسي الذي تقع عليهم مهمة توضيح حقائق القضية بناءً على نصوص الشريعة وأهدافها، وتوضيح الأسس القانونية والمعرفية المتعلقة بها، وإلقاء الضوء على تاريخها وتوضيح وضعها الحالي، وتفنيد الشبهات العامة والخاصة والجزئية المتصلة بها. هذا دور عام يقوم به العلماء في كل زمان، وخاصة في هذا الوقت الحرج وبالخصوص في معركة الأقصى.
- ثانيًا: توضيح الأحكام الشرعية المتعلقة بالقضية بشكل عام ومعارك الأقصى بشكل خاص. حيث تُواجه المجتمع المسلم في فلسطين أزماتًا وتحدياتٍ مستجدة، ويواجهون مواقف جديدة، فيلجأون إلى العلماء الذين يثقون بهم للاستشارة فيما يتعلق بهم، وفي هذا السياق، يأتي دور العلماء في توضيح الحقائق الشرعية وذكر الأحكام الفقهية لهذه الأزمات؛ بهدف الإجابة والفتوى للناس، ولكي يكون المسلمون تحت سلطان الشريعة الإلهية، طائعين لها وملتزمين بها سعيًا وطلبًا لرضوان الله.
- ثالثًا: الدعوة إلى كلمة التوحيد، وتوحيد الصدق. خاصة في زمن تنافر فيه المسلمون بدعاوى متعددة، وتشتت فيه الحركات العاملة، لا تبقى للأمة راية إلا راية العلماء، فهم القادرين على توحيد الأمة وتوحيد صفوفها، خاصة تحت راية
- قضية فلسطين الكبرى، الهابطة المرتفعة، التي تُخفّض من يتخذ خيانتها ويتآمر ضدها، وتُرفع من يناصرها ويناضل من أجلها.
- رابعًا: العلماء بعد ذلك يكونون جزءًا من الناس وبين الناس، في كل موقف وواقع، وفي كل تصرف وتوجيه، وفي كل فعالية وجهد، بل يقودون الصفوف، ويرفعون الأعلام، ويتبعون الناس، فالأمة تحمل قدرًا هائلًا من الخير ومليئة بالأقدار، وتحتاج إلى من يستثمر هذا كله، ويكشف عن جوهرها ويبرز مصدرها النبيل، ولن يقوم بهذا إلا العلماء.
هذه الأحداث تصنع العلماء الربانيين، ويصنعها الفقهاء الصادقون، وعبرها يميز الله بين الفاسق والصالح، وبين العالم الصادق والمنافق، وكل موقف صادق للعالم يحيي به الأمة
أهم مؤهلات للإنجاز في هذه المهام
لكي يقوم العلماء بتنفيذ هذه المهام وتحقيق هذه الأهداف، هناك مجموعة من المؤهلات التي يجب أن تكون موجودة لديهم لتحمل هذا الأمر، ومن أبرز هذه المؤهلات:
- أولًا: التقوى نحو الله تعالى والمحافظة على وجوده. وتذكر عظمته وإدراك الوقوف أمامه، فهذا وحده يعوق العالم من الانحراف والتخبط، أو التزوير والتحريف في دين الله، والتضليل للمسلمين.
- ثانيًا: التأهيل العلمي الشرعي العميق الذي قام علماء الأصول بتفصيله في متطلبات الاجتهاد، من علم بالنصوص القرآنية والسنة، وأسباب النزول والتكرار، والناسخ والمنسوخ، ومواقف الاجماع والاختلاف، وأهداف الشريعة، واللغة العربية، وغيرها.
هذا العلم العميق يجب أن يكون متواجدًا عند الفقيه الذي يتعامل مع قضايا الحداثة والمشكلات الراهنة. أما العلم الخاص فهو علم حول قضية فلسطين: من خلال النصوص المتعلقة بها، والتاريخ المليء بها، والواقع الراهن الذي تعيشه، كل ذلك في سياق المعرفة بالفترة التي تمر بها الأمة، وفهم الوضع العالمي الراهن؛ والتفاصيل المتعلقة بجهاد والجهاديين وأوضاع الناس العامة والخاصة، ليكون الفقيه على دراية تامة بأموره، ولكي تكون فتاواه صحيحة وأفعاله مبنية على علم، وتحقيق الهدف.
- ثالثًا: الشجاعة الروحية والقلبية التي تمكن العالم من التحدث بالحق والتمسك به – كما قال ابن القيم – فإن الله معاونه ومرشده، وإلا لتحولت الرسالة العالمية للعلماء، ووظيفة الربانيين، والاضطلاع بمهام البيان والتبليغ وحمل الأمانة الموكلة إليهم إلى مهمة صعبة. هذه الشجاعة الروحية تضمن للعالم – بالاضافة إلى التقوى والورع – قدرته على أداء المهمة وتحمل الأمانة، وتأكيد سيادة الشريعة في الحق والواقع، وهذا يأتي بتضحيات وتقديمات من العالم يسعى لفضل الله دون أن ينتظر مكافأة أو شكرًا من أحد.
وأخيرًا، فإن هذه الأحداث هي التي تصنع العلماء الربانيين، ويبدعهم الفقهاء الصادقين، ومن خلالها يميز الله الشر من الخير، والعالم الصادق من المنافق، ومن خلال مواقف العالم الصادق يعيشها الأمة، ويعيش بين الناس، ويُخلّد في التاريخ، بأفعال لا تحققها تصنيفات كثيرة أو خطب كثيرة. “وتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ” [آل عمران: ١٤٠-١٤١].