“التمويل الشرطي السياسي” كيان يُطارد منظمات المجتمع المدني في القدس

Photo of author

By العربية الآن



“التمويل الشرطي السياسي” كيان يُطارد منظمات المجتمع المدني في القدس

3-جانب من الأمسية الأدبية لإطلاق كتاب (فوزي البكري..قيثارة تحت نافذة القدس) في مركز يبوس الثقافي بالقدس(الجزيرة نت-أرشيف)
العديد من المشاريع تعطلت والكثير من المؤسسات معرضة لإغلاق أبوابها بسبب شح التمويل (الجزيرة)
القدس المحتلة- منظمات المجتمع المدني الفلسطيني في القدس تواجه ليس فقط القيود الإسرائيلية على أنشطتها ومشاريعها، والتدابير التعسفية لإغلاق أبوابها وتعطيلها في المدينة المقدسة، بل تواجه أيضا “التمويل الشرطي” الذي ينفرضه عليها الممولون الأجانب.

المؤسسات المدنية المقدسية التي تعتمد بشكل رئيسي على المانحين وجدت نفسها خلال السنوات الأخيرة في مأزق بين اثنين من الخيارات الصعبة: إما الموافقة على الشروط المفروضة في الاتفاقيات مع الممولين، مع التضحية بالقيم الوطنية الأساسية، أو رفض توقيع تلك الاتفاقيات وفقدان التمويل الذي يعتبر المدعاة الرئيسية لهذه المؤسسات.

يعتبر مركز العمل المجتمعي واحدة من المؤسسات الحقوقية في القدس التي تعتمد بشكل أساسي على التمويل. وفي بداية حديثه للجزيرة نت، يقول منير نسيبة مدير المركز: “أصعب ما تواجهه منظمات المجتمع المدني الفلسطيني هو التمويل الشرطي.””إدارياً” عند تدرج الطرف الداعم بنداً في الاتفاقية يقوم المنظمات والأحزاب الفلسطينية بتوصيف بأنها “إرهابية” ويجب على المؤسسة الموافقة على ذلك والتوقيع إن كانت ترغب في الحصول على التمويل.

وينتقد المركز التابع لجامعة القدس رفض توقيع اتفاقية تتضمن هذا البند، مما أسفر عن تعقيدات في قدرة المؤسسة على التقدم للحصول على تمويل من مصادر مختلفة مع مرور الوقت، وفقا لنسيبة.

1-أسيل جندي، عقبة الخالدية، البلدة القديمة، مركز العمل المجتمعي من الخارج وتظهر البؤ الاستيطانية بجواره(الجزيرة نت)
مانح يطلب عدم تمثيل عائلات الشهداء الفلسطينيين قانونيًا بدعم مشاريع المركز (الجزيرة)

التطابق مع الاحتلال

ومن ضمن العراقيل التي تعرض لها عمل المركز -الذي يوفر خدمات قانونية- محاولة إحدى الجهات المانحة تمريره على تقديم خدماته القانونية للمستفيدين وفقًا لمعايير سياسية، وهو ما رفضته إدارته “لأن ذلك غير مقبول في سياق حقوق الإنسان”.

وأضافت نسيبة “أخبرنا أحد المانحين بأن علينا عدم تمثيل عائلات الشهداء الفلسطينيين قانونيًا في حال وقوعهم في مشاكل قانونية، لأنهم يُعتبرون بموجب الصنف الإسرائيلي أقارب لإرهابيين، وهذا ما نعتبره عقوبة جماعية ولا يتماشى مع رؤيتنا لهذه الشخصيات التي تُصنّفها الاحتلال والجهات التمويلية كإرهابية”.

ورغم التحديات التي تواجهها المؤسسات خصوصًا تلك العاملة في القدس، تؤكد نسيبة أن المجتمع المدني الفلسطيني صامد، ولم يَرضَ بالشروط السياسية للتمويل، لكن هذا موضوع تتناوله جميع الجهات الإسرائيلية بما في ذلك “مراقب المنظمات غير الحكومية” (NGO MONITOR).

وخلال زيارة لموقع الجهة، وجدت الجزيرة نت أنها تُدرج أسماء 58 مؤسسة مجتمعية فلسطينية، وتخصص لكل منها ملفًا يعتبرها “إرهابية” أو لها ارتباط بمنظمات أو أفراد “إرهابيين” فلسطينيين.

وعلى صفحة كل مؤسسة، تقدم الجهة نبذة عنها وعن مصادر تمويلها وأنشطتها وعلاقتها بفصائل أو شخصيات فلسطينية معينة، بالإضافة إلى الخطاب الذي تنتهجه هذه المؤسسة وأنشطتها في سياق مقاربة إسرائيل والمحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة.

ووفقًا لنسيبة، فإن هذه الجهة ومن خلال متابعتها لكل حركات مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية اتهمت الكثير منها بدعم الإرهاب، فقط لأنها تعمل من أجل فلسطين وشعبها.

وأضافت أن هذه الجهة لم تتوقف عند هذا الحد بل نسجت قصصًا وتوجهت من خلالها للمموّلين لتبيّن لهم أن هذه المؤسسة أو تلك تحث على ما تصفه بالعنف والإرهاب، ومقاومة الاحتلال وفق ادعاءاتها.

1-المسرح الوطني الفلسطيني في القدس عرض للدبكة الشعبية الفلسطينية في مهرجان القدس للفنون الشعبية الذي ينظمه مركز يبوس الثقافي(الجزيرة نت-أرشيف)
التمويل المشروط يحظر على المؤسسات المقدسية أن يستفيد من أنشطتها من له صلة بأغلب الأحزاب الإدارية (الجزيرة)

انتهاك مالي

المديرة السابقة لإحدى المؤسسات الثقافية في القدس (د ن) أفادت بأن الأميركيين ومن خلال كافة وسائل تمويلهم فرضوا شروطًا سياسية منذ سنوات، ولكن الاتحاد الأوروبي -الذي يضم 27 دولة- تقدم خطوة جديدة عام 2019، بإضافة بند بسيط يتعين على المستفيد الالتزام بـ “قائمة الإجراءات” المطلوبة من الاتحاد الأوروبي.

وبعد البحث عن تلك الإجراءات، اكتشفت هذه المؤسسة الثقافية يجب عليها الالتزام بقائمة “الإرهاب” التي يتبناها الاتحاد الأوروبي وتتضمن عددًا من الأحزاب الفلسطينية وفروعها العسكرية.

وتنص بنود القائمة على منع المؤسسة من التعامل مع الأحزاب أو الأفراد المرتبطين بها، وعلى ضمان عدم مشاركة أي شخص في نشاطاتها ومشاريعها أو استفادته من فعالياتها إذا كان لديه.الولاء لتلك التيارات.

وعن تعقيبها على هذه الشروط، تنوه مديرة المركز الثقافي بأن منظمتها قامت بالتصدي للمطالب على الرغم من الموافقة عليها من قبل جهات أخرى، وأن العديد أشاروا إلى أن المؤسسات المعارضة ستضطر إلى إقفال أبوابها في حال استمرت في موقفها.

تقول “نفذنا خططًا بديلة اضطررنا فيها لإنهاء خدمات بعض الموظفين، وتوظيف آخرين في إطار مشاريع مؤقتة، وتقشفنا في النفقات الإدارية، وعملنا بأدنى قدر ممكن من شغيل الموظفين. وفي نفس الوقت بحثنا عن جهات بديلة تدعمنا بلا شروط كالتمويل العربي” حسب تصريحات المديرة الرائدة.

أما هبوط التمويل العربي يركز على مجالي الترميم أو الفعاليات، ما دفع المؤسسات لجلب دخل بأي طريقة كتأجير مرافقها أو بيع تذاكر فعالياتها ومهرجاناتها، وفقًا للمعلومات.

تفاقمت أزمة التمويل للمؤسسات الثقافية نتيجة الحرب في غزة، حيث توقفت نشاطاتها تمامًا، وأُجبرت بعض المموّلين المؤسسات، خاصة الحقوقية، على قبول شرط جديد في العقود وهو الإدانة لهجوم 7 أكتوبر الذي نُفذ على يد “حماس”.

يرجح المؤسسات المدنية في فلسطين أن يشدّد الأوروبيون والأمريكيون على قائمة “الإرهاب” بإضافة أسماء جديدة نظرًا للحرب.

الاستجابة للضغوط

من جانبه، يروي المُدير المسرحي الوطني الفلسطيني (الحكواتي) عامر خليل أن “أي تمويل بشرط، فالشروط العقدية صعبة وإهانة للمؤسسات، ويُضاف إليها في بعض الأحيان الشروط السياسية”.

ويضيف في حديثه للجزيرة نت أنه حينما تبرز الشروط السياسية يُشعل مسالة التفاوض، وفي كثير من الحالات يتم التلاعب بالمصطلحات للتوقيع، مُشيرًا إلى أن “التمويل بشكل عام أمرٌ سلبي للمؤسسات لأنه يُسقطها ويُجعلها رهينة له”.

وبحزن، يُقول خليل أن العديد من المشاريع توقفت والكثير من المؤسسات على وشك الإغلاق بسبب النقص في التمويل، ما سبب تقليل نشاطات وإنتاجية المؤسسات “لأن الجميع كان يعمل قبلها بروح التطوع والتفاني والتضحية والالتزام، وبعد وصولها تحول كل ذلك إلى أرقام ومتطلبات تمويل”.

ويرتخي خليل حديثه بالقول إنه يتردد كثيرًا على قبول أو رفض أية مساهمة، ورغم ذلك يُضطر أحيانًا لقبولها بشروطها العقدية والسياسية، ويعتقد أن على المؤسسات مقاطعة جميع أشكال التمويل وتحمّل الظروف لفترة قصيرة وإيجاد حلول داخلية لتفادي المشاكل.

المصدر : الجزيرة



أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.