سر الهرم زوسر.. باحثون يُكشفون كيف تم رفع الأحمال الثقيلة لإنشائه
اقترحت بحث نُشر في مجلة “بلوس وان” في الخامس من أغسطس/آب الحالي أن هرم زوسر المدرج، الكائن في مقبرة سقارة على هضبة من الحجر الكلسي غرب نهر النيل، تم بناءه باستخدام نظام رفع هيدروليكي مبتكر اعتمد على تدفق الماء لرفع الصخور المستخدمة في تشييد الهيكل داخل الهرم. ويُعتقد الباحثون أن هذا الاكتشاف يُوفر إجابة متكاملة عن كيفية بناء الأهرامات وهو السؤال الذي استمر بدون إجابة شاملة لعدة قرون.
يقول الكاتب الرئيسي للبحث خوان روبيرتو، في تصريحات خاصة للجزيرة نت، “بحسب معلوماتنا، نحن الفريق الأول الذي قامتخصيص وقتًا لرُسم خريطة تُعرف بمناطق الصرف غرب سقارة. على الرغم من طبيعة الموقع الجافة جدًا والتي تعرفها اليوم، هناك نباتات متباينة تتفتح في الجزء العلوي من نهر جسر المدير. لاحظنا وحددنا أن هذا الغطاء النباتي النموذجي يزدهر في الأودية، وخصوصًا في المنطقة المجاورة “
اكتشف القصص الأخرى
list of 2 items
كشف دراسة سرّ لعنة الفراعنة الذين قتلوا من حفروا مقابرهم
تنبيه لمن يعملون في الكتابة حول رفات الفراعنة.. أعظم الحفريات في خطر
end of list
بالإضافة إلى ذلك، توضح الباحثة في مجال المصريات، إسراء أحمد، التي تعمل كمرشدة سياحية في منطقة سقارة، لموقع الجزيرة نت أهمية منطقة سقارة: “تُعد سقارة جزءًا أساسيًا من مقبرة منف، حيث يُعتقد بشكل كبير أن اسمها مشتق من اسم الإله (سُكر) الذي كان يُعبد في المقبرة. تُعد سقارة وكأنها معرض مفتوح للتاريخ المصري القديم، حيث تضم العديد من المقابر التي يعود تاريخها إلى الأسرتين الأولى والثانية، بالإضافة إلى هرم ستيب الذي يُعتبر أقدم بناء حجري ضخم في تاريخ الملك زوسر، وهرمات لأهم الملوك في الأسرتين الخامسة والسادسة، ومقابر للمسؤولين البارزين في الحكومة الملكية القديمة، بالإضافة إلى الكهنة.”
فقد بُني هرم زوسر قبل حوالي 4700 عام كجزء من مجمع مقابري للملك زوسر من الأسرة الثالثة في مصر القديمة. تشير النظريات المقدمة من قِبل الباحثين إلى أن الهرم المدرج كان محاطًا بتجمع مائي وكان على الأرجح متصلًا بمصدر مائي كبير في ذلك الزمن.
كشف أسرار هرم زوسر
الدراسة أشارت إلى هيكل “جسر المدير” الذي قد يكون كان يستخدم كسد للتحكم بتدفق المياه وتقليل حدوث السيول وتعطيل قاع الوادي الممتلئ بالمياه في ذلك الوقت وصرف 15 كيلومتر مربع من تجمعات المياه لأكثر من 4 آلاف سنة، وبفضله نجت المنطقة من الفيضانات العنيفة النادرة التي قد تنشأ من الأودية الصحراوية.
استخدمت الدراسة، التي قدمتها معهد “سي إي إيه” للتقنيات القديمة بالتعاون مع مجموعة من المهندسين الفرنسيين وعلماء المياه والمواد، صور الرادار من الأقمار الصناعية والتقارير الأثرية لاكتشاف رؤى جديدة حول بناء هرم زوسر، وتشير دراستهم إلى نظام متقدم لإدارة المياه قد يكون سهل العملية البنائية في منطقة جسر المدير.
وفي حين نلقي نظرة على صحراء سقارة اليوم، يؤكد الباحثون أن فترة الأسرة الثالثة تزامنتفي الأوان الأخيرة من الفترة “الصحراء الزرقاء”، التي شهدت تزايدا في كميات الأمطار والنباتات الخضراء في شمال أفريقيا. وكان وادي أبو صير، الذي يعد مجرى مائي قديما يتدفق من الجبال الموجودة غرب هضبة سقارة، يوفر كميات هائلة من المياه لدعم نظام هيدروليكي من هذا القبيل.
قدم الفريق اقتراحا لشرح غموض آخر في مجال المصريات، وهو متعلق بالجزء الجنوبي من الخندق المحيط بكومبليكس زوسر، حيث لاحظ الباحثون حفريات ضخمة تعرف بإسم “الخندق العميق”. يتألف الخندق العميق من قطع صخرية ذات طول 400 متر وعمق 27 مترا. يقترح مؤلفو الدراسة أنهم وجدوا فيه جميع خصائص منشأة معالجة المياه، وفسروا ما عثروا عليه من عناصر كونها حوض ترسيب واحتجاز، ونظام تنقية مياه. وربما استعملوا “جسر المدير” و “الخندق العميق” معا من أجل تقديم مياه نظيفة لهضبة سقارة وتوفير القدرة الهيدروليكية للمشاريع البنائية.
يقول لاندرو في تصريح للجزيرة نت: “هيكليا، جسر المدير ليس حالة فريدة، إذ نظراً للهيكل الداخلي الذي كشفه عالم المصريات الأسكتلندي آي. ماثيسون وفريقه في التسعينيات، يحتوي جسر المدير على قسم يتشابه مع سد آخر معروف في الحضارة المصرية، وهو سد الكفرة، الذي شيد في وادي القرعاوي جنوب شرق المدينة المصرية التبّين على الضفة المقابلة لنهر النيل، وهو أقدم سد ضخم في العالم، وكان هيكله أضيق وأعلى من جسر المدير”.
أما الادعاء الرئيسي الذي قدمه الباحثون فهو تفسير لاستخدام المياه النظيفة التي كانت تتدفق من الخندق العميق، حيث اقترحوا أنها كانت تستخدم لملء وتصريف عمودين يمتدان عبر مركز هرم زوسر، كوسيلة لنقل البلوكات الضخمة عموديا. هناك 7 كيلومترات من الأنابيب المنقوطة تماما في الصخور على عمق 28 مترا تحت الأرض. تمر المياه من الخندق العميق وتصل إلى العمود المركزي، ثم تتعرض لعقبة حجرية عبارة عن صندوق جرانيت كبير، يُغطيه غطاء يبلغ وزنه 2.7 طن، مما ينتج عنه تراكم ضغط بلغ 28 مترًا وكان يستعمل لرفع البلوكات وفقًا لاعتقاد الباحثين.
أدلة ألتَهَمَتْهَا الزَمان
تقول الباحثة إسراء أحمد في تعليقها: “فكرة وجود الماء داخل هرم أو مقبرة في الصحراء تتباين إلى حد ما مع المعتقدات المصرية القديمة، إذ حرص القدماء على الحفاظ على الجسد من التحلل عن طريق التحنيط، وأفضلوا الأماكن الجافة، بالإضافة إلى أن أحجار هرم زوسر صغيرة ولا تشكل مشكلة هندسية كبيرة تستدعي حلولا مُعقدة كبناء شبكة هيدروليكية كما اقتُرح، فالفرضية تحتاج إلى مزيد من الأدلة”.
يرد لاندرو على ذلك مشيرا إلى أن “مومياوات الفراعنة الذين بنوا الأهرامات في الأسرتين الثالثة والرابعة ما زالت مفقودة حتى الآن ومن ضمنهم مومياء الملك زوسر. لا توجد وثائق أو أدلة مادية تدعم اكتشاف الجثمان”.
هو واحد من ملوك الأسرتين الثالثة والرابعة. بالإضافة إلى ذلك، تختلف غرف الأسرتين الثالثة والرابعة عن المقابر الأخرى للشخصيات البارزة من ناحية السمات الجنائزية، حيث لم يتم العثور على أثار الملوك بداخلها.”
“يلاحظ الباحثون أن معدل وزن الأحجار في مجمع زوسر الجنائزي يبلغ 300 كيلوغرام، وقد نقل السكان القدماء الأحجار الضخمة عبر مئات الكيلومترات. فإذا كانوا يهتمون بنقل الأوزان الكبيرة أفقيًا باستخدام القوارب والصنادل، فربما كانوا يعلمون بإمكانية نقل الأحجار بطريقة مماثلة عموديًا”.
يعتقد الفريق المعني بالدراسة أن أثناء التنقيب في الخندق العميق والأعمدة الجنوبية والشمالية لمجمع الهرم المدرج في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين، كانت توجد أدلة أقل مما يتم العثور عليه الآن، كان المنقبون أقل حرصًا في وصف البقايا التي عثروا عليها. يضيف لاندرو: “بحسب علمنا، لم يتم وصف المواد التي تمت إزالتها من قاع هذه الهياكل والخندق بشكل واضح في أي مكان. لذلك، فُقدت الأدلة الرئيسية منذ حوالي قرن من الزمان. ومع ذلك، فإن بعض الأنفاق لم يتم استكشافها بعد ويظل جزء من الخندق العميق غير مستكشَفٍ أيضًا”.
من ناحية أخرى، اعترض بعض الخبراء على الدراسة بزعم أن التسرب من خلال الشقوق والصخور قد يمنع ملء النظام وتوليد الضغط اللازم. ومع ذلك، يرد الفريق بأن حقن الطين في الشقوق يمكنه تقليل التسرب، وسيكون استكشاف مثل هذا الطين في الحفريات المستقبلية أمرًا مهمًا.
هناك اعتقادات أخرى تقول إن الصخور المحلية تتآكل في الماء مما يتناقض مع فكرة تدفق المياه داخل المجمع. ويجيب لاندرو: “نعم، الحجر الجيري يتأكل في الماء، ولكن بمعدلات تآكل تتراوح بين بضعة ملليمترات إلى بضعة سنتيمترات كل ألف سنة، لذا فإن مدى تأثير 20-30 عامًا من دخول المياه إلى الأنفاق لا يترك آثارًا واضحة”.
إلى الآن، يظل تحديد نظام هطول الأمطار الذي شهدته منطقة سقارة منذ حوالي 4700 سنة قبل الميلاد أمرًا صعبًا. أظهرت الدراسات السابقة أنه منذ حوالي 11 ألف إلى 5 آلاف سنة قبل الميلاد، كانت الصحراء أكثر رطوبة مما هي عليه اليوم، وكانت المناظر الطبيعية مليئة بالأشجار بدلاً من الرمال الجرداء. كما كانت منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط أكثر رطوبة من وضعها الحالي منذ حوالي 4500-4800 سنة قبل الميلاد، على الرغم من الجفاف لاحقًا. يُفترض أن معدل هطول الأمطار السنوي كان يتراوح بين 50-150 ملم في التقديرات الأولية لموارد المياه.
تغييرات ملحوظة في سقارة
وفقًا لتصريحات إسراء أحمد: “كانت جبانة سقارة محطة حج مهمة في حياة السكان القدماء، حيث كانوا يقصدونها للطلب بركات أسلافهم، وتحتوي الكتابات الجدارية التي يُعتقد أنها تعود للدولة الحديثة على وجود زيارة من أحد الزوار لمجموعة الهرم الخاصة بالملك زوسر.”
.
بعد الجفاف، خسرت المنطقة مصدرها الحقيقي للنظام المائي، حيث توقفت مجاري الأنهار عن التدفق مما أدى إلى توقف الإنشاءات، واضطر المهندسون للاعتماد على القوى البشرية والوسائل البديلة، حسب تقرير الفريق البحثي.
يقوم الفريق الهندسي المشارك في الدراسة بإجراء مزيد من النماذج الهيدروديناميكية لفهم خصائص ترسيب المواد والحفاظ على القناة العميقة وتحسين اختيارات المهندسين المعماريين السابقين بشكل أفضل.
وأضاف الفريق في تصريحاته للجزيرة نت: “هدفنا هو حساب سرعة وضغط التدفق داخل القناة من خلال تحليل حركة المياه. وتتجاوز هذه النتائج نطاق الدراسة الحالية وسيتم نشرها لاحقا في مجلة متخصصة بالهندسة الهيدروليكية. ستقدم تحليلا اضافيا يتجاوز ما ورد في الورقة. وبنرجو أن يتم مراجعة هذا العمل من قبل خبراء الهيدروليك”.