صور
14 رسامًا عالميًا يعرضون أعمالهم في قصر عائشة فهمي.. احتفالًا بالذكرى الـ60 لوفاة الفنان محمود سعيد
ما زال قصر عائشة فهمي في منطقة الزمالك بالقاهرة قلعة لرجال الفن وعشاقه، حيث جذبتهم أعمال الفنان الكبير محمود بك سعيد الممتازة التي بلغ عددها 40 لوحة تُعد من أعظم الأعمال الفنية العالمية، بفنها البارع، وإبداعها الفائق، بالإضافة إلى أعمال زملائه من الفنانين الأجانب الذين نشأوا وتأثروا في مصر واجتمعوا حوله للاحتفال بأعمالهم.
رحل 14 رسامًا عالميًا جميعًا عن هذا العالم، ولكن معرض “في صحبة محمود سعيد” جمعهم بعد رحيلهم ليحيوا ذكراهم والذكرى الـ60 لرحيل صديقهم الأقرب ورائد الفن المصري الحديث.
وكان الرسامون ليسوا مجرد أسماء في عصرهم، بل كانوا نجومًا متألقة في سماء الفن العالمي خلال القرن العشرين، منهم من كان صديقًا وشريكًا للرسام العالمي الكبير بابلو بيكاسو، ومنهم من كان صديقًا للكاتب البريطاني لورانس داريل، مؤلف رباعية الإسكندرية، ومنهم من كان يرافق أمير مصر فاروق، ملك مصر لاحقًا أثناء تعلمه للرسم، ومنهم من شارك في تزيين مسرح الشانزليزيه، وعُرضت أعمالهم جميعًا في أكبر المعارض العالمية.
القصر الممتاز
مركز الفنون (قصر عائشة فهمي) الذي يستضيف معرض “في صحبة محمود سعيد”، تحفة فنية ومعمارية مميزة، يتميز بتصميم معماري فريد، حيث يقع في ناصية حي الزمالك الشهير بموقعه على ضفاف النيل، يتواجه مع فندق ماريوت التاريخي الذي شهد حفل افتتاح قناة السويس عام 1869 بحضور الخديوي إسماعيل والإمبراطورة أوجيني زوجة الإمبراطور نابليون الثالث ملك فرنسا، ويضم القصر طابقين وحديقة واسعة تطل على النيل، وتتميز غرفه بزخارف على الجدران والأسقف، وتحتوي كل غرفة على لوحات متنوعة من الحرير والكتان، بالإضافة إلى زخارف أوروبية على الأطراف.
يتألف الطابق الأول من 6 غرف وردهة كبيرة، الـ3 غرف الأولى مصممة لتكون غرفًا صيفية تطل على النيل بإطلالة مذهلة، والـ3 غرف الأخرى مصممة على النمط الشتوي وأرضيتها من الباركيه، وتعتبر غرف ذات طابع تاريخي، من بينها غرفة البلياردو التي يُعرض فيها لوحة الفنان محمد سعيد، وغرفة الملابس، ويتضمن الدور الثاني العديد من الغرف ذات الطابع التاريخي وأبرزها الغرفة اليابانية التي ورثتها صاحبة القصر وتحتوي على العديد من النقوش اليابانية، بما فيها تمثالان لبوذا.
وكانت عائشة فهمي صاحبة القصر هي ابنة علي باشا فهمى كبير الياوران للملك فؤاد الأول، وشقيقة علي كامل الذي شيد القصر، تزوجت فتاة فرنسية (ابنة سائقه) والتي قامت بقتله في فندق سافوي بلندن في واقعة برزت في الرأي العام بمصر وبريطانيا، وبعد وفاته، اشترت عائشة نصيب أخواتها في القصر، حيث تم تسعير القصر بمبلغ 72 ألف جنيه مصري وذلك في السادس من شهر مايو/أيار عام 1924، ثم تم تحويله وتأميمه ليصبح مركزًا للفنون يتبع قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة.
يقول وليد قانوش، رئيس قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة المصرية، “إن محمود سعيد كان واحدًا من رواد حركة التشكيلية المصرية التي بدأت تتشكل مع إنشاء مدرسة الفنون الجميلة عام 1908 على يد الأمير يوسف كمال، حيث كان محمود سعيد مع محمود مختار ويوسف كامل وحبيب جورجي ومحمد ناجي وراغب عياد من رواد هذه الحركة، وبدأوا في تحديد معالم الهوية الفنية المصرية من خلال مزج تقنيات وتقاليد مدارس الفن الأوروبية،
وبين القضايا التي تعبر وتظهر الهوية والثقافة لجتماعاتهم”.
أما علي سعيد مدير عام مركز الفنون (قصر عائشة فهمي الذي يضم معرض “في جلبة محمود سعيد”)، فقال إن “المعرض له بُعد تاريخي مهم، وبُعد إنساني أهم، حيث يُعرض أعمال مجموعة من الفنانين الأجانب الذين عاشوا في مصر، وكانوا جماعة جالت المعارض المختلفة منذ عشرينيات القرن الـ20 وحتى الخمسينيات منه”.
وأضاف أنهم “في معرض محمود سعيد يربطهم رابط واحد، وهو اقترابهم بشكل كبير من رائد التصوير المصري الحديث محمود سعيد؛ منهم من كان أستاذه، ومنهم من كان صديقا حميما، أحبوا جميعا مصر وأحبتهم، بل وتغلغلت مصر بكل تفاصيلها في كيانهم، يلتقون جميعا لكي يحيوا بأعمالهم الذكرى الـ60 لرحيل صديقهم، والرائد الأول للفن الحديث المصري”.
ابتلاعت الحياة الفنية بمدينة الإسكندرية بأول مدرسة بتعليم فنون الرسم والتصوير على يد الإيطالية إميليا كاسوناتو دافورنو عام 1902، أي قبل إنشاء مدرسة الفنون الجميلة بالقاهرة بنحو 6 سنوات، حيث تلقى تعليمه منها محمود سعيد وهو في سن صغيرة، قبل أن ينتقل إلى مرسم الإيطالي أورتو رانييري عام 1916.
وفي جولة بغرف وردهات القصر صاحبتنا خلالها الفنانة التشكيلية ريم بهير أخصائية الفنون ومديرة متحف محمود خليل سابقًا، قالت “وُلد محمود سعيد بالإسكندرية في أبريل / نيسان 1897، وتوفي بها في نفس يوم ميلاده عام 1964، والده محمد باشا سعيد رئيس وزراء مصر السابق، وهو شقيق والدة الملكة فريدة قرين الملك فاروق، عاش في قصر والده بمنطقة سيدي أبو العباس بالإسكندرية، ويُعد من أوائل رواد الفن الحديث مع محمود مختار. وإرضاءً لوالديه وأسرته، التحق بكلية الحقوق وعمل في سلك القضاء، إذ لم تكن للفن التصوير مجد اجتماعي متميز، فظل حبيس مهنته قاضيًا يصارع رغبته وشغفه في أن يكون فنانًا، حتى وصل الـ50 من عمره، فطلق المهنة واستقال من عمله وتفرغ للفن والرسم”.
محمود سعيد الذي ينحدر من عائلة أرستقراطية تنتمي للطبقة الحاكمة في مصر، هذا القاضي الذي سلك طريق القضاء مرغمًا، بدأت موهبته تتفجر مبكرًا بعد أن تتلقى تعليمه على يد هؤلاء الأجانب، وشارك بعضهم، وبالصدفة وفي عام ثورة الاستقلال 1919 كانت أولى محاولاته في الفن الذي يقول فيها -في مقال بمجلة المصور 1951- “ما إن حل عام 1919، حتى رسمت أولى لوحاتي، وما زلت أعتز بها حتى الآن، فقد كانت السبب في تمسكي بالفن، وإيماني بألا أعيش لغيره”.
200 رسمة
يقول الفنان محمود سعيد: “ورسمت.. رسمت كثيرا جدا.. أكثر من 200 رسمة.. هي أولادي التي أحس غير مبالغ بأبوتها.. إنها قطعة مني اجتزأتها من إحساسي وحياتي وتفكيري وعصارة قلبي، إنني أحبها جميعا بلا مفاضلة.. وأوزع عليها هذا الحب بالعدل والقسطاس..
المشهد ينذر بالكارثة
“عندما يكون الفنان صادقًا، وتكون المنظرة تعكس واقعية الأمور، يكون الفن هنا جرَّاحاً ونبِّئاً، وهذا ما يعبر عنه الفنان والمصوِّر المصري الكبير محمود سعيد، عندما استعرض في مجلة المصوِّر صورة يعتز بها عبّر عنها هكذا:
“ربما أول صورة أعتز بها ويعتز بها أصدقائي، تلك التي رسمتها لبوابة منزلنا، قيل عنها إنها تدل على دِقّة في التصوير، وتوَازُن في مزج الألوان والظلال”.
وأضَاف: “أما الصورة الثانية التي أعتز بها أيضاً، فقد رسمتها عندما كنت في مُقتبَل حياتي، وكانت لرفيق شخصي من بلجيكا يشغل منصبًا قضائيًا، كان مميزًا بطبقة غريبة، وشاذة، ورأيتني اسحَبُ الإلهام من داخلي ليرى شكله، وكانت مدهشة بالفعل، وبعد أن انتهيت منها، شاهدت نفسي قد تجلَّت صورته، وهو ينزف نحو فجوة عميقة!! صُدِمت.. ما هو الشعور الذي أوحت بهذه الصورة عن رجل يحتل منصبًا قضائيًا مُحترمًا؟! ولكن الزمن أظهر صدق استشعاري، حيث فُصل بعد سنوات من عمله، لأنه غوَصً في المقامرة والخمر، فأهَل مكافآته الضخمة، ثم غادر إلى بلجيكا، حيث شهِد سقوطه للتحاق بإحدى الحانات.. ثم أُسِر.. وانتهى حياته أثناء عمله في إحدى الفرق المتطوفة يُنفخ في الزمارة”.
الرفاق في الفن والحياة
بعد 12 سنة من افتتاح مدرسة الفنون الجميلة، حل الفرنسي روجيه بريفال في القاهرة عام 1920 لتدريس الفنون، وأسس استديوًا له في شارع الأنتيكخانة بقلب وسط المدينة، وتكمن أهمية بريفال في كونه اللاعب الرئيسي في تأسيس جماعة الخيال لتكون أول جماعة فنية في مصر، حيث عملوا على بناء فن مصري حديث يحمل طابعاً وطنيًا، وهذا كله ولّد ولادة فن مصري حديث قام به مصريون وأجانب ككيان واحد لا يُفرق، ففرنسيون أو إيطاليون أو يونانيون وغيرهم، جعلوا من مصر وطنهم الثاني، بعضهم وُلد هناك والبعض الآخر مات هناك، وبعضهم جاء إليها وعاش وقضى بها حياته.”
اقترب هؤلاء الجميع في ظروف ملفتة
متضادة من رمز التصوير المصري الجديد محمود سعيد، حتى أصبحوا أصدقاء حميمين، ويجتمعون في معارض جماعية هنا وهناك خلال فترة رائعة من تاريخ التصوير المصري الحديث.
من خلال تجربة كاملة لهؤلاء الفنانين المصريين والأجانب في المنظر المصري والأحداث الروتينية في حياة المصريين اليومية، تمكنوا من توصيل الروح التي تنعكس في الملامح وأبصار العيون في محاولة لاستخراج جوهر الشخصية المصرية المحفورة في ملامح الفقراء، ووصف ما وراء الشخصية بالانتماء الأصيل للشعبية وتجسيد تراثهم العتيق المنبثق من جذور التاريخ.
تأسيس لفن مصري حديث
الفنانة الإيطالية إميليا دافورنو كاسوناتو كان لها تأثير كبير في تشكيل فن مصري حديث، جاءت بتراثها البصري ومعارفها الأكاديمية من مؤسسات الفنون الإيطالية، لتقضي فترة تزيد عن 40 عامًا في مصر، وتنشأ أول مدرسة خاصة لتعليم الفن في مصر، حيث دربت العديد من الفنانين المصريين والأجانب، وهي أول شخص علم الفنان محمود سعيد الرسم بشكل مُحترف عندما كان في سن المراهقة، عندما انضم إلى مدرستها خلال الفترة من 1912 إلى 1915، وتبنيت علاقة قوية بين إميليا وسعيد، وهو ممتن لها لأنها كانت أول من وجَّهه في فن الرسم.
الفنان الإيطالي أرتورو زانييري، الذي كان مبدعًا في رسم الأشخاص بأسلوب يشبه لوحات عصر النهضة الإيطالية، حيث كان مرسمه مرتبطًا بأفراد الطبقة الراقية، الذين كانوا يجتمعون في مدرسته في أيام الأحد ليتعلموا أسرار فنون الرسم والتصوير، وخلال الفترة من 1916 إلى 1918 كانت محمود سعيد يتلمذ على يديه.
الدبلوماسي الفنان الفرنسي روجيه بريفال، شارك في تزيين مسرح الشانزليزيه بين عامي 1912 و 1913، وفي عام 1920 انتقل إلى القاهرة كأستاذ في مدرسة الفنون الجميلة، حيث تدين الفنون المصرية الحديثة لبريفال بجهد كبير، إذ كان المحرك الرئيسي وراء تأسيس جماعة “الخيال” كأول جماعة فنية في مصر، حيث كان يجتمع في ورشته محمود سعيد ومحمود مختار وأحمد راسم هدايت وأندريه قطاوي وبوسنجيه ومحمد ناجي وغيرهم.
أعمال بريفال في مصر تناولت الحياة اليومية والطبقات العاملة في القاهرة، والمناظر الطبيعية على ضفاف النيل، حيث سجل تلك المشاهد بروح غارقة في الروح المصرية، ومن خلال تأثيره بالتراث المصري، استعرضت بعض أعماله الفلاحة المصرية بملابسها التقليدية، بالإضافة إلى مهارته في رسم الجسد البشري بأسلوب فريد، وكانت العلاقة الوثيقة بين بريفال ومحمود سعيد ليس فقط بوصفهما من أعضاء جماعة “الخيال” بل أيضًا في طريقتهما في تصوير المرأة المصرية، كل منهم بأسلوبه الخاص.
الفنان الدبلوماسي
وبالنسبة إلى الدبلوماسي الفرنسي شارل بوجلان، فهو أحد أولئك الذين انطلقوا في مسيرة التصوير الحديث في مصر في سن مبكرة، حيث قام بتعلمه ذاتياً، شارك في الحرب العالمية الأولى وتعرض لجروح خطيرة، وهذا ما يفسر شغفه برسم المناظر البرية والجبلية والمشاهد الطبيعية، التقى بوجلان بالفنان روجيه بريفال، وقاما بالتجوال في شوارع القاهرة بكل حب لنقل جماليات الحياة في الأحياء الشعبية، ولعب بوجلان دوراً كبيراً في وضع أسس لعدد من التجمعات الفنية، حيث عمل كسكرتير لجمعية محبي الفنون وكذلك كسكرتير لجماعة الخيال عند تأسيسها، وكان له صداقة قوية مع محمود سعيد ومحمد ناجي ومحمود مختار وآخرين من أعلام الجيل الأول.
أما جوزيبي سيباستي، فقد قدم إلى الإسكندرية من روما عندما كان عمره ثماني سنوات، وكان والده مديراً لوكالة بنك روما في الإسكندرية، بدأ في دراسة الفن بكل جدية في أكاديمية الفنان الإيطالي الشهير البرتو بياتولي، وكان أمير فاروق (الملك الذي تلاه في صدارة مصر) من بين زملائه في الأكاديمية، وأعجب سيباستي بجمال وروح مصر، وفتنته ألوانها وأضواؤها، فقرر الاستقرار بها مدى الحياة، وشغل دوراً رئيسياً في تشكيل ثقافة الفن في مدينة الإسكندرية، وترك بصمة بارزة من خلال إثراء الحركة الفنية فيها، كما كان صديقاً مقرباً لمحمود سعيد، وشاركته في استوديو زانييري وأسسا متحف الفنون الجميلة في الإسكندرية، وأسسا سوياً أتيليه الإسكندرية عام 1934، حيث عاش هذا الرجل حبه لمصر بشغف يفوق حبه لإيطاليا وطنه الأم.
شريك بابلو بيكاسو
بالنسبة للفنان لوران مارسيل ساليناس، فقد ولد في الإسكندرية لأب فرنسي وأم إيطالية، وكان ناشطاً في الحياة الثقافية بالمدينة، ودرس القانون ولكن كانت الفنون شغفه الأول، كان صديقاً مقرباً للفنان محمود سعيد، وقد عُرضت أعمالهما معاً في أتيليه الإسكندرية، وكان رفيقاً مقرباً لبابلو بيكاسو، وشاركه في 29 عملاً سواء بالتصوير أو الطباعة، في نهاية الخمسينيات سافر إلى باريس حيث عمل في ورشة للطباعة الحجرية، وأصبح واحداً من أشهر الطباعين في باريس، حيث تنافس عليه كبار الفنانين لطباعة أعمالهم، وكان ساليناس الفنان الوحيد الذي وضع توقيعه بجانب توقيع بيكاسو في أعماله.
أما أرستيد بابا جورج، فلد أيضاً في الإسكندرية وأتم دراساته في متحف اللوفر بفرنسا، واعتبر من بين الرسامين الأجانب البارزين في الإسكندرية، حيث كان له تأثير كبير على التيار الفني الحديث في مصر، واشتهر بخطوطه الواثقة وتناغم ألوانه التي تحمل بصمة فريدة وشخصية قوية في تعبيراته، حيث انطلق بابا جورج مستوحى من أسلوب الفنان ديلاكروا.
وبالنسبة للفنان اليوناني أرستومينيس أنجلوبلو، فقد ولد في اليونان قبل أن ينتقل إلى مصر عند بلوغه سن السادسة عشرة،
أمضى سنتين في المدينة المنصورة، ثم استقر بعد ذلك في الإسكندرية. كان واحدا من الذين أنشأوا استديو الإسكندرية مع محمد ناجي وزملائه. كما كان منشئًا أيضًا لجمعية الصداقة المصرية الفرنسية وشارك مع بابا جورج وجوزيبي سيباستي في تعزيز فن التصوير في مراسم استديو الإسكندرية.
في سنة 1933، تعرف على محمود سعيد، ونشأت علاقة صداقة قوية بينهما. كانا يجلسان معًا في استديو واحد ويقومان برسم نفس النموذج في كثير من الأحيان.
في عام 1935، حصل الفنان الإيطالي المبدع إنريكو برانديني على شهادة من المدرسة العليا للفنون الجميلة في القاهرة. كان له تأثير كبير على الفنانين الذين توجهت ميولهم نحو مناطق غريبة في التعبير. كانت أعماله مميزة بالخيال الجامح، وكان لديه القدرة على إضفاء بُعد روائي مع روح الميثولوجيا الاغريقية على العمل الفني. قضى إنريكو عدة سنوات في سويسرا ثم عاد إلى مصر في عام 1945، اقام في الإسكندرية وبقي هناك حتى عام 1965.
وصل بول ريتشارد إلى مصر يشغل منصب مدير المتنزهات في الإسكندرية في الفترة من 1925 ولبقى هناك لمدة 20 عامًا. شارك في الحياة الفنية في القاهرة والإسكندرية طوال فترة إقامته في مصر. رافق الفنان محمود سعيد في العديد من الرحلات والمعارض الفنية. اندمج في المجتمع من خلال فنه وعمله وألقى محاضرات في جمعية الصداقة المصرية الفرنسية بصحبة محمد ناجي وسليم حسن.
كارلو سوارس كان أديبًا ومصورًا فرنسيًا، ولد في الإسكندرية عام 1940. أثناء وجوده في مصر، قرر التوجه نحو حياة الكتابة بدلاً من تصوير الصور. كان يبحث عن تشكيلات ضوئية معينة وكان فنانًا وأديبًا. كانت أعماله الفنية تميل نحو المدرسة الرمزية في المنطقة المتوسطة بين التشكيل والأدب. أقام علاقة صداقة مع الفنان محمود سعيد، وعرض أعماله بانتظام في استديو الإسكندرية بين عامي 1953 و1960.
بطلة رباعية الإسكندرية
كليا بدارو، المولودة في جزيرة الزمالك بالقاهرة، كانت تعمل في المستشفيات خلال حروب الخدمة للجنود العائدين من المعارك. سافرت إلى لوزان في سويسرا في بداية حياتها ومن ثم استقرت في الإسكندرية. اهتمت برسم مشاهد الحياة المصرية وتميزت في تصوير جو الحانات والبحارة والجنود في الملاهي. أعطت النساء المصريات دور البطولة في العديد من أعمالها وأنشأت مرسمًا لنفسها في استديو الإسكندرية.
التقت كليا بدارو بالروائي البريطاني لورانس داريل، الذي كان يعمل محققًا صحفيًا لوزارة الخارجية البريطانية خلال الحروب. قامت كليا باستوحاف شخصية داريل وجعله شخصية رئيسية تحمل اسمه في رباعية الإسكندرية.
ولويس جوليان، الذي ولد أيضًا في الإسكندرية، درس الفن في فرنسا وتلقى تعليمه على يد الفنان أرستيد بابا جورج. برع في تصوير المناظر الطبيعية باختلافها عن المعتاد في ذلك الوقت وعرض أعماله في معظم صالونات القاهرة والإسكندرية.
وكان جوزيف مزراحي، المصري الوحيد بين هذه الجماعة والمولود في المحلة الكبرى عام 1895، أول فنان مصري يُدرج اسمه في موسوعة الفنانين العالمية (بينيزيت). تميز برسم المناظر الطبيعية في فرنسا وبريطانيا ومصر، حيث رُسم العديد من النماذج والصور الشخصية. أعماله موجودة في العديد من المتاحف المصرية.
فقد شكل هؤلاء الفنانون، برغم اختلاف ثقافاتهم وأصولهم، جوانب الفن المصري وامتد تأثيرهم بين الأجيال حتى يومنا هذا. فالطبيعة متعددة الثقافات في مصر، خاصة في مدينة الإسكندرية.
خلال هذه الفترة، تمامزج بين السكان المحليين والأجانب بشكل يجعل من الصعب التمييز بينهم من حيث العادات والتقاليد.
في هذا المعرض، يجتمع أعمال هؤلاء الفنانين مرة أخرى تكريمًا لأرواحهم النقية واحترامًا لذكراهم، بمناسبة الذكرى الـ60 لرحيل الفنان العظيم محمود سعيد. نرى هنا 14 فنانًا مؤثرًا في بدايات التصوير الفني في مصر يُعرضون أعمالهم “بصحبة محمود سعيد”.