خلايا الجهاز المناعي في الجسم تبتلع بعضها.. اكتشف السبب
أظهرت دراسة حديثة أُجريت من قِبل علماء من معهد ماكس بلانك لعلم المناعة وعلم الوراثة في ألمانيا تفاعلات مدهشة تحدث بين خلايا الجهاز المناعي، حيث تَحجز إحداها الأُخرى بداخلها حتى تموت، ثم تستخدم بقايا الخلايا الميتة لتُعزّز قوتها، واستفادت المجموعة البحثية من أجهزة
متخصصة في تسجيل الأحداث.
القصة الكاملة
يتواجه الجسم بمجموعة واسعة من المواد الغريبة، فيتصدى لها من خلال آلية تُعرف بالتهاب، ويتخذ التهاب الجسم شكل الحرارة والألم والاحمرار والانتفاخ.
تقوم الخلايا المناعية بمدافعة الجسم باستخدام مجموعات من الخلايا المتنوعة في شكلها ووظائفها، وتتباين أنواع الخلايا المناعية المشتركة في الرد المناعي معتمدةً على المثير الضار، مما يؤثر على نتيجة التفاعل الالتهابي.
خلايا مناعية تبتلع بعضها بعضا
العدلات تُعتبر خلايا مناعية أساسية في الاستجابة المناعية الطبيعية، وتقوم بأدوار حيوية في القضاء على البكتيريا والفطريات في أجسامنا.
تتداول أعداد كبيرة من هذه الخلايا في الدورة الدموية، بينما تتحرك مجموعات صغيرة منها لمراقبة الأنسجة البعيدة عن الدورة الدموية، وتتجه هذه الخلايا بسرعة إلى المواقع المصابة لتشن هجومها على الكائنات الدقيقة بوسائل متعددة تشمل ابتلاع المواد الغريبة وإطلاق المواد المضادة للميكروبات، أو وضع فخاخ لأعداءها.
تتجاوب العدلات مع إشارات الإنذار عن وجود التهديد الذي تُطلقه البروتينات الموجودة في الأنسجة المتضررة.
بالإضافة إلى ذلك،
علاوة على ذلك، تتناغم العدلات مع بعضها البعض لترتيب تجمعها، مما يسهم في توجيه جهودها المشتركة.
ينشأ العدلات أفخاخاً لصيد أعدائها، والأمر الممتع هو أن الطريقة التي تنشأ بها العدلات الأفخاخ استُغلَت من قِبَل نوع آخر من الخلايا المناعية لصيد العدلات نفسها، والخلايا المعنية بهذا الأمر هي الخلايا البدينة المناعية.
تملأ الخلايا البدينة بأحبال تحتوي على مواد محفزة للالتهاب، وتنطلق هذه الأحبال عند مواجهة خطر محتمل، بمن فيها تعرض الجسم للمواد المحفزة للحساسية، وتعيش الخلايا البدينة في الأنسجة لتلعب دوراً حاسماً في بدء الالتهاب.
تتعامل الخلايا البدينة في كثير من الأشخاص مع عوامل بيئية تبدو غير ضارة، مما يُسبب استجابة مناعية قد تكون غير لازمة، ولم يتم استطلاع التفاعل بين الخلايا البدينة والخلايا المناعية الأخرى في مواقع الاستجابة.
كيف تتفاعل كبيرات الحموضة مع خلايا الجهاز المناعي؟
أثناء تصوير حركة الخلايا البدينة النشطة وأنواع الخلايا الأخرى خلال ردود الفعل التحسسية في أنسجة الفئران الحية، اكتشف الفريق البحثي الذي يقوده تيم لاميرمان -مدير المعهد الطبي للكيمياء الحيوية بجامعة مونستر- تفاعلاً مُفاجئاً: وُجدت العدلات داخل الخلايا البدينة.
وفقاً لموقع يوريك ألرت، يقول لاميرمان: “لم نصدق أعيننا، كانت العدلات الحية جالسة داخل الخلايا البدينة الحية، وهذه الظاهرة غير متوقعة تماماً وربما لم تكن ستُكتَشَفَ في تجارب خارج الكائن الحي، مما يُسلط الضوء على القوة الدقيقة داخل الجسم الحي”.
الحيلة التي استخدمتها العدلات ضدها
ذكر مايكل ميهلان الكاتب الأساسي للبحث الذي نُشر في مجلة سيل في اليوم الثاني من شهر أغسطس الحالي “بدأ بالوضوح سريعًا أن الخلايا المناعية المزدوجة ليست مجرد حدث عرضي، أردنا تحليل كيفية تقييد الخلايا السمينة لشريكاتها وسبب ذلك”.
حين نجح أفراد الفريق في إقتباس تقنية حبس الخلايا الإبرية التي لفتت النظر في أنسجة حية داخل المختبر، تمكنوا من تحديد المسارات الجزيئية المشاركة في هذه العملية.
اتضح للباحثين أن الخلايا البدينة تفرز مركب يُعرف بـ “الليكوترايين بي 4″، والذي تستخدمه الخلايا الإبرية لبدء تجميع الخلايا حولها للدفاع عن الجسم، حيث تمكنت الخلايا البدينة من جذب الخلايا الإبرية بإفراز هذا المركب، وبتوافر الظروف الكافية، بدأت الخلايا الإبرية في ابتلاعها وإخفاءها داخلها.
يشدد تيم لاميرمان على أن “الخلايا الإبرية التي تصون أفخاذ لحبس الجراثيم أثناء التهاب قد تكون الآن تُحبس بواسطة الخلايا البدينة، وهو أمر يعتبر ساخرًا”.
اعادة تدوير الخلايا الإبرية
كشف الباحثون عن مصير الخلايا المُحبوسة داخل الخلايا البدينة، حيث تبين لهم أن الخلايا الإبرية المُحبَّسة تموت في النهاية وتُخزن بقاياها داخل الخلايا البدينة.
يرد مايكل ميهلان بتعليقه “هنا تأخذ القصة منعطفًا غير متوقع، فالخلايا البدينة قادرة على إعادة تدوير المواد من الخلايا الإبرية لتقوية وظيفتها، كما يُمكنها إطلاق مكونات جديدة للخلايا الإبرية لاحقًا، مما يثير استجابات مناعية إضافية ويساعد في المحافظة على الالتهاب والمناعة”.
بينما يقول تيم لاميرمان “هذا الفهم الجديد لكيفية تصرف الخلايا البدينة والإبرية معًا يضيف معلومات جديدة بالكامل لفهمنا لتفاعلات الحساسية والتهابات، حيث يظهر أن الخلايا البدينة يُمكن أن تستفيد من الخلايا الإبرية لتعزيز قدراتها الفريدة، وهو جانب يمكن أن يؤدي إلى نتائج متنوعة في الحالات الحساسية المزمنة التي تُعاني من التهابات متكررة”.
أفخاخ للخلايا الباقية
استفسر العلماء عما إذا كانت الخلايا الحمضية – وهي نوع آخر من الخلايا المناعية التي تتعرض لاستجابات الحشد التي يتوسطها “الليكوترين بي 4” – قد تُسجن أيضًا بواسطة الخلايا البدينة.
بالواقع، قامت الخلايا البدينة أيضًا بسجن الخلايا الحمضية، ورغم ذلك بكفاءة أقل من المُتعارف عليها، ولكن لم تُسجن أنواع أخرى من الخلايا بنفس الكفاءة، وبالتالي يبدو أنّ السجن الذي يتوسطه “الليكوترين بي 4” هو آلية عامة.
الخطوة القادمة
بدأ العلماء بالفعل في استكشاف هذا التفاعل في الأمراض الالتهابية التي تتوسطها الخلايا البدينة في البشر، للكشف عما إذا كان هذا الاكتشاف سيؤدي إلى اكتشافات يمكن أن تساعد في معالجة الحساسية والأمراض الالتهابية.