بعد تجارب عديدة، أظهرت دراسات جديدة أملًا جديدًا لمرضى التصلب اللويحي. قد توصل الباحثون إلى علاج مبشر يمكنه وقف تطور هذا المرض المزمن وإصلاح الأضرار الناتجة عنه، بعد جهد واضحّ لمدة عشر سنوات، وتعاون مع أفعى المامبا، تم الكشف عن علاج واعد جديد يُختبر حاليًا على البشر لعلاج التصلب اللويحي.
التصلب اللويحي
التصلب المُتعدد يؤثر على المركز العصبي، ويُعد مرضًا مُزمنًا يستمر لفترة طويلة مع المريض. يُشاع أنه اضطراب مناعي ذاتي، حيث يهاجم الجسم نفسه خطأ. هذا المرض غير المتوقع يؤثر على الأفراد بطرق مُتباينة. قد يُعاني بعض المُصابين بالتصلب المُتعدد من أعراض طفيفة، بينما يفقد آخرون القدرة على الرؤية والكتابة والكلام والمشي عندما ينقطع الاتصال بين الدماغ وأجزاء أخرى من الجسم.
يُسبب التصلب المُتعدد تدهورًا في المادة العازلة التي تحيط بالخلايا العصبية، المعروفة بالمايلين والتي هي غلاف يُحيط بالأعصاب، مثل عزل الأسلاك الكهربائية، وعند تلف هذا الغلاف، تتأثر قدرة الأعصاب على نقل الإشارات.
تجعل تلك الحالة من محاور الأعصاب التي تنقل النبضات الكهربائية مكشوفة دون طبقة المايلين، مما يُشبه الأسلاك العارية، ويُمكن أن يُسبب ذلك مشكلات خطيرة في الحركة والتوازن والرؤية. قد يؤديُ ترك المرض بدون علاج إلى الشلل وفقدان الاستقلالية وانخفاض العمر.
دواء يُحوّل مسار العلاج للتصلب المُتعدد بشكل دائم
فريق من الباحثين في جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو وشركة كونتينيوم ثيرابيوتكس قام بتطوير دواء يشجع الهيئة على استبدال المادة العازلة المفقودة. في حال نجاح هذا العقار في التجارب على البشر، يمكن أن يكون وسيلة لاصلاح الأضرار الناتجة عن المرض.
يتفاعل الدواء الجديد، الذي يُعرف بـ “بايب 307″، مع الخلايا المعينة في الدماغ التي تلعب دورًا في إنتاج المادة العازلة.إنتاج الغلاف الواقي للأعصاب، المعروف أيضًا بالميلين. ويُحفز هذا العقار نمو الخلايا وتكاثرها، ليقموا بتصليح الغلاف التالف وإعادة بناء الجزء المفقود منه.
وتوج العمل -الذي نُشرت نتائجه في 31 يوليو في مجلة “بي إن إيه إس”- بعشر سنوات من الجهد من علماء من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، بالتعاون مع اثنين من حمَلة الدكتوراه: جوناه تشان وآري غرين.
وقاد تشان فريق العلماء عام 2014 ليكتشف دواءً غير مشهور يسمى كليماستين، والذي يُمكنه تحفيز إعادة تكوين الميلين، وهو شيء لم يعتقد أحد أنه ممكن في الأساس.
وذكر قائد الفريق والأستاذ المشارك في علم الأعصاب بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو والكاتب الرئيسي للورقة حسب موقع يوريك أليرت “قبل عشر سنوات، اكتشفنا سبيلاً يُمكن للجسم من خلاله تجديد الميلين كاستجابة للإشارة الصحيحة، مما يعالج التصلب المتعدد. ومن خلال دراسة بيولوجية إعادة تكوين الميلين بعناية، قمنا بتطوير علاج دقيق يُعتبر الأول من نوعه من علاجات التصلب المتعدد”.
الأدوية الأكثر دقة تحت مظلة الدواء غير الدقيق
بدأ التقدم نحو هذا الاكتشاف عندما ابتكر تشان طريقة لاختبار قدرة الأدوية على تعزيز إعادة تكوين الميلين. وحدد الاختبار مجموعة من الأدوية، بما في ذلك الكليماستين، وتشترك جميعها في تحجيم المستقبلات المسكارينية.
تبدأ فوائد الكليماستين من خلال التأثير على الخلايا التي تُنضج لتكون خلايا قليلة التغصن. تبقى هذه الخلايا كسولة في الدماغ والحبل الشوكي حتى تشعر بوجود أنسجة متضررة، ثم تنتقل وتتحول إلى خلايا قليلة التغصن التي تنتج الميلين.
وتتجمع الخلايا التي يمكن أن تنضج وتتحول إلى خلايا قليلة التغصن حول الميلين المتضرر، لكنها تفشل في إعادة بنائه لسبب غير معروف خلال التصلب المتعدد. اكتشف تشان أن الكليماستين ينشط من خلال تحجيم المستقبلات المسكارينية، مما يمكنها من النضج إلى خلايا قليلة التغصن المنتجة للميلين.
يصعب إصلاح الأعصاب والميلين الذي يحميها إذا تعرضت للضرر، سواء من جراء التصلب المتعدد أو الخرف. أجروا غرين وتشان تجربة على الكليماستين لدى مرضى التصلب المتعدد، ونجحت. وكان هذا هو أول ظهور لعقار قادر على استعادة الميلين المفقود في التصلب المتعدد. على الرغم من أمانه للاستخدام، إلا أن فعالية الكليماستين كانت محدودة.
قال غرين، رئيس قسم علم المناعة العصبية وعلم أحياء الخلايا الدبقية في
قسم علم الأعصاب في جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو، والمشارك في كتابة البحث “الكليماستين ليس دواء مستهدف، بل يؤثر على عدة مسارات مختلفة في الجسم. من البداية، تبين لنا أن تأثيره مع مستقبلات المسكارين يمكن أن يساعدنا في تطوير علاجات جديدة لالتهاب الأعصاب المتعدد”.
كشف السم الأفعى عن الهدف الصحيح
استخدم العلماء الكليماستين لفهم فرصة تجديد الميالين في التصلب المتعدد. وضعوا مجموعة من الأدوات لمراقبة تجديد الميالين، سواء في نماذج حيوانية للمرض أو في مرضى التصلب المتعدد، وأظهروا أن فوائد الكليماستين تأتي من تجديد الميالين.
وجد الفريق أن تأثير الكليماستين يأتي من حجب مستقبل إم 1 فقط من مستقبلات المسكارين، وكان تأثيره معتدلا، وكان الدواء يؤثر أيضا على مستقبلات أخرى. يجب أن يركز الدواء المثالي على مستقبل إم 1.
أدرك بون، الباحث البيولوجي في شركة كونتينيوم ثيرابيوتكس، أن سم الأفعى المامبا الخضراء القاتلة يحتوي على “إم تي 7″، الذي يمكن أن يكشف بدقة مكان وجود مستقبلات إم 1 في الدماغ.
استخدم بون “إم تي 7” لتصميم علامة جزيئية تمييز وجود مستقبلات إم 1، مما ساعد في الكشف عن خلايا يمكن أن تتجه لتكون خلايا قليلة التفرع حول المناطق المصابة في نموذج الفأر المُصاب بالمرض، وفي أنسجة المرض لدى البشر التي تمت دراستها في المختبر.
تطوير دواء جاهز للاستخدام العيادي
صمم فريق من الصيادلة الطبيين في شركة كونتينيوم ثيرابيوتكس، بإشراف الدكتور أوستن، الدواء الذي تخيله تشان وغرين، ووصلوا لدواء “بايب 307” الذي يحجب مستقبلات إم 1.
في عام 2021، اجتاز بايب 307 التجربة السريرية من المرحلة الأولى، وأثبتت سلامته. حاليًا يتم اختباره على مرضى التصلب المتعدد في المرحلة الثانية.
إذا نجح الدواء، فسيغير طريقة علاج التصلب المتعدد. يعلق غرين قائلًا: “كل مريض يأتي إلينا بتشخيص التصلب المتعدد يعاني من درجة معينة من الضرر، الآن لدينا الفرصة لوقف المرض وحتى الشفاء”.