كيف يسير التعليم الجامعي بالمناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري وإلى أين؟
ويمنون النفس بالحصول على فرصة عمل في ظل الوضع المعيشي الصعب في المنطقة الذي ناهز عدد سكانها 6 ملايين نسمة، بينهم 50 ألف طالب جامعي.
فما طبيعة التعليم الجامعي في مناطق نفوذ المعارضة السورية؟ وما المشاكل والصعوبات التي يتعرض لها الطلاب؟ وهل هناك من يحقق مطالبهم؟
ما طبيعة التعليم الجامعي بمناطق المعارضة؟
منذ خروج مدينة إدلب عن سيطرة نظام الأسد، توجهت أنظار الإدارة المدنية للحفاظ على وثائق الطلاب في جامعة إدلب التي كانت فرعا لجامعة حلب، وأعلن عام 2015 عن افتتاح الجامعة لاستقبال الطلاب وانطلقت فيها العملية التعليمية بعدد قليل من الكليات والمعاهد.
ومع ارتفاع أعداد الطلاب والحاجة الملحة، زاد عدد الكليات والمعاهد لتصبح قادرة على استيعاب كافة الاختصاصات، وصار عددها 20 كلية و7 معاهد، بحسب عبد الحميد الخالد رئيس جامعة إدلب.
ومع زيادة أعداد الطلاب الموجودين في مناطق سيطرة المعارضة بعد التهجير القسري من معظم المحافظات، افتُتحت الجامعة العامة الثانية باسم “حلب الحرة” عام 2015 وتتبع مجلس التعليم العالي بالحكومة السورية المؤقتة.
وافتُتحت أيضا العديد من الجامعات الخاصة في منطقتي إدلب -والتي تتبع مجلس التعليم العالي بحكومة الإنقاذ- وفي ريف حلب الشمالي التي تتبع مجلس التعليم العالي بالحكومة المؤقتة.
من أين تحصل الجامعات على التمويل؟
يبلغ القسط الجامعي السنوي الذي يدفعه الطالب في جامعة إدلب للعام الواحد 150 دولارا لكليات الآداب والعلوم، و250 دولارا للتعليم الموازي، و200 دولار في جامعة حلب بشكل متوسط للعام الواحد، و300 دولار للموازي.
وتعتبر هذه الأقساط الركيزة الأساسية في تمويل الجامعات العامة من حيث الكلفة التشغيلية ورواتب الطاقم التدريسي وتأمين المعدات اللازمة والضرورية لرفع جودة التعليم دون الحصول على تمويل خارجي، ودعم العملية التعليمية والتخفيف على الطلاب في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة عليهم.
وتقول الطالبة هبة الحمد من جامعة إدلب -للجزيرة نت- إن الأقساط الجامعية مرتفعة ولا تتناسب مع الوضع المعيشي في ظل قلة فرص العمل وظروف النزوح والتهجير والحرب والقصف المستمر على المناطق المحررة.
ويوضح طالب آخر أن متوسط هذه الأقساط يبلغ 200 دولار ويعتبره “منخفضا” مقارنة برسوم التعليم في أي دولة أخرى، ويضيف أن الجامعات تعتمد على هذه الأقساط في ظل غياب أي دعم للجامعة أو الطلاب.
ماذا عن الاعتراف بالشهادات الجامعية؟
يبقى كابوس الطلاب الأكبر في جامعات مناطق المعارضة هو قضية الاعتراف بالشهادات من قبل الدول العربية أو الصديقة أو الأوروبية التي أصبحت ملجأ ملايين السورين بعد فرارهم من آلة القتل والحرب في بلادهم.
لكنهم اكتشفوا أن الشهادات التي يحصلون عليها غير معترف بها ولا تخولهم العمل إلا بمناطق شمال غرب سوريا، ما عدا بعض استثناءات الدراسات العليا في بعض الجامعات التركية والأوروبية، وهي حالات محدودة.
وفي تصريحه للجزيرة نت، أفاد وزير التعليم العالي في حكومة الإنقاذ عبد المنعم عبد الحافظ أن الاعتراف بالشهادات الجامعية ينقسم إلى نوعين أكاديمي وقانوني.
ويوضح أنهم استطاعوا قطع شوط كبير في الاعتراف العلمي وتصنيف الجامعات في المناطق المحررة بتصنيف عالمي، كما حصل بعض الطلاب على إمكانية إكمال الدراسات العليا في جامعات تركية وأوروبية، وهناك اعتراف أكاديمي بالشهادات، في حين لم يحصلوا حتى الآن على الاعتراف القانوني “رغم الجهود الكبيرة المبذولة”.
ويؤكد عبد الحافظ أنه لدى طلبتهم معادلة علمية عالية ومعاصرة، ودرسوا أعلى المعايير العلمية في جامعات المناطق المحررة، مناشدا الدول العربية والصديقة “النظر بعين الواقع لحق هؤلاء الطلاب الذين يصرون على استكمال دراستهم رغم كل ظروف الحرب”.
وبدورها، تؤكد الطالبة هبة الحمد أنه رغم مستواهم العالي ودراستهم لسنوات عدة ووصولهم للتخرج لكن الاعتراف بالشهادات الجامعية من الدول العالمية يبقى الحلقة المفقودة، وفق تعبيرها.
من جانبه، يقول الطالب علاء الشوا في قسم الطب، وهو مهجّر من مدينة خان شيخون، إنه الآن على أبواب التخرج من الجامعة ويحمل شهادة في الطب، وإذا ما فكر بالخروج من سوريا فستكون شهادته الجامعية عبارة عن ورقة لا قيمة لها دون الحصول على اعتراف بها.
وينوه عبيد الخالد إلى أن أبواب جامعة إدلب تفتح أبوابها أمام كافة الجهات التي تريد تقديم المساعدة في المجال التقني والعلمي والمالي وحتى الإداري، وتستقبل أي مشورة تفيد طلابها من أي جهة كانت “خاصة وأنهم جزء من المكون السوري، ولديهم الكوادر المؤهلة”.
هل ترقى المعادلة العلمية لمستوى التعليم العالمي؟
تضم الجامعات العامة والخاصة في كلياتها جميع التخصصات. وتمنح شهادات الدراسات العليا في مختلف الأقسام، وتمنح الماجستير والدكتوراه في كليات الآداب والهندسة والطب البشري، وقد جُهزت جميع الأقسام بالمختبرات والقاعات اللازمة للتطور العلمي ولمواكبة الأبحاث العالمية المتقدمة وخاصة في الطب.
وتعاني بعض الأقسام من ضعف البنية التحتية بسبب العدد الكبير لطلاب الجامعة والكليات والمعاهد المفتوحة. وكي تواكب تطلعات الطلاب الدراسية هي بحاجة لتلك الاختصاصات، لكن قسما منها مازال على شكل أبنية مدرسة.
ويقول عبد الحافظ إنهم حرصوا على فتح معظم الاختصاصات الجامعية المطلوبة في الجامعات العامة والخاصة والتي يشرف عليها مجلس التعليم العالي التابع بشكل مباشر لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ضمن معايير خاصة مضبوطة.
كم عدد الطلاب الجامعيين في مناطق المعارضة؟
يبلغ عدد الطلاب في الجامعات العامة والخاصة بمناطق سيطرة المعارضة ما يقارب 45 ألف طالب وطالبة، وتضم جامعة إدلب ما يقارب 25 ألف طالب وطالبة بحسب رئيس الجامعة “الخالد”. بينما تضم جامعة حلب الحرة ما يقارب 14 ألفا بحسب مدير المكتب الإعلامي لجامعة حلب الحرة أحمد المنصور، بالإضافة إلى آلاف الطلاب في الجامعات الخاصة التابعة لوزارتي التعليم العالي بالحكومتين “المؤقتة والإنقاذ”.
ويقول عبيد الخالد إن الطلاب يتلقون تعليمهم ضمن كليات ومعاهد جامعة إدلب التي يبلغ تعدادها 20 كلية و7 معاهد، وتشمل الكليات الطبية 4 اختصاصات، والهندسية 6 اختصاصات، بالإضافة للاختصاصات النظرية في كليات الآداب والتربية والإدارة وغيرها.
وينوه إلى أن خريجي كلية الطب البشري يتابعون دراسة الاختصاص أو ما يسمى “الإقامة الطلابية” ويتم تدريبهم واستكمال دراستهم العلمية في “مشفى إدلب الجامعي”.
ما فرص العمل لدى خريجي الجامعات؟
“البحث عن عمل كالبحث عن إبرة في كومة قش” هكذا يصف الطالب “محمود العثمان” الخريج من قسم التاريخ بعد أن فقد الأمل في إيجاد فرصة عمل وفق الشهادة التي حصل عليها، هو وعدد من أقرانه.
ويتجه عدد من الطلاب الخريجين إلى الوظائف الحكومية أو العمل مع المنظمات والجمعيات الإغاثية أو في مجال التعليم براتب شهري لا يتجاوز 200 دولار شهريا، بينما يبقى الآلاف دون الحصول على فرصة عمل أو في انتظار شاغر ربما يطول سنوات.
ولكن حال طلاب الطب والهندسة ربما يكون أفضل قليلا في ظل نقص الكوادر الطبية في المناطق المحررة، والحاجة الماسة لطلاب الهندسة المعمارية والمدنية في مجال إعادة الإعمار.
ويشير عبيد الخالد إلى أن هناك تطلعا مهما لدى طلاب وطالبات الهندسة المعمارية والمدنية لتوظيفهم في ظل الحاجة الملحة لإعادة الأعمار ووضع الخطط لإعادة بناء البلد.
ماذا عن أقساط التعليم الخاص؟
تعتمد الجامعات الخاصة على استقطاب الطلاب الذين لم يؤهلهم مجموعهم في الثانوية العامة لدخول الجامعات العامة أو قسم الموازي، ويدفع الطالب بها أقساطا مالية مرتفعة تتراوح بين 500 و1200 دولار، وتوفر شروطا علمية عالية وبنية تحتية مجهزة تشمل مختبرات علمية.
ويقول رئيس جامعة ماري الخاصة الدكتور خالد الطويل إن الجامعات الخاصة تختلف عن العامة بأنها تستقبل عددا من الطلاب أقل لأنها توفر معادلة علمية جيدة ولديها عدد محدد في كل قاعة دراسية، ويوجد عدد محدد في كل مختبر.
وأضاف أن هناك عددا كبيرا من الطلاب يحصلون على شهادة الثانوية العلمية “وهذا يفرض علينا كجامعات عامة وخاصة استقبالهم ولكن ضمن التكوين العلمي الذي يؤهلهم للدخول الجامعي وهؤلاء أعدادهم كبيرة جدا وتزداد كل عام”.
ويجد طلاب كثر صعوبة في توفير الأقساط، رغم اضطرار بعضهم للشغل بالتوازي مع دراستهم، لكن الشغل أيضا يتوقف في ظل النزوح والتهجير القسري. فإلى أين يسير التعليم العالي بالمناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري؟