دفاعًا عن كرامة إيمان خليف: ضربة ضد التحيز والتنمر

Photo of author

By العربية الآن



دفاعًا عن كرامة إيمان خليف: ضربة ضد التحيز والتنمر

2166091437 1723239428
يجب أن يكون الاحترام المتبادل أساسًا للتنافس ويجب على المتنافسين تبادل التحية والاعتراف بقيمة الآخر (غيتي إيميجز)
الانتصار الأخير للملاكمة الجزائرية إيمان خليف على الإيطالية أنجيلا كاريني في أولمبياد باريس في 1 أغسطس/ آب الجاري أثار جدلًا غير لائق.. من المدهش أن عديدًا من المعلقين يركّزون على الجوانب الشخصية ومظهر إيمان، بدلًا من تقدير إنجازها الرياضي، يصورون أنجيلا كضحية ويتنمرون ضد إيمان.

لا أنوي مناقشة معايير الولوج إلى المباريات، ولا تناول مسألة الظلم التي أثارها السياسيون الإيطاليون مثل رئيسة الحكومة جورجيا ميلوني، التي قررت التطفل على الجدل مع زملائها من اليمين المتطرف، ما ساهم في تقديم صورة سلبية للسياسة الإيطالية على الصعيد الدولي.

يبدو أن الجدل ينشأ من صراع أيديولوجي بين السياسيين المحافظين المستنفرين، وناشطي مجتمع الميم، الذين يستخدمون الرياضة كأرض معركة لدعايتهم، ما يشتت الانتباه بشكل غير عادل عن المواهب الرياضية التي ينبغي الاحتفاء بها.. تسييس الرياضة كان واضحًا منذ حفل الافتتاح في 26 يوليو/ تموز.

هذا النوع من الجدل والتنمر ليس جديدًا؛ فقد تم اتهام العديد من الرياضيات من أصول أفريقية بأنهن رجال، أو أن لديهن مزايا بيولوجية، عندما يبرزن في تخصصات تهيمن عليها تقليديًا الرياضيات البيض

تاريخيًا، غالبًا ما تتعرض الرياضيات ذوات الأجسام القوية والعضلية للسخرية، ويُعتبرن مسترجلات، مع تجاهل مقلق لصحتهن العقلية وتأثير التنمر على أجسادهن، لكن يصبح هذا التباين أكثر وضوحًا في المعاملة التفضيلية لدموع النساء البيض، التي تثير تعاطفًا وتضامنًا أكبر، وهذا بالضبط ما حدث مع أنجيلا، التي صرخت بالإيطالية “هذا ليس عادلًا” بينما كان الحكم يستعد لإعلان هزيمتها.. بعدها، جلست على ركبتيها في وسط الحلبة باكية، رغم أنها هي التي طلبت مرتين وقف المباراة، وقررت الانسحاب منها.

هذا النوع من الجدل والتنمر ليس جديدًا؛ فقد تم اتهام العديد من الرياضيات من أصول أفريقية بأنهن رجال، أو أن لديهن مزايا بيولوجية، عندما يبرزن في تخصصات تهيمن عليها تقليديًا الرياضيات البيض. هناك أمثلة تاريخية تشمل الشقيقتين فينوس وسيرينا ويليامز في التنس، والعداءة كاستر سيمينيا، التي واجهت اختبارات للتحقق من جنسها وعلاجات هرمونية في عام 2009، والعداءَتَين من ناميبيا كريستين مبوما، وبياتريس ماسيلينجي في عام 2021.

وسائل التواصل الاجتماعي، التي تعتبر مساحة لتبادل الآراء، حيث يشعر الناس بالحرية خلف لوحة المفاتيح، أصبحت أرضًا خصبة للتنمر وحملات الكراهية، وعديد من الأشخاص تجاوزوا الادعاءات الأولية حول جنس إيمان، وانتقلوا إلى الإهانات والهجمات الشخصية.. تسلط هذه الظاهرة الضوء على رغبة في تفريغ الغضب على عدو خيالي، خصوصًا من أنصار الأحزاب السياسيّة اليمينيّة.

لو كانت إيمان رجلًا يتمتع بميزات بيولوجية، مثل السباح الأميركي مايكل فيلبس، لكانت قد نالت إشادة لميزاتها الجسدية المميزة، ولو كانت امرأة ألمانية أو سويسرية، لكانت الهجمات على الأرجح أقل. ولكن، كونها جزائرية ومن بلد ذي ديناميكية هجرة قوية، يبدو أنها تتلقى اعتبارًا أقل. إيمان خليف هي ملاكمة مغاربية وعربية ومسلمة.

الجدل جذب انتباه شخصيات مشهورةٍ لها ملايين المتابعين، مثل إيلون ماسك ودونالد ترامب وجي.كي. رولينغ، الذين غذوا التنمر.. من الضروري إذن الرد قانونيًّا على هذا التشهير والتنمر الإلكتروني، وحماية كرامة وحقوق إيمان مثل أي شخص آخر.

شاهدت مقابلة لإيمان وأرى أنها شخصية طيبة القلب، طموحة وقوية.. إنها هادئة وتختار كلماتها بعناية، تأتي من بيئة اقتصادية هشة، ولا تخفي أنها ولدت في عائلة فقيرة، بين أم ربة منزل وأب عامل، في قرية ريفية

في السياق الرياضي، يجب أن يكون الاحترام المتبادل أساسًا للتنافس، يجب على المتنافسين تبادل التحية والاعتراف بقيمة الآخر. لسوء الحظ، أظهر موقف الملاكمة الإيطالية عدم نضج كبير، بينما أظهرت إيمان الاحترام بالاقتراب لتحيتها ومواساتها مرتين، علمًا بأنه كان بينهما تعارف، وسبق لهما أن اجتمعتا في المركز الفدرالي للملاكمة في مدينة أسيزي بإيطاليا.

شاهدت مقابلة لإيمان، وأرى أنها شخصية طيّبة القلب، طموحة وقوية.. إنها هادئة وتختار كلماتها بعناية، تأتي من بيئة اقتصادية هشة، ولا تخفي أنها وُلدت في عائلة فقيرة، بين أم ربة منزل وأب عامل، في قرية ريفية. لقد تجاوزت صعوبات اقتصادية واجتماعية كبيرة لممارسة الملاكمة، وناضلت ضد الانتقادات، واعتمدت على نفسها ببيع الخبز في الشارع وبيع الخردة لتمويل تدريباتها.

بدأت في عام 2018، وتم تكريمها على المستوى الوطني، لتصبح بطلة أفريقيّة. بالإضافة إلى ذلك، فازت بثلاث ميداليات ذهبية على المستوى الأفريقي والعربي والمتوسطي.. تستحق الاحترام والدعم لتصميمها.

إذا كانت لإيمان ميزة بيولوجية أو اضطراب هرموني، فهذا ليس خطأَها؛ من مسؤولية الهيئات المختصة التحقق من الجانب الأخلاقي لضمان نزاهة المنافسة، وليس للسياسيين والمتنمّرين الحق في إقصائها.

أخيرًا، حان الوقت للاعتراف بكرامتها كامرأة ورياضية، وتقدير قيمتها.. يجب على سياسيي أوروبا أن يعتادوا فكرة أن المواهب القادمة من “العالم الثالث” يمكن أن تنجح وتشقّ طريقها حتى في “العالم الأول”، لترفع أعلام بلدانها دون أن تخضع لضغوط المستعمرين السابقين. ومع ذلك، ليس الجميع قادرين على تحقيق أحلامهم؛ لنفكر في الرياضية الصومالية سامية يوسف عمر، التي غرقت في البحر الأبيض المتوسط أثناء محاولتها تحقيق حلمها في أوروبا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.



أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.