اكتشاف “المادة المضادة” في المحطة الفضائية الدولية قد يغير قوانين الفيزياء
وعلى مر السنين، سجل العديد من الأحداث التي تشير إلى وجود جسيمات المادة المضادة، بما في ذلك البوزيترونات ونوى الهيليوم المضاد المحتملة، وبشكل خاص تأكد رصد عدد غير عادي من نوى الهيليوم المضاد التي لم يتمكن النموذج القياسي للفيزياء من تفسيرها، قبل 8 سنوات.
ويقول فريق من الفيزيائيين في دراسة نشرت حديثا في دورية “فيزيكال ريفيو دي” إن تلك الأرصاد قد تكون دليلا على أجرام افتراضية جديدة أطلقوا عليها اسم “كرات النار الكونية”.
ما المادة المضادة؟
يتكون كل شيء نعرفه في هذا الكون من المادة العادية، تلك التي تتكون من ذرات، والتي تتكون من جسيمات أصغر، حيث تحتوي على نواة في المنتصف بها بروتونات موجبة ونيوترونات متعادلة، وتدور حول النواة إلكترونات سالبة الشحنة.
ولكن عام 1928 تنبأ الفيزيائي البريطاني بول ديراك بوجود نوع آخر من المادة يسمى “المادة المضادة”، من خلال معادلاته التي جمعت بين ميكانيكا الكم والنسبية الخاصة.
والمادة المضادة تتكون من نفس مكونات المادة العادية لكن مع شحنة مختلفة؛ بروتونات المادة المضادة مثلا سالبة الشحنة، أما إلكترونات المادة المضادة (وتسمى البوزيترونات) فتكون موجبة الشحنة. ولذلك فإنه إذا التقت المادة والمادة المضادة من نفس النوع معا، فإن كل منهما يفني الآخر ويتحولان إلى طاقة.
وفي عام 1932 اكتشف كارل أندرسون، الفلكي والفيزيائي الأميركي، أول بوزيترون أثناء دراسته للأشعة الكونية.
كرات كونية
وبحسب الدراسة الجديدة، فإن أنوية الهيليوم المضاد التي اكتشفت في المحطة الفضائية الدولية لا يمكن تفسير وجودها عبر “النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات”، وهي النظرية التي تصف تركيب كل مادة الكون التي نعرفها وصولا إلى أدق الجسيمات.
حيث وجد الباحثون أن نسب أنوية الهيليوم-4 المضاد والهيليوم-3 المضاد المرصودة في المحطة الفضائية الدولية تختلف عن النسب المتوقعة من النموذج القياسي.
وفي الدراسة، يفسر الباحثون هذا التناقض بين النموذج القياسي والأرصاد باستخدام أجرام افتراضية تسمى “الكرات النارية الكونية”، يعتقدون أنها ناتجة عن ظواهر مثل تصادم كتل كثيفة للغاية من المادة المظلمة والتي يعتقد العلماء أنها تمثل 80% تقريبا من مادة الكون، لكن لا يمكن رصدها إلى الآن.
وفي هذا السياق يعتقد الباحثون أن الكرات النارية هي مناطق كثيفة ونشطة من الفضاء تحتوي على أعداد كبيرة من الجسيمات المضادة، والتي تتمدد بمجرد تشكلها، وتطلق كما هائلا من الجسيمات المضادة والتي يصل بعضها إلى الأرض.
ولكن للتأكد من صحة تلك الفرضية الجديدة، لا بد من تحقيق مجموعة أخرى من الأرصاد الإضافية التي تتوافق مع النماذج الحسابية التي بناها الباحثون.
أسئلة علم الكونيات الصعبة
وإلى ذلك الحين، تظل المادة المضادة أحد أكبر مشكلات علم الكونيات المعاصر، لأن نظرية الانفجار العظيم تفترض أنه خلال لحظات نشأة الكون الأولى كانت نسب المادة والمادة المضادة متساوية تماما.
لكن لأننا لا نرى إلا المادة العادية في محيطنا الكوني، ونادرا ما نرصد المادة المضادة، فإن ذلك دفع العلماء للتساؤل: أين ذهبت المادة المضادة؟ منذ عقود طويلة يحاول العلماء الإجابة عن هذا السؤال، وأحد الافتراضات هي محاولات إثبات أن عالم فيزياء الجسيمات لم يكون متماثلا بما فيه الكفاية.
وبحسب تلك الفرضية، فقد خرجت المادة المضادة لحظة ميلاد الكون بكميات أقل بنذر يسير جدا من المادة العادية، ما أدى إلى انخفاض كمياتها جذريا مع الوقت مع التقائها مع شبيهاتها من المادة العادية، وبقي الفارق الطفيف من المادة العادية وهو ما صنع مادة الكون المعاصر.