السياسة والانتخابات الأميركية وتأثيرهما على المسلمين
وهنا تتدخل مجموعة من العوامل المرتبطة بالخلفيات والميول السياسية والدينية والثقافية للرئيس الأميركي وفريقه الحاكم؛ والظروف الاقتصادية الأميركية والعالمية، ودرجة الشعور بالمخاطر الخارجية، والتعامل مع التنافس الدولي والقوى الكبرى وسلوكها السياسي والعسكري والاقتصادي الذي قد يمس المصالح الأميركية أو يزاحمها في دوائر نفوذها.
كما يتطلب فهم سياسة الولايات المتحدة وطريقة صنع القرار والسياسات في هذا البلد، وإدراك سياق وقواعد ومؤسسات نظامه الديمقراطي، فضلًا عن معضلات هذا النظام من حيث تباين وجهات النظر بين جماعات وأعراق عديدة، ونمط الديناميكية السكانية في المجتمع، وتنامي جماعات الضغط، والأهم من ذلك مدى تمثيل النظام الديمقراطي للأغلبية؛ إذ إن طريقة تمرير مشروعات القوانين في الكونغرس الأميركي تجعل لـ “موافقة الأقليات” اليد الطولى، وليس حكم الأغلبية، كما القاعدة الأساسية المفترضة في أي نظام ديمقراطي.
ولا شك في أن السياسة الأميركية الآن تشهد متغيرات ومعضلات أساسية؛ أولاها: أن الولايات المتحدة من أكثر الدول اكتظاظًا بالسكان، وبالتالي تتباين خصائصهم من حيث الخلفيات الدينية والثقافية والجغرافية (العرقية) والعنصرية والاجتماعية، والاقتصادية.
أنتج هذا التنوع نطاقًا واسعًا من المصالح والتفضيلات السياسية المختلفة، فقد يكون لدى المسلمين وجهات نظر مختلفة حول الحقوق، والقضايا السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية.
الخيارات أمام هؤلاء الناخبين والناخبات من المسلمين الآن في ظل هذه الانتخابات سيئة، أو شديدة السوء في مختلف التقديرات، فهناك مرشحة يسارية متطرفة اندفعت إلى اليسار، بينما كانت تناضل من أجل جذب انتباه الجناح الليبرالي للحزب الديمقراطي، ومرشح آخر لا يتردد في التأكيد على صداقته القوية لإسرائيل لأسباب مختلفة
انعكاسات القضية الفلسطينية على الانتخابات والسياسة الأميركية
منذ شنّ عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حافظت إدارة بايدن على دعمها الثابت للرد العسكري الإسرائيلي على حركة حماس، والذي اتسم بعمليات تصعيدية واسعة ضد السكان المدنيين الأبرياء في قطاع غزة. واستمر هذا الدعم الأميركي بالرغم من الضغوط التي مارسها الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي لتبنّي نهج متوازن يدعم وقف إطلاق النار.
وبمرور الوقت سعت الإدارة الأميركية إلى تعديل خطابها السياسي بعض الشيء، والحديث بشكل أكبر عن حماية المدنيين الأبرياء، وتوفير المساعدات الإنسانية، وإعادة تأكيد حلّ الدولتين كأساس لإنهاء الصراع.
ويعكس ذلك محاولة إدارة بايدن تحقيق بعض التوازن بين الضغوط المتناقضة التي تواجهها، وذلك من خلال الاستجابة لليسار المؤيد للفلسطينيين، مع الاحتفاظ في الوقت نفسه بموقفها الأساسي الداعم لتل أبيب. ومع الوقت، بدأت الفجوة بين المواقف الأميركية والإسرائيلية تتسع بشأن بعض القضايا العملياتية، غير أنه بإجماع كتّاب أميركيين كُثُر من المُرجح أن يظلّ الدعم الأميركي الأساسي لإسرائيل على حاله.
وبحسب المعهد العربي الأميركي، ، من إجمالي 332 مليونًا. ويوجد أكبر تجمع للأميركيين المسلمين في ولاية مينيسوتا التي يكثر فيها الصوماليون، وفي منطقة ديربورن الكبرى بولاية ميشيغان – التي أسهمت في وصول ترامب للحكم عام 2016م قبل أن تنقلب لصالح بايدن في سباق 2020م.
ويرجع مراقبون تغير مزاج الناخب العربي والمسلم ضد ترامب في 2020م، إلى سياسته المنحازة لإسرائيل، خاصة قراره نقل السفارة الأميركية إلى القدس. كما أنه استهل ولايته بإعلانه عن إجراءات تمنع دخول مواطني دول مسلمة إلى الولايات المتحدة، قبل أن يبطل القضاء الأميركي هذه الإجراءات.
الخيارات أمام هؤلاء الناخبين والناخبات من المسلمين الآن في ظل هذه الانتخابات سيئة، أو شديدة السوء في مختلف التقديرات، فهناك مرشحة يسارية متطرفة اندفعت إلى اليسار، بينما كانت تناضل من أجل جذب انتباه الجناح الليبرالي للحزب الديمقراطي، ومرشح آخر لا يتردد في التأكيد على صداقته القوية لإسرائيل لأسباب مختلفة، منها العائلية، وتوعده بإخراج المهاجرين الجدد من الولايات المتحدة، إضافة إلى تمسكه بمبدأ منع دخول اللاجئين من بضع دول إسلامية إلى أميركا، الأمر الذي يترك السباق الرئاسي أمام المسلمين الأميركيين أمام اختيار صعب.
حادثة الهجوم على دونالد ترامب
أصيب ترامب برصاصة في الأذن خلال تجمع انتخابي جماهيري أقيم يوم السبت الموافق 13/7/2024م من قبل توماس ماثيو كروكس (20 عامًا) الذي أطلق النار على ترامب في محاولة اغتيال من شأنها تأجيج المخاوف من عدم الاستقرار قبل الانتخابات الرئاسيّة.
وشُوهد الرئيس الأميركي السابق (78 عامًا) وقد تلطّخ وجهه بالدم عقب إطلاق النار، فيما قُتل المشتبه به وأحد المارة، لكن هذا الهجوم على ترامب قد يجعله يبدو ضحية بنظر مؤيديه، مما يزيد من تعاطفهم، ويعزز فرصه في الفوز في الانتخابات الأميركية القادمة كبطل قومي نجا من اغتيال محتوم.
حظوظ ترامب للفوز أمام بايدن أكبر من حظوظه ضد أي مرشح ديمقراطي آخر، بينما هاريس إذا ما تم الحسم في ترشحها، رغم ضعف موقفها في بعض القضايا، فإنها تمتلك نقاط قوة تتوجس منها حملة ترامب
انسحاب جو بايدن من سباق الانتخابات الرئاسية الأميركية
أثار انسحاب الرئيس الأميركي جو بايدن من سباق الرئاسة قبل أربعة أشهر فقط من انتخابات 5 نوفمبر/تشرين الثاني، مخاوف من تعميق الانقسامات في صفوف الحزب الديمقراطي، وتراجع فرص مرشّحه في الفوز على الرئيس السابق دونالد ترامب،
وفي الوقت الذي يدعو فيه كبار الديمقراطيين إلى توحيد الصفوف، تُقدّم هاريس نفسها البديل الأنسب لخلافة بايدن على رأس البطاقة الديمقراطية.
وعلى الرغم من أن بايدن قدم دعمه الكامل لنائبته كامالا هاريس، فإن هذا الاختيار، وإن كان منطقيًا، لكنه يبقى غير تلقائي، وغير نهائي لتصبح هاريس المرشحة الديمقراطية، والكلمة الحاسمة بهذا الخصوص ستعود لمندوبي الحزب الديمقراطي البالغ عددهم 4672 شخصًا، منهم 3933 سيلتزمون بنتائج ولاياتهم، إلى جانب 739 يعرفون باسم المندوبين الكبار، وهم أعضاء بارزون في الحزب.
كانت حظوظ ترامب للفوز أمام بايدن أكبر من حظوظه ضد أي مرشح ديمقراطي آخر، بينما هاريس إذا ما تم الحسم في ترشحها، رغم ضعف موقفها في بعض القضايا، فإنها تمتلك نقاط قوة تتوجس منها حملة ترامب، منها صغر السن الذي يعتبر مطلبًا جماهيريًا. وكونها امرأة، من المحتمل أن تستقطب أصواتًا نسائية أكبر، وهو ما يشكل نقطة ضعف للحزب الجمهوري
الديمقراطيين يتبنّون سياسات أكثر انفتاحًا تجاه الهجرة، مما قد يشكل عاملًا حافزًا للمسلمين الذين يسعون للسفر والاستقرار داخل الولايات المتحدة
الجمهوريون أم الديمقراطيون؟!
يمكن تصنيف الحزبين الأساسيين (الديمقراطي والجمهوري) في الولايات المتحدة الأميركية على أنهما من الأحزاب العملية أو أحزاب البرامج، وليس لهما ارتباط بعقيدة محددة، حيث تتغير مواقفهما وسياساتهما العامة من (حقبة) مدة إلى أخرى تماشيًا مع الظروف والمتغيرات، فمثل هذه الأحزاب تتميز بقدرتها على التكييف مع الظروف المحيطة بها، كما أنها تتأثّر بنوعية واتجاهات القيادات التي تسيطر عليها.
كما أنها تتسم بالمرونة ولا تتمسك بعقيدة جامدة تقيد حركتها. وبعبارة أخرى فإن الحزب سواء كان جمهوريًا أم ديمقراطيًا، يتأثر كثيرًا بمحيطه الاجتماعي، فنلاحظ لكل ولاية ظروفها الاقتصادية والاجتماعية الخاصة بها والتي تؤثر في توجهات الحزب وأفكاره وتطلعاته، حتى يمكن القول إن لكل ولاية حزبَها الديمقراطي، أو الجمهوري.
غير أن أبرز ما يميز الحزب الديمقراطي، هو السعي إلى استيعاب المبادئ الديمقراطية والتعددية الثقافية والتنوع والعدالة والمساواة الأساسية في الدستور، وجعل الحكم في الولايات المتحدة يستند إلى القوى الشعبية التي تعد أساس نشأة الحزب، وجعل أميركا بلدًا مفتوحًا لكل الثقافات بما فيها الثقافة الإسلامية؛ بحثًا عن حياة أفضل في هذا البلد.
ورفع كل القيود والحواجز أمامهم، الأمر الذي يسهل على المسلمين خصوصيتهم الثقافية، وممارسة شعائرهم الدينية بدون تضييق، فضلًا على أن الديمقراطيين يتبنّون سياسات أكثر انفتاحًا تجاه الهجرة، مما قد يشكل عاملًا حافزًا للمسلمين الذين يسعون للسفر والاستقرار داخل الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من كل هذه الإيجابيات التي يتسم بها الحزب الديمقراطي، غير أن له مواقف سلبية تتعارض مع الثقافة الإسلامية، أبرزها تبني الحزب مواقف ليبرالية في قضايا، مثل: الزواج المثلي والإجهاض، وهي قضايا تتعارض بشكل واضح وصريح مع منظومة القيم الإسلامية، كما أن لديه بعض السياسات الخارجية التي قد تكون غير متسقة مع مصالح المسلمين.
وبالنسبة للحزب الجمهوري، فإن أبرز ما يميزه هو دعم القيم الأسرية التي ينادي بها الإسلام، ويتمثل ذلك في رفضه الإجهاض وتجارب خلايا المنشأ وزواج المثليين، بمعني أن أعضاءه “تقليديون” اجتماعيًا، فضلًا عن مساهمة الحزب في إعطاء المساحة الملائمة للمسلمين في حرية ممارسة شعائرهم الدينية بدون مضايقات أو ممانعات، إلا أن له سلبيات كثيرة؛ أبرزها السياسات الصارمة تجاه الهجرة والتعددية الثقافية، والتي تحد من هجرة المسلمين ودخولهم إلى الولايات المتحدة، فضلًا على تصاعد موجات الإسلاموفوبيا، والتمييز ضد المسلمين في بعض خطابات الساسة الجمهوريين.
ينبغي على العلماء دعم التعليم الديني العَقَدي الصحيح، ونبذ أي عقيدة دخيلة مبتدعة، سواء كان ذلك من خلال المساجد التي تعتبر أكبر معين للمسلم في بلاد الغرب على الاستقامة، أو من خلال المدارس الإسلامية أو المراكز الثقافية
العلماء ودورهم في توجيه الجالية المسلمة
الشبكة العلمائية داخل الولايات المتحدة الأميركية مدعوّة وبشكل أساسي إلى إحداث تغييرات جذرية عبر عمليات التنظيم الذاتي والمؤسسي للجالية المسلمة؛ من أجل تأهيل الأجيال الحالية والقادمة من أبناء الجالية للتفاعل والتعامل مع محيطهم وواقعهم، والعمل على مواكبة الاحتياجات المختلفة للأفراد والجماعات، وتنمية الإنسان، وتقبل واحترام آراء الآخرين، مع ضرورة المحافظة على الهوية الإسلامية.
كذلك ينبغي على العلماء دعم التعليم الديني العَقَدي الصحيح، ونبذ أي عقيدة دخيلة مبتدعة، سواء كان ذلك من خلال المساجد التي تعتبر أكبر معين للمسلم في بلاد الغرب على الاستقامة، أو من خلال المدارس الإسلامية أو المراكز الثقافية في الولايات المتحدة الأميركية.
الخاتمة
يبقى التساؤل الأهم، وهو: أي الحزبين أفضل لمصالح المسلمين في ضوء الانتخابات الرئاسية الأميركية، وفي ضوء ملامح التغير في السياسة الأميركية الداخلية والخارجية؟
يبدو أن الإجابة عن هذا التساؤل فيها شيء من التعقيد؛ نظرًا لاختلاف المعطيات على الساحة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية في عالم سريع التغير والتحول، ومليء بالأحداث العاجلة والطارئة والمفاجئة والتي تقلب الموازين، مع عدم وجود الرؤية الإسلامية الموحدة التي يمكن في ضوئها تحديد أي الحزبين أنسب بالنسبة لمصالح المسلمين.
ولكن يبقى الحل مرهونًا باستمرارية تقييم الإيجابيات والسلبيات لكلا الحزبين مع اختلاف توجههما، ومحاولة التقريب والاختيار بينهما في ضوء المنافع والمصالح الخاصة بالمسلمين، والتي تضمن لهم التعددية الثقافية والتنوع والعدالة والمساواة والاتساق مع المنظومة الإسلامية القيمية.