الجزيرة نت تنقل شهادات مروّعة عن مجزرة مصلى التابعين بغزة
“الشهادة كانت مكتوبة على من حضر التكبيرة، ولم ينجُ أحد من المصلين إلا من كان في دورات المياه”، يقول أحد الشهود.
تلقى المصلون الضربة الأولى بينما كانوا في الركعة الأولى من الصلاة. كان الإمام يقرأ الجزء الأول من سورة الفاتحة عندما انفجرت ثلاث صواريخ إسرائيلية على أجسادهم، حيث اخترق اثنان منها السقف وانهارا مباشرة على المنبر وفي منتصف المصلى، بينما باغتهم الصاروخ الثالث من الجهة الشرقية.
قامت القيامة
“قامت القيامة”، كان هذا هو الشعور الذي اجتمعت عليه النسوة اللاتي هرعن إلى المصلى للبحث عن رجالهن بعد الغارة.
دامت الواقعة لأكثر من ساعة، حيث وقفت النساء أمام المصلى المحترق عاجزات عن الاقتراب، وهن يرتجفن جراء الصدمة، بينما كان النحيب والصراخ يملأ المكان، وصوت اللهب يلتهم اللحم والعظم يطغى على أصواتهن.
بينما هن ينتظرن إخماد النيران، ظهرت امرأة من الطابق العلوي وقد اشتعل جسدها، صرخت “أمل أمل” بينما كانت تشير إلى ابنتها المحترقة برفقة أطفالها. استشهدت أمل وأولادها حرقًا، بينما كانت والدتها في حالة من الغيبوبة.
انطفأت النار، لكن الأثر لن يُمحى. حملت سوزان مصباح هاتفها وبدأت تبحث عن زوجها، وذكرت أنها تبحث عن “أجمل رجل يرتدي قميصًا أزرق”.
لكن كل شيء كان مسودًا. قالت “يبدو أن هناك عيبًا في كشاف الهاتف الذي أحمله”. بعد ذلك أحضرت كشافاً أقوى لكنها لم تتعرف على زوجها.
كان يوجد صوت امرأة تبكي، “لو ظل واحد فقط، لخليتلي واحد يا رب”. كانت تُبكي وتحث على عنقها بالضرب، و”كيف لي أن أستند الآن؟”.
داخل المصلى، كان هناك رجل يكبر وكأنه انتصر على الموت، وعندما سأله المسعفون إن كان عائشًا، أجاب: “لا، كامل، لا يشبه أشلاء، الحمد لله”. كان يبكي لأنه وجد جثة كاملة.
يتساءل الناس: “لماذا يحبنا الموت إلى هذا الحد، لماذا يمزقنا ثم يمزج أشلائنا؟”.
قتلوا كل الرجال
بعد 4 أيام من مجزرة مدرسة التابعين في غزة، زار مراسلو الجزيرة نت مسرح الجريمة، حيث كانت الرائحة المنبعثة من الدماء مريعة بشكل لا يمكن احتماله، مكونات المكان المروّعة تفضح كل ما حدث.
على الرغم من محاولات الشباب لتنظيف المكان، لم يكن هناك من ينكر حدوث مجزرة.
صرحت سيدة مسنّة للجزيرة نت: “هيبة المدرسة ضاعت، فقدنا كل رجالنا، بنينا ثلاثة أيام بلا طعام”. كانت ترفض إجراء المقابلة متذرعة بالقول: “انتهى الكلام، لقد خسرنا كل شيء، وكل ما يقوله أحد بلا فائدة”.
جلست فاطمة الزهراء (18 عاماً) وحدها أمام المصلى، وعندما سئلت عن سبب جلوسها، أجابت: “صديقتي إسراء كانت هنا، رحلت مع عائلتها”. وعندما سئلت عن آخرين فقدتهم، ردت: “فقدنا هيبة المدرسة”.
شرحت أنه “هنا كان يجلس الطفل أحمد بائع الثلج، لقد استشهد، وهنا كان الأخوة الثلاثة الذين يبيعون الصاج، استشهدوا جميعا”.
أحد الناجين، مهدي حسان، روى تجربته وقال: “كنت أستعد للوضوء، لكن قوة ما قذفتني بعيدًا عن المصلى”. وأضاف أنه بدأ بالصراخ وكان يشعر كأنه يعيش كابوسًا.
نظر مهدي إلى ذراعه فوجدها مصابة والشظايا منتشرة حوله، ولم يكن هناك سواه بين الأجساد المخيفة.
عندما سُئل عن الشهداء، قال: “العشرات، أصدقائي وآباؤنا، كنا جميعًا مثل عائلة واحدة”.
أكاذيب الاحتلال
في مدخل المدرسة، قابل مراسلو الجزيرة نت أم زياد الجعبري، والدة شهيدين فقدتهما في المجزرة، تشارك أحفادها وكان لها شقيق مسن جريح تم إنقاذه.
همست إلى مراسلي الجزيرة نت قائلة: “لو كان لدي بنت، لكان مهرها أكبر”. ثم تبعت ذلك بدموع، “هما ولدان لكنهما يعادلان ألف ولد”.
رفضت أم زياد رؤية ولديها الشهداء وشيعتهم، إذ كانت جثثهم متفحمة. وانتقدت اتهامات الاحتلال بكون أبنائها مطلوبين، وأكدت أن “ابني كان يعمل في الداخل المحتل”.
يؤكد والد الشهيد شادي الزعيم أن ابنه لم يكن مطلوبًا كما أشيع، بل كان يعمل في محطة وقود، مؤكدًا أن “ابني تزوج قبل الحرب بوقت قليل وزوجته أنجبت أثناءها”.
في مكان استشهاد ابنه، قال: “امشيت على أكوام من اللحم وبرك من الدم”. وأضاف: “وبحمد الله، وجدت جثته كاملة، حيث كان يحمل إصبعه السبابة”.
رغم مخاطر العودة، عادت معظم العائلات إلى المدرسة التي كانت ملجأً لهم، حيث أُجمع الجميع على أنه “لا بديل، فأين نذهب؟”.
في مدرسة التابعين، بعد المجزرة، رحل الرجال، وفي قلوب الذين فقدوا أحبتهم، كانت الأسئلة بلا إجابات: لماذا لا يستهدف الاحتلال المطلوبين خارج المدرسة؟ وأين العالم؟ متى يتوقف كل هذا؟ من يستطيع إيقافه؟
رابط المصدر