العمليات الاستشهادية.. السلاح الاستراتيجي للمقاومة، هل تعود إلى الواجهة؟
وزادت أهمية تنفيذ المقاومة لعملياتها، والمعروفة بـ”سلاحها الاستراتيجي”، بعد خمسة أيام فقط من انفجار سيارة مفخخة في الخليل، والتي كانت مُعدّة على ما يبدو لتنفيذ هجوم على موقع قريب.
وما زالت أجهزة الأمن الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية لم تعرف بعد المكان الذي كانت تلك السيارة المفخخة تستهدفه.
حسب ما ذكره المحللان الإسرائيليان إليشع بن كيمون ويوآف زيتون في صحيفة يديعوت أحرونوت، يشعرون بقلق كبير بشأن احتمال إدخال عبوات ناسفة تحتوي على متفجرات عادية إلى العمق الإسرائيلي، مما قد يؤدي إلى أضرار جسيمة.
وعلق الخبير العسكري حاتم كريم الفلاحي على العملية مؤكدًا أنها تعكس قدرة المقاومة على تغيير أساليبها، وقد كانت قادرة على التنفيذ لفترة لكن تم إيقافها بقرارات سياسية.
فشل إسرائيلي عميق
على الرغم من أن العملية لم تحقق الهدف المنشود وانفجرت العبوة الناسفة قبل وصول الاستشهادي إلى وجهته، إلا أن الباحث والمحلل سعيد زياد يرى أن هذه العملية تمثل هزيمة لجهود عسكرية وأمنية إسرائيلية استمرت على مدار عشرين عامًا، ونجاحًا للمقاومة على صعيد التوقيت والمكان.
في ظل الاستنفار الأمني المتواصل لمواجهة أي هجومات متوقعة من إيران وحزب الله، جاءت عملية تل أبيب منسقة بين كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، وسرايا القدس، الجناح العسكري للجهاد الإسلامي.
تمكن مقاوم من نابلس من اقتحام تل أبيب حاملاً عبوة ناسفة، وجال في شوارع المدينة بهدوء، ما أظهر فشل الاستخبارات الإسرائيلية التي أكد قائد شرطة تل أبيب أنهم لم يتوفر لديهم معلومات مسبقة عن خلفية المنفذ أو خطته.
أوضح الفلاحي أن العملية تعكس الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي، حيث لم يكون هناك أي إنذارات أو دلائل تشير إلى وقوع تنفيذ عمليات بهذا النمط، مما يشير إلى ضعف كبير في النظام الأمني الإسرائيلي.
ويرى المختص بالشأن الإسرائيلي هاني أبو السباع أن العملية لم تكن فقط غزوة عميقة في عمق العدو، ولكنها أيضًا رسالة مفادها أنه لا أمان للمستوطنين في تل أبيب، في تحد واضح لنتنياهو.
بعد أكثر من عشرة أشهر من الحرب على غزة، تُظهر العملية أن المقاومة لا تزال قوية وقادرة على فرض معادلات جديدة في سير المعركة، كما أشار إلى ذلك القيادي في حماس أسامة حمدان.
سلاح استراتيجي
أدت عملية تل أبيب إلى نقاش حول أسباب العودة إلى هذا النوع من العمليات. وفقاً لمحمد غازي الجمل، يرى أن هذه العملية تمثل تغيّرًا مهمًا في الصراع بين المقاومة والاحتلال، حيث توقفت العمليات الاستشهادية لمدة تزيد عن خمسة عشر عاماً، بسبب قلق عالمي تجاه المجازر المدنية.
في تفسير عودتها، أشار الجمل إلى أن ما حدث من مجازر في غزة والصمت الدولي على هذه المجازر قد دفع بالمسؤولين إلى إعادة التفكير في هذه الاستراتيجية كوسيلة للتأثير على المجتمع الإسرائيلي.
تظهر العودة إلى العمليات الاستشهادية عدة رسائل، منها:
- رفض الفلسطينيين والمقاومة للوضع الحالي والنظام الذي يسعى الاحتلال لفرضه عبر القتل والمجازر.
- إعادة ميزان الرعب والرادع بين المقاومة والاحتلال ما قد يجبر الاحتلال على إعادة تقييم استهداف المدنيين.
- تذكير الاحتلال بحقيقة أنه لن يتمكن من الاستقرار ما لم تُتخذ خطوات تجاه معالجة القضايا الإنسانية.
السلاح الأسهل
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق رابين عام 1993: “ماذا يمكن أن تفعل مع شخص يريد أن يموت؟!”، في إشارة إلى عجز الاحتلال الإسرائيلي عن مواجهة العمليات الاستشهادية. لقد ساهمت هذه العمليات في تشكيل الوعي الإسرائيلي، وأصبحت السلاح الأكثر تأثيرًا في يد المقاومة.
تتمتع العمليات الاستشهادية بعدة ميزات:
- صعوبة التصدي لها من جانب الاحتلال.
- يمكن اعتبارها الأسلوب الأكثر بساطة مقارنة بالأساليب الأخرى.
- تعتبر الوسيلة الأكثر فعالية لإيقاع الخسائر بالاحتلال.
بين غزة وتل أبيب
لا يمكن فصل ما يحدث في الضفة الغربية عن تأثيره خلال الحرب على غزة. عملية تل أبيب قد تدفع بملف الحرب وصفقة التبادل نحو آفاق جديدة. ويعبر القيادي في حماس أسامة حمدان عن ذلك، حيث يرى أن “التطورات في العملية ستثمر عن نتائج إيجابية خلال المفاوضات”.
كما يعتقد محمد غازي الجمل، فإن استمرار العمليات الاستشهادية سيؤدي إلى تغيير ميزان القوى ويؤثر سلبًا على مفاوضات التهدئة، ويشكل ضغطًا على الجبهة الداخلية الإسرائيلية مما قد يؤدي إلى موافقة الحكومة الإسرائيلية على وقف إطلاق النار.
وفقًا للتحليل الاستراتيجي للفلاحي، فإن المقاومة قد لجأت إلى هذا التصعيد كوسيلة لوقف المجازر، مما يفرض الضغوط على القيادة السياسية للذهاب إلى صفقات لتبادل الأسرى وإيقاف الحرب.
رابط المصدر