دراسة: المولود الجديد يقلص أدمغة الآباء
تشير مجموعة متزايدة من الأبحاث إلى أن الأطفال الذين يحصلون على رعاية من آبائهم بشكل مباشر، مثل الأمهات، يحققون نتائج صحية ومعرفية أفضل من أولئك الذين يتلقون العناية من طرف واحد فقط.
على الرغم من أهمية هذه المساهمة، إلا أن الأبحاث حول تأثير الأبوة بيولوجيا على الرجال كانت محدودة. فعلى سبيل المثال، فإن التغيرات الهرمونية التي تحدث خلال الحمل تُفسر تغير أدمغة الأمهات، ولكن هل هناك تغييرات مشابهة تحدث لدى الآباء؟ دراسة حديثة قد وجدوا أن هناك نتائج مفاجئة في هذا المجال.
دراسة على دماغ الآباء الجدد
نشرت دراسة علمية في مجلة “سيريبرال كورتس” (Cerebral Cortex) الأميركية لعلوم الطب المتعلقة بالدماغ، حيث أظهر الباحثون أن الآباء الذين يشعرون بعاطفة قوية تجاه أطفالهم غير المولودين، وأولئك الذين يخططون لقضاء وقت أكبر معهم بعد الولادة، يظهر لديهم “تضاؤل” ملحوظ في مناطق معينة من أدمغتهم.
ارتبطت هذه التغييرات بشكل إيجابي مع سلوكيات الأبوة الإيجابية، لكنها أيضا تزامنت مع زيادة احتمال مواجهة مشاكل في النوم والصحة النفسية.
وقام المشاركون في الدراسة بملء استبيانات وخضعوا لفحوصات باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي خلال فترة الحمل لدى زوجاتهم، ثم مرة أخرى بين 6 إلى 12 شهرا بعد ولادة طفلهم.
تم تقويم عدة عوامل، مثل درجة الترابط التي يشعر بها الأب مع الطفل قبل الولادة، الضغوط المرتبطة بالأبوة، الوقت الذي يقضيه الأب مع الرضيع، جودة النوم في كل مراحل الفترة، ومعايير الصحة النفسية الأخرى.
تقلُص الدماغ مع الأبوة الجديدة
أظهرت نتائج الدراسة انخفاضا كبيرا في حجم المادة الرمادية في قشرة دماغ الآباء الجدد، وكان هذا الانخفاض أكثر وضوحا بين الآباء الذين أشاروا إلى وجود ارتباط أعمق مع أطفالهم غير المولودين، وذلك بين أولئك الذين خططوا لأخذ إجازة طويلة من العمل بعد الولادة. كما لوحظ أن الآباء الذين كانت لهم مشاركة أكبر ورعاية أعمق للرضيع، شهدوا انكماشا أكبر في المادة الرمادية.
أشار الباحثون إلى أن هذه التغييرات وقعت في المقام الأول في القشرة المخية، التي تلعب دورا محوريا في الأداء التنفيذي للإنسان، بما في ذلك مهارات الذاكرة والتفكير وحل المشكلات والمعالجة العاطفية.
وجدت الدراسة أيضا جانبا سلبيا؛ حيث ارتبط انخفاض حجم القشرة المخية بتدهور مستويات النوم وزيادة مستويات الاكتئاب والقلق لدى الآباء، والتي قد تستمر لمدد تصل إلى 12 شهرا بعد الولادة.
مع ذلك، أفاد الآباء الذين فقدوا مزيدا من المادة الرمادية بأنهم يشعرون بترابط أعمق مع أطفالهم مقارنة بمن لم يشعروا بهذا الارتباط القوي.
التغيُرات الدماغية ليست كلها سلبية
رغم أن انكماش مناطق المادة الرمادية في الدماغ قد يرتبط بتدهور وظائفه، إلا أن العلماء يشيرون إلى أن التغييرات التي تم رصدها قد لا تكون سلبية كما يعتقد البعض. إذ ترتبط مرحلة المراهقة أيضا بفقدان بعض التشابكات العصبية، مما يؤدي إلى تقليل حجم الدماغ ولكن يعزز التطور المعرفي والعاطفي.
يشير الخبراء إلى أن انخفاض حجم الدماغ قد يكون مرتبطا بتحسين أداء وظائف محددة، وهو ما يحدث بشكل تلقائي أيضا عند الأمهات، ويعزز الشبكات المرتبطة برعاية الأطفال.
استعدادات دماغية لرعاية المولود الجديد
تربية الأطفال تتطلب مهارات فريدة من نوعها، ويحتاج الآباء والأمهات إلى توقع احتياجات أطفالهم ورعايتهم، وغالبا يكون ذلك دون خبرة وبدون توفر قسط كافٍ من النوم. لذا، يعد تكيُف الآباء إلى أدوارهم الجديدة أمرا ضروريا، الذي يفسر التغيرات البيولوجية الجديدة التي تطرأ على أدمغة الرجال.
يقول داربي ساكسبي، أستاذ علم النفس بجامعة جنوب كاليفورنيا والمتخصص في التغييرات البنائية في الدماغ، إن التغييرات الجديدة تدعم قدرة الرجال على تكوين روابط مع أطفالهم والتواصل الحساس معهم، وهو أمر ضروري لبقاء النوع البشري.
هرمونات الآباء الجدد تتغير أيضا
يشهد الرجال أيضا تغييرات هرمونية عند دخولهم مرحلة الأبوة، مشابهة لتلك التي تواجهها الأمهات. وقد أظهرت الدراسات أن الآباء يحصلون على زيادة في مستويات هرمون الأوكسيتوسين، وهو هرمون رئيسي يعزز الترابط العاطفي بالمولود الجديد.
ويحدث معاكس في مستويات هرمون التستوستيرون عندهم، مما يُعيد ضبط أولوياتهم وتركيزهم على رعاية الأسرة.
أخيرا، رغم أن الانخفاض في المادة الرمادية في دماغ الآباء الجدد قد يثير القلق، إلا أن البحث يشير إلى أن هذه التغيرات تعكس عملية هامة لإعادة هيكلة الأولويات لضمان الترابط الأمثل مع الأطفال ورعايتهم كما ينبغي.
رابط المصدر