الأزمة الجديدة للبشرية والانزلاق الكبير
الانهيار من الداخل
حالياً، تعيش البشرية مرحلة جديدة مع “الثورة الرقمية”، التي تبدو أنها تحدث تأثيرًا عميقًا وغير مسبوق. هذه الثورة تعتبر أكثر شمولاً وأسرع تطورًا من الثورة الصناعية السابقة، مما تسبب في اضطرابات واسعة النطاق في جميع جوانب الحياة عبر العالم.
الثورة الرقمية لم تؤدِ فقط إلى التقدم التكنولوجي، بل أثرت أيضًا على سلوك البشر وعلوم النفس والسياسة. ولأننا ما زلنا في خضم هذه الثورة، يصعب علينا أن نفهم تأثيراتها بالكامل. ومع ذلك، ينبغي علينا دراسة النزاعات والهجرات والأزمات الحالية على اعتبار أنها نتاج لهذه الثورة.
تعتبر الولايات المتحدة القوة الرائدة في الثورة الرقمية، لكنها تواجه خطر الانهيار الداخلي بسبب التحولات الاجتماعية العميقة. تتصاعد التيارات اليمينية المتطرفة والقومية، فضلاً عن السياسات الدينية والهجوم على الجهل وانهيار القيم الأخلاقية، مما يشكل أزمة لم يجد لها المفكرون الأمريكيون حلولا.
يشعرون بالقلق من احتمال أن يعتلي سدة الرئاسة شخص غير مستقر مثل ترامب.
تغيير التوازنات
الغريب هو أن الدول التي شهدت نهضة بفضل الثورة الصناعية تتراجع تدريجياً، بينما لم يتم بعد تحديد مراكز قوى جديدة والنموذج الحضاري الذي سيحل محلها.
الصين والهند تعتبران القوتين العظميين اللتين ستكونان محور التغيرات القادمة، ومع نموهما السريع، ستؤثران في التوازنات السياسية والاقتصادية والعسكرية العالمية.
لكن التحديات تظل قائمة: ما هي القيم الإنسانية التي ستقدمانها للعالم الذي يعاني من العنف والفقر؟ وما هي الحلول الممكنة للتفاوت في توزيع الثروات وللشعوب المتضررة؟ هذه أمور لا تزال غامضة.
العالم يتعلم فقط كيف يسعى نحو الثروة والتجارة، مما يستلزم الاستغلال الأمثل للموارد وبناء علاقات اقتصادية جديدة.
اليوم، تعيش إفريقيا حروبًا أهلية، ويغرق الشرق الأوسط في الفوضى، وتتصاعد التوترات في آسيا، وهذه تحديات مباشرة ناجمة عن هذه التغيرات. وقد تظهر دول جديدة غنية، ولكن السلام والسعادة لن يتجسدا فيها، حيث إنهما لا يتأتيان من مجرد الإنتاج المادي، بل من إنتاج القيم الإنسانية.
أزمات جديدة
التحدي الأكبر للبشرية يكمن في أن الثورة الرقمية تذيب القيم الإنسانية وتحوّلها إلى مجرد أشكال غريبة، تنقصها المشاعر، كما لو كانت شاشة رقمية فقط. بينما جعلت الثورة الصناعية قيم الإنسان آلية، فإن الثورة الرقمية تجعل تلك القيم باردة، بلا روح.
هذه هي الأزمة الجديدة التي تواجه الإنسانية، حيث أن القوى الصاعدة لم تقدم بعد حلولًا كافية لها.
الوضع أكثر خطورة عندما لا يجد البشر حلاً للانزلاقات التي خلقتها الثورة الرقمية، ويواجهون الآن الفوضى المتزايدة الناتجة عن الذكاء الاصطناعي، وهو ما يرفع من حدة الأزمة الجديدة للبشرية.
وفي خضم ذلك، يشهد العالم فظائع مثل تلك التي تحدث في غزة، ما يعكس قلق الإنسانية ككل. وفي هذا السياق، يسرّع الانزلاق الكبير بشكل مخيف.
رابط المصدر