المؤتمرات العلمية الزائفة: وسيلة لبعض الباحثين للحصول على الترقيات بسرعة

Photo of author

By العربية الآن



المؤتمرات العلمية الوهمية.. وجهة بعض الباحثين للترقية السريعة

مؤتمر علمي حقيقي بحضور باحثين من هيئة الدواء الأمريكية (ويكيبيديا)
مؤتمر علمي حقيقي بحضور باحثين من هيئة الدواء الأمريكية (ويكيبيديا)
البروفسور ماهر القاضي، المعلم المساعد في قسم الكيمياء والكيمياء الحيوية بجامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس، يتلقى بشكل شبه يومي رسائل عبر البريد الإلكتروني تدعوه للانضمام لمؤتمرات تتعلق بتخصصه، ولكنه اكتسب الخبرة التي تمكنه من تمييز المؤتمرات الوهمية من الحقيقية.

يُعرف المؤتمر الوهمي أو “المؤتمر الاستغلالي” بأنه مؤتمر تنظمه شركات تهدف لتحقيق الأرباح، وليس الجمعيات العلمية، مما يعني أن الهدف من هذه المؤتمرات ليس التعليم بل الاستفادة المالية من حاجة الباحثين لتقديم أوراقهم البحثية.

اقرأ أيضا

list of 2 items

list 1 of 2

العربية الآن تحاور كاشفة أسرار المومياوات: أحترم إنسانية الأجسام المحنطة

list 2 of 2

العربية الآن تحاور “الأب الروحي” للباحثين العرب في ماليزيا

end of list

يقول القاضي: “تجنب المشاركة في مؤتمرات من هذا النوع، إذا لم يكن الباحث هو من يختار الذهاب إليها عن عمد، يعتبر سهلاً، ويبدأ ذلك بالتحقق من الجهة التي تنظم المؤتمر.”

ولا توجد شبهة تجاه المؤتمرات التي تنظمها جمعيات علمية معروفة، لكن ينبغي على الباحث التشكيك في المؤتمرات التي تديرها شركات مجهولة، خاصة إذا كان عنوان المؤتمر غير احترافي.

ويضيف القاضي: “باستثناء المؤتمر الدولي حول البطاريات في الولايات المتحدة، ذو السمعة الأكاديمية المتينة، فإن أي عنوان مؤتمر يبدأ بعبارة “مؤتمر دولي حول…” يعكس عدم جديته برأيي، وغالباً ما تكون شكوكي صحيحة.”

بالنسبة للباحثين المقيمين في الولايات المتحدة، فإن فرصة التعرض لمؤتمرات وهمية تكون ضعيفة، لكن ذلك لا يستبعد إمكانية وقوعهم في الفخ، في حين تكون هذه الشركات أكثر قدرة على جذب الباحيثين من القارة الأفريقية وأمريكا اللاتينية وبعض الدول الآسيوية كما يشير القاضي.

جاء في حديثه: “الباحث في الولايات المتحدة لن يتحمل نفقات التسجيل في مؤتمر يدرك أن أبحاثه المنشورة فيه لن تعترف بها القوائم العلمية المعروفة، بينما يمكن للباحث من دول العالم الثالث أن يقبل التسجيل طالما أنه يسعى لكسب نقاط في تقييمه العلمي.”

تسير المؤتمرات الوهمية على نفس مبدأ المجلات الوهمية التي تمنح الوصول للنشر مقابل رسوم، متجاهلة معايير مثل المراجعة الدقيقة أو فحص الانتحال، كما تفعل مع الأوراق البحثية المعروضة.

ماهر القاضي، الأستاذ المساعد في قسم الكيمياء والكيمياء الحيوية بجامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس الأميركية (ماهر القاضي)
ماهر القاضي، الأستاذ المساعد في قسم الكيمياء والكيمياء الحيوية بجامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس الأميركية (ماهر القاضي)

تجربة مريرة

زيادة ملموسة في ظهور المؤتمرات الوهمية لاحظناها في الآونة الأخيرة، ما جعل الأمر غير مأمون بالنسبة للباحثين الجادين أن يظنوا أن كل مؤتمر يحمل اسمًا معلقًا هو مؤتمر حقيقي، دون أن يتأكدوا من خلفية منظميه ورعاته.

بيا لورين، باحثة ما بعد الدكتوراه في البيولوجيا الجزيئية بجامعة الحدود في تشيلي، تحدثت عن تجربتها مع هذه المؤتمرات، حيث روت تفاصيل وقوعها في فخ أحد هذه المؤتمرات بسبب ضغوط الحصول على منحة علمية، وذلك في تقرير نشره موقع “نيتشر”.

عندما وصلت لورين إلى المملكة المتحدة في مارس 2024، كانت قد حضرت مؤتمرات في أمريكا اللاتينية وأوروبا، وكان على حضور مؤتمر دولي آخر للحصول على منحتها.

جذب انتباهها مؤتمر بعنوان “المؤتمر الدولي الـ25 لأمراض الكلى والمسالك البولية والفشل الكلوي” بسبب تضمين الموقع الإلكتروني للمؤتمر عدة أسماء لمتحدثين مشهورين.

لكن، عند وصولها للفندق المخصص للمؤتمر، لم تجد أي لافتات تشير إلى الحدث، وطُلب منها الدخول إلى غرفة تحمل الاسم “اجتماع بولسوس”، وهو اسم لم تعرفه. وأخبرها أحد الشباب في الداخل، الذي بدا مضطربًا وهو يتحدث، أن مؤتمر أمراض الكلى يُعقد بالتزامن مع فعاليات طبية أخرى في القاعة.

داخل القاعة، كانت هناك ثلاث صفوف من المكاتب يحتلها 21 شخصًا طوال اليوم، والمحاضرتان الأولتان كانتا عن أمراض العيون، في حين تناولت المحاضرات الأخرى مواضيع مختلفة، ومع مرور الوقت، ازدادت حيرة لورين والحضور الآخرين، حيث حضر أحدهم من جامايكا لمناقشة موضوع التوليد لكن لم تُقدم أي محاضرة حوله، كما شارك آخرون من دول مثل أوكرانيا وإيران.

رغم أن المؤتمر كان من المقرر أن يمتد حتى الساعة 5:30 مساء، إلا أنه انتهى بشكل مفاجئ في الساعة 12:30 ظهرا، وسط ارتباك عام، وغادر الأشخاص الذين كانوا من المفترض أن يقدموا ملصقاتهم دون أن يقوموا بفتحها، بما في ذلك باحثة أحضرت ملصقها بعد رحلتين جويتين.

عندما أدركت لورين أنها سافرت إلى لندن بدون سبب حقيقي، قيل لها إن اليوم الثاني من المؤتمر سيكون عبر الإنترنت، وستُلقي كلمتها افتراضياً بين محاضرات عن أمراض الكلى، مما اضطرها لالقاء كلمتها أمام عدد قليل من الأشخاص عبر منصة زوم من منزل صديقة لها خارج لندن، حيث كانت مقيمة.

كما كان الحال في الحدث الحضوري، فإن البرنامج الإلكتروني كان عشوائيًا كذلك، حيث اختفى مضيف الاجتماع لفترات، وباستثناء محاضرة لورين، لم تكن هناك أي محاضرة تتعلق بأمراض الكلى.

خطأ ساذج

ترى الدكتورة نجوى البدري، مؤسس برنامج العلوم الطبية الحيوية في جامعة العلوم والتكنولوجيا بمدينة زويل بمصر، أن الخطأ الساذج الذي وقعت فيه لورين يرجع لعدم تحققها في تاريخ الجهة المنظمة للمؤتمر وما إذا كانت قد نظمت دورات سابقة.

وتوضح البدري للعربية الآن: “تدرك الشركات التي تنظم هذه المؤتمرات الوهمية أن عنوان “المؤتمر الدولي الأول في…” قد يثير الريبة، لذلك بدأت باختيار عناوين مثل “المؤتمر الدولي الـ25 في…”، وهذا يتطلب من الباحث الجاد الذي يرغب في المشاركة التأكد مما حدث في الماضي بشأن هذه المؤتمرات. وبالتالي، إذا أجرى بحثاً جيدًا، لن يجد العديد من المؤشرات التي تشير لجديتها، وإذا وجد، سيكون هناك العديد من الأسباب التي قد تجعله يتردد في المشاركة.”

لكن هذا لا يشمل الجمعيات العلمية المرموقة التي تنظم مؤتمرات دورية معروفة للباحثين، أو المنظمات المحترمة التي تدعو الباحثين مع تحمل جزء كبير من تكاليف السفر أو كلها.

تشير البدري إلى أن “الشركات التي تقف وراء المؤتمرات الوهمية تبحث عن الربح، لذا لن تتحمل تكاليف سفر الباحثين، ولذلك يُعتبر تحمل تكاليف السفر أحد المعايير التي تساعد الباحث على التأكد من مصداقية الجهة الداعية، ولكن ذلك لا يعني تجاهل التحقيق في تاريخها.

نجوى البدري، الرئيس المؤسس لبرنامج العلوم الطبية الحيوية في جامعة العلوم والتكنولوجيا بمدينة زويل بمصر (نجوى البدري)
نجوى البدري، الرئيس المؤسس لبرنامج العلوم الطبية الحيوية في جامعة العلوم والتكنولوجيا بمدينة زويل بمصر (نجوى البدري)

الوقوع عن عمد

بينما وقعت لورين في خطأ جراء الاستدراج إلى المؤتمر الوهمي بشكل غير مقصود، هناك باحثون آخرون يتوجهون لهذه المؤتمرات عن عمد، كما تشير البدري.

تتقن الشركات التي تنظم المؤتمرات الوهمية طرق جذب الباحثين، الذين قد يشعرون بالامتنان للدعوة أو يجذبهم موقع المؤتمر الساحر، حيث تُعقد هذه المؤتمرات غالباً في مناطق سياحية، أو يبادرون ببساطة للحضور من أجل إضافة نشاط جديد إلى ملفاتهم البحثية لتسهيل عملية ترقياتهم.

ترى البدري أن هذا الدافع الأخير هو المشكلة الأساسية للعديد من الباحثين، الذين لا تكون أعمالهم ذات الجودة الكافية التي تسمح لهم بتقديم أوراقهم في مؤتمرات قانونية، وبالتالي يتجهون نحو المؤتمرات الوهمية.

وتشير دراسة أجراها الباحث جيمس مكروستي من جامعة دايتو بونكا في طوكيو، إلى وجود فئة من الباحثين الذين يشاركوا في مؤتمرات وهمية عن عمد.

يقول مكروستي في تقرير نشرته “نيتشر”: “عندما بدأت أبحاثي حول هذا الموضوع، افترضت أن معظم الأكاديميين يحضرون مؤتمرات وهمية دون دراية، لكن يؤسفني أن أقول إنني واجهت عدة أكاديميين يساندون هذه الشركات عن وعي، لذا يجب أن أستنتج أن الكثير منهم، ولكن ليس جميعهم، إما يدركون أن المؤتمر ليس له قيمة، أو يحاولون أن يتظاهروا بعدم معرفتهم.”

استطلاع نُشر عام 2022 من قبل شبكة الشراكة بين الأكاديميات، والتي تضم أكثر من 140 أكاديمية علمية، وساهم فيه أكثر من 1800 باحث من 112 دولة، أظهر أن 6% من المشاركين لم يكونوا متأكدين مما إذا كانوا قد حضروا مؤتمرًا وهميًا، بينما أفاد 3% بأن حضورهم كان غير مقصود، و1% منهم حضروا رغم معرفتهم بأن المؤتمر كان وهميًا.

ومع ذلك، يحذر مكروستي من أن ذلك ليس مجرد طريقة غير ضارة لتعبئة السيرة الذاتية، بل إن المؤتمرات التي تفتقر إلى الرقابة على الجودة يمكن أن تقلل من مصداقية العلم المقدم في هذه الفعاليات، وتؤثر سلبًا على الباحثين في المجالات الطبية حيث يعتبر تحديث المعرفة عاملاً هامًا لضمان العناية الصحيحة بالمرضى.

أحد المؤتمرات غير الوهمية بجامعة ماريلند الأمريكية (ويكيبيديا)
أحد المؤتمرات غير الوهمية بجامعة ماريلند الأميركية (ويكيبيديا)

حلول تنظيمية

في ضوء المشكلة المطروحة، نجد أن هناك اتجاهين: الأول يتعلق بالباحثين الذين يتعرضون للخداع ويقعون في فخ المؤتمرات الوهمية دون قصد، والثاني يتعلق بهؤلاء الذين يشاركون فيها عن عمد.

مهما كان الوضع، يتعين اتخاذ إجراءات قانونية ضد الشركات المنظمة لهذه المؤتمرات، كما حدث في بعض البلدان مثل الولايات المتحدة، حيث أنها قد تؤثر سلبًا على مصداقية البحث العلمي، حسبما يرى الدكتور أحمد عمر مصلح، مدرس الهندسة الميكانيكية في جامعة بنها، وعضو المجلس البحثي لتكنولوجيا الصناعة في أكاديمية البحث العلمي المصرية.

قدمت لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية في عام 2016 دعاوى ضد عدة شركات أكدت أنها كذبت بشأن مؤتمراتها ومنشوراتها، وفي عام 2019، وجدت محكمة اتحادية أن ادعاءات هذه الشركات بأن أبحاثها قد خضعت لمراجعة دقيقة من قبل الأقران كانت كاذبة، وأمرت بدفع أكثر من 50 مليون دولار كتعويض عن الدعاوى.

يقول مصلح: “الهدف من هذه الدعاوى هو إبلاغ المجتمع الأكاديمي عن هذه الشركات حتى يمكن تجنبها، لكن ذلك لن يحقق القضاء على المشكلة، حيث ستظهر شركات جديدة لم تكن أوراقها قد أُخذت للقضاء بعد.”

يؤكد مصلح أنه لم يقع في الفخ بدوره، بفضل الإجراءات التي تعلمها أثناء دراسته للدكتوراه في روسيا، حيث لم تكن الجامعتان اللتان درس بهما تقبل مشاركة أي باحث في المؤتمرات، إلا بعد التحقق من وجود موقع إلكتروني وهمي له والمراجعة للتأكد من مصداقية المؤتمر.

للتوجيه، ينصح مصلح الباحثين المبتدئين بالتوجه إلى موقع “Think Check Attend” الذي يساعد الباحثين في تقييم شرعية المؤتمرات والمؤهلات الأكاديمية لها.

إذا كان الباحث هو من يسعى لمثل هذه المؤتمرات لتلبية شروط الترقية، فيرى مصلح أنه ينبغي تعديل قواعد الترقية الأكاديمية لتشمل شروطًا تحدد المؤتمرات المقبولة في ملفاتهم.

ويختتم مصلح بالتأكيد على أنه “يجب ألا تُثنينا المؤتمرات الوهمية عن المشاركة في المؤتمرات بشكل عام، لكن من المهم جدًا أن نجري البحث قبل تقديم رسوم التسجيل، لكي لا نساهم في تقويض ثقة الجمهور في العلم”.

المصدر : العربية الآن + مواقع إلكترونية



رابط المصدر

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.