حياة البرزخ.. كيف يعيش الإنسان فيها؟!
تمثل حياة البرزخ المرحلة الانتقالية بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة، وتعتبر أول مراحل الحياة الآخرة التي قد يختبر فيها الإنسان النعيم أو العذاب. تبدأ هذه الحياة عندما تُقبض روح الإنسان، وتستمر حتى يوم البعث. التفاصيل الدقيقة عن هذه المرحلة تبقى من علم الله تعالى، كما ذكر الله في كتابه: ﴿ومن ورائهم برزخٌ إلى يوم يبعثون﴾ [المؤمنون: 100].
تتواجد نصوص تؤكد على وجود الحياة في البرزخ، والتي تختلف عن الحياة المعروفة في الدنيا. فالخالق، سبحانه، أعدّ ثلاث دور: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار، وكل دار لها أحكامها الخاصة. تم تكوين الإنسان من جسد ونفس، حيث تُطبق أحكام عالم الدنيا على الأبدان والأرواح وفقًا لذلك، بينما تحكم أحكام البرزخ على الأرواح والأجساد.
الحياة في البرزخ تختلف تمامًا عن الحياة في الدنيا، وتحتفظ الروح فيها بارتباط مع الجسد، حيث يُعاد الجسد إليها في أوقات معينة كوقت السؤال أو الرفاهية أو العذاب، ولا يمكن لأحد أن يدرك حقيقة هذه الحياة سوى الله.
القبر أول منازل الآخرة
تبدأ حياة البرزخ عند نزول الإنسان إلى قبره، فهو يعتبر أول منزل من منازل الآخرة. قال رسول الله ﷺ: «إن القبر أول منزل من منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينجُ منه فما بعده أشد منه» [الترمذي رقم (2461)]. وفي هذا السياق، يُشار إلى أن عذاب القبر ونعيمه يعودان إلى حالة البرزخ، وهو ما يفصل بين الدنيا والآخرة، كما جاء في الآية: ﴿حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون* لعلّي أعمل صالحًا فيما تركت كلّا إنّها كلمةٌ هو قائلها ومن ورائهم برزخٌ إلى يوم يبعثون﴾ [المؤمنون: 99 ـ 100].
الحياة في البرزخ تمثل مرحلة متميزة في تجربة الإنسان، حيث يتعين عليه مواجهة فتنة القبر وسؤال الملكين عن ربه ودينه ونبيه. ويثبت المسلم أمام هذه الأسئلة، مجيبًا بأن الله هو ربه وأن الإسلام هو دينه وأن محمد ﷺ هو نبيه.
إن فتنة القبر تمثل تحديًا يجب على جميع البشر مواجهته، باستثناء من يختارهم الله، مثل الشهداء والمرابطين في سبيل الله والرسل والأنبياء. وقد اختلف العلماء في مسألة سؤال الملكين للأطفال غير المكلفين.
كيف يعيش الميت أول ليلة في القبر؟
تعتبر الليلة الأولى للميت بمثابة البداية لحياة البرزخ. في هذه الليلة، يواجه الإنسان فتنة القبر وسؤال الملكين، حيث يُسأل عن ربّه ودينه ونبيه. المثابر المسلم يردّ تبجيلًا: الله هو ربي، والإسلام ديني، ومحمد ﷺ هو نبيّي.
وفي (الصحيحين)، عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: قال النبي ﷺ: «العبد إذا وُضع في قبره، وتولّى عنه أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم، يأتيه ملكان، فيقعدانه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد، صلى الله عليه وسلم؟ فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله. فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار، أبدلك الله به مقعدًا في الجنة، فيراهما جميعًا، وأما الكافر – أو المنافق – فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس، فيقال: لا دريت ولا تليت، ثم يُضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين».
يعد الفحص في القبر تجربة مشتركة يجب أن يواجهها جميع البشر، إلا من يختارهم الله، مثل الشهداء والمرابطين والرسل. واختلف العلماء في مسألة السؤال الموجه للملكَيْن للأطفال الذين لم يُكلفوا.
نعيم القبر
قال الله تعالى: ﴿إنّ الذين قالوا ربّنا الله ثم استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة ألّا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون﴾ [فصلت: 30]. فيحصل المؤمن على نعيم القبر، حيث يُفتح له باب من أبواب الجنة، وتُوسع عليه قبره، فلا يشعر بضيقه أو سوء حاله فيه، وتأتيه من نعيم الجنة ما يُسعده ويرضيه.
عذاب القبر
تختلف أنواع عذاب العصاة من المؤمنين. فبعضهم يتم العفو عنهم ولا يُعذبون في قبورهم، بينما يتعرض آخرون لعذاب مؤقت قد يكون بمجرد حجم المعاصي. هذا العذاب يمكن أن يزول بدعاء، صدقة، استغفار، أو أعمال الخير. في حين أن الكافرين والمنافقين يتعرضون لعذاب مستمر حتى يوم القيامة كما يشير القرآن الكريم: ﴿النار يُعرضون عليها غدوًا وعشيًّا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشدّ العذاب﴾ [غافر: 46].
وفي حديث البراء بن عازب: «ثم يُفتح له باب إلى النار، فينظر إلى مقعده فيها حتى تقوم الساعة». [مسند أحمد رقم (15834)]
الحكمة من عذاب القبر ونعيمه
- إظهار فضل الله، تعالى، على عباده المؤمنين من خلال تنعيمهم في الحياة البرزخية ومعاقبة المكذبين العاصين.
- إظهار قدرة الله، تعالى، في تعذيب العصاة والكافرين، وتنعيم المؤمنين الصالحين في القبور.
- التحذير من خطورة بعض الذنوب، مثل عدم التنزه من البول والنميمة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
رابط المصدر