اليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري.. المفقودون في العراق معضلة مستمرة
بغداد- يمثل ملف ضحايا الاختفاء القسري والمفقودين في العراق موضوعًا محوريًا في النقاش حول انتهاكات حقوق الإنسان على المستوى المحلي والدولي. حيث تشير تقارير اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى أن العراق يسجل أعلى نسبة مفقودين على مستوى العالم، حيث يُقدر عددهم ما بين 250 ألفًا إلى مليون شخص.
تعيش أسر هؤلاء الضحايا في معاناة عميقة بسبب عدم معرفتها بمصير أحبائها، مما يسبب العديد من النزاعات والإشكالات الاجتماعية والقانونية المتعلقة بحقوق الزوجات والأبناء وقضايا الإرث والتعويضات.
تواصل المنظمات الحقوقية مناشدة الحكومات العراقية المتعاقبة بضرورة حسم ملف هؤلاء المفقودين، وإنهاء حالات الإفلات من العقاب وتقديم المتورطين إلى العدالة.
تصنيف
صنفت مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة المراحل التي تطور فيها ملف المفقودين في العراق منذ عام 1968 على النحو التالي:
- فترة حكم حزب “البعث” من 1968 إلى 2003.
- مرحلة غزو العراق في عام 2003 حتى عام 2014.
- بعد ظهور تنظيم الدولة واحتلاله لأجزاء من العراق في الفترة من 2014 إلى 2017.
- استعادة السيطرة على المحافظات عند محاربة التنظيم، حيث اتُهامت قوات الحشد الشعبي بارتكاب عمليات إخفاء للعديد من العرب السُنة.
- أحداث الاحتجاجات التي جرت عامي 2019-2020 والمعروفة بثورة أكتوبر/تشرين الأول.
في السابع من أغسطس/آب 2023، أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني عن إقرار حكومته لمشروع قانون لمكافحة الاختفاء القسري، الذي أحيل إلى البرلمان للتصويت، ولكنه واجه انتقادات عديدة بسبب افتقاره إلى الآليات اللازمة لتوثيق حالات المفقودين.
وذكر المتحدث باسم وزارة العدل أحمد لعيبي للجزيرة نت أن العراق يمتلك خطة استراتيجية تتعلق بملف الاختفاء القسري منذ انضمامه إلى الاتفاقية الدولية عام 2009، وهو ملتزم بتعهداته بموجب ثماني اتفاقيات دولية مماثلة.
أكد لعيبي أن الوزارة تتبنى ملف الأشخاص المفقودين منذ عام 1968، بما في ذلك أولئك الذين اختفوا على يد النظام السابق وتنظيم الدولة، وأن العراق سيقدم تقريرًا دوريًا أمام الأمم المتحدة يوضح التزاماته حيال المفقودين.
اتهامات
خلال السنوات الست الماضية، أشرف فريق الأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من قبل تنظيم الدولة، على حفر 67 مقبرة جماعية ورقمنة 18 مليون صفحة متعلقة بالتنظيم، لكن حكومة بغداد أوقفت عمل هذا الفريق قبل إكمال عمله في جميع المحافظات، مما عرضها لانتقادات بالانتقائية.
حيث ركزت الحكومة على ملفات المغيبين من المعارضين للنظام السابق، وكذلك انتهاكات تنظيم الدولة والقاعدة، بينما تجاهلت العمليات الانتقامية التي رافقت الحملة العسكرية ضد التنظيم من قبل القوات الحكومية وفصائل الحشد الشعبي في عدة محافظات.
قال محمود الدباغ نائب مركز الرشيد للتنمية إن الحكومات العراقية لم تتخذ أي خطوات حقيقية للتعامل مع ملف المغيبين، مشيرًا إلى أن أعمال فريق الأمم المتحدة قد توقفت.
وأشار إلى أن السلطات العراقية تؤكد أن عمليات الغياب كانت “أخطاء حرب”، مما ساهم في إغلاق الملفات المتعلقة بها. كما دعا إلى منع الجهات الحكومية من استغلال القضية كوسيلة لتحقيق مكاسب سياسية.
انتشار واسع
حاليًا، لا يعتبر قانون العقوبات العراقي الاختفاء القسري جريمة، مما يعني أنه لا توجد عقوبات محددة للجناة. في الوقت الذي تذهب فيه بعض التقارير إلى أن قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا رقم (10) قد يجسد الاختفاء القسري كجريمة ضد الإنسانية، ولكن ذلك ينطبق فقط على الجرائم المرتكبة بين عامي 1968 و2003.
في أبريل/نيسان 2023، أكدت المفوضية في تقريرها بعد عدة لقاءات مع العائلات أن الاختفاء القسري منتشر بشكل واسع في العراق وأن الإفلات من العقاب قد ساد لفترة طويلة.
وأشارت المفوضية إلى حاجة العراق إلى فرق عمل مستقلة للتحقق من جميع السجلات الخاصة بالحرمان من الحرية وتطوير إستراتيجية شاملة للتحقيق في جميع حالات الاختفاء، وهو ما يتم إغفاله حاليًا.
ذكرت تقارير صحفية سابقة أن أكثر من 8 آلاف شخص قد اختفوا منذ عام 2014 في نينوى، بينما تم تسجيل أكثر من 15 ألف شخص في قضاء الدور بمحافظة صلاح الدين، إضافة إلى مئات من المختفين في محافظات الأنبار وديالى.
ناجي حرج، المدير التنفيذي لمركز جنيف الدولي للعدالة، يوضح أن الحكومة تتجاهل مسؤولياتها وتراعي ممارسات الفصائل المسلحة المتهمة بتغييب آلاف المدنيين.
تم تقديم مشروع قانون للاختفاء القسري إلى مجلس النواب، لكنه لا يزال مثيرًا للجدل، وقد يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى يتم التصويت عليه.
يتعلق أحد النزاعات الأساسية بتحديد ما إذا كان ينبغي أن يشمل تعريف الاختفاء القسري الأفعال التي ترتكبها الدولة، مما يعوق الجهود الرامية إلى تحقيق العدالة.
ترهيب وقمع
بعد احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول 2019، تعرض المحتجون في بغداد ومحافظات أخرى لعمليات ترهيب وقمع، مع استهداف الإعلاميين والناشطين بإجراءات اختطاف واغتيال.
سجلت تقارير جمعية “الدفاع عن حرية الصحافة في العراق” أكثر من 350 حالة اعتداء، أثناء المظاهرات، فيما شكلت الحكومة لجان تحقيق لمراجعة الانتهاكات، ولكن الشفافية لم تكن ملحوظة ولم تتم محاسبة إلا عدد قليل من المتورطين.
خلص تقرير بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق في يونيو/حزيران 2022 إلى أنها لم تتمكن من تحديد إدانات لمختلف الأشخاص المتورطين في تلك الانتهاكات.
تتحدث منظمة العفو الدولية في تقريرها عن استخدام قوات الأمن القوة المميتة ضد المتظاهرين وعمليات القتل خارج نطاق القانون والإخفاء القسري. ورغم الاكتشافات المتعلقة بالمقابر الجماعية، لم تلقَ تحركات الحكومة الاستجابة المطلوبة.
يؤكد تقرير الأمم المتحدة أن فتح المقابر وتحديد الضحايا عملية معقدة وتتطلب تمويلًا لم توفره الحكومة. كل هذا يأتي في ظل مناخات تتسم بالعنف والإفلات من العقاب.
رابط المصدر