هل أصبح قبول الطلاب في الجامعات المصرية تجارة تجذب أصحاب الأموال؟

Photo of author

By العربية الآن



هل تحول قبول الطلبة في جامعات مصر إلى تجارة تستقطب أصحاب الأموال؟

صورة4 أثناء تعريف عدد من طلاب الثانوية العامة ببرامج جامعة العلمين الدولية- جامعة العلمين- فيس بوك
محاضرة لتعريف عدد من طلاب الثانوية العامة ببرامج جامعة العلمين الدولية (مواقع التواصل)

القاهرة- في إحدى قاعات الدراسة المصرية، يجلس طالبان يؤديان اختبارات الثانوية العامة، أحدهما يشعر بالقلق بينما الآخر مطمئن. والسبب في هذا الفارق ليس مستوى التحصيل العلمي، بل الحالة المالية لعائلتيهما.

مع الإعلان عن نتائج الامتحانات، يتضح مصير القلق والاطمئنان. أربع درجات فقط تفصل الطالب عمار عن حلمه في الالتحاق بإحدى كليات القطاع الطبي الحكومية، بينما زميله الذي حصل على 20 درجة أقل سيتخرج طبيبًا بعد أن ضمن مقعدًا بكلية طب الأسنان في جامعة خاصة.

من خلال النظر إلى نظام التعليم العالي في مصر، تبين أن الأربعة درجات التي أخفق عمار في الحصول عليها ليست العقبة الوحيدة، بل تكمن المشكلة في عدم قدرته المالية على تسديد رسوم القبول في الجامعات الخاصة والأهلية.

تنسيق متباين

انتهت الأحد الماضي فترة التسجيل لطلاب الثانوية العامة في المرحلة الثانية من تنسيق القبول في الجامعات، فيما أعلنت الأسبوع الماضي نتائج المرحلة الأولى.

تظهر الفروقات بوضوح بين درجات القبول في الكليات الحكومية وتلك الخاصة والأهلية، حيث يشترط القبول في كليات الطب الحكومية نسبة لا تقل عن 93.17%، بينما تقبل الكليات الخاصة والأهلية الطلاب الحاصلين على 74% فقط.

تتكرر الفروق في كليات مختلفة، على سبيل المثال، تقبل كليات الهندسة الحكومية من 88.65%، بينما الخاصة والأهلية تقبل بتنسيق يبدأ من 65%. كما تقبل كليات الصيدلة الحكومية 91.7% مقابل 71% في الجامعات غير الحكومية، بينما تنخفض نسبة القبول في كليات الإعلام عبر الجامعات الحكومية إلى 83% وبالنسبة للجامعات الخاصة إلى 53%.

رغم الإعلان عن تنسيق القبول، إلا أن كل جامعة تُحدد تنسيقها الخاص بحيث يرتفع وفقاً للإقبال الطلابي.

بالمثل، تتفاوت المصروفات الدراسية بين الجامعات الحكومية وغير الحكومية. رسوم الكليات الحكومية لا تتجاوز مئات الجنيهات، بينما تتجاوز مصروفات الكليات الخاصة والأهلية حاجز 100 ألف جنيه (2053 دولارا).

أعلنت بعض الجامعات الخاصة عن رسوم كلية الطب، حيث حددت جامعة “6 أكتوبر” مصروفات العام الدراسي الجديد بـ140 ألف جنيه (2874 دولارا)، وارتفعت التكلفة في الجامعة الحديثة للعلوم والتكنولوجيا إلى 160 ألف جنيه (3285 دولارا)، في حين وصلت مصروفات جامعة حورس إلى 230 ألف جنيه (4722 دولارا).

في المقابل، قدمت الجامعات الأهلية أسعاراً تنافسية لدراسة الطب، حيث بلغت مصروفات جامعة المنصورة 130 ألف جنيه (2669 دولارا) وانخفضت في جامعة بني سويف إلى 110 آلاف جنيه (2258 دولارا).

ترتفع الفروقات في الرسوم بين الجامعات الأهلية، حيث أعلنت جامعة النيل الأهلية أن تكلفة الالتحاق بكلية الهندسة تصل إلى 145 ألف جنيه (2977 دولارا)، بينما لا تتجاوز في جامعة الزقازيق 60 ألف جنيه (1232 دولارا).

سوق كبير

تشير بيانات رسمية إلى زيادة عدد الجامعات المصرية خلال العقد الماضي بنسبة تزيد على 120%.

وصل عدد الجامعات الحكومية والخاصة والأهلية إلى 108 جامعات حتى يوليو/تموز الماضي، بينما لم يكن العدد يتجاوز 49 جامعة في عام 2014.

يشمل هذا العدد 27 جامعة حكومية و32 خاصة و20 أهلية و10 تكنولوجية و9 فروع لجامعات أجنبية و6 جامعات باتفاقيات دولية وجامعتين بناءً على اتفاقيات إطارية.

يتضح الاهتمام الحكومي بالتوسع في إنشاء الجامعات الأهلية على حساب الجامعات الحكومية، حيث تم إنشاء 4 جامعات حكومية فقط خلال 10 سنوات، فيما أُنشئت 16 جامعة أهلية.

برر المتحدث الرسمي لوزارة التعليم العالي هذا التوجه نحو التعليم غير المجاني، مشيراً إلى أن الجامعات الأهلية تُعد دعماً مهماً للتعليم العالي وتخفف الضغط على الجامعات الحكومية.

وبحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ عدد طلاب التعليم العالي المقيدين في العام الدراسي الماضي في مصر حوالي 3.7 مليون طالب بزيادة 5.7% عن العام الذي قبله.

زاد عدد الطلاب المقيدين في الجامعات الخاصة والأهلية إلى نحو 297 ألف طالب، مما يمثل 8% من إجمالي طلاب التعليم العالي، مقارنة بـ229 ألف طالب في العام الدراسي السابق، وذلك بزيادة 29.7%، بالإضافة إلى 697.7 ألف طالب مقيدين بالمعاهد العليا والأكاديميات الخاصة.

صورة2 كليات القطاع الطبي طموح الأسر المصرية- جامعة القاهرة-تصوير المراسل (2)
كليات القطاع الطبي طموح الأسر المصرية (الجزيرة)

من المجاني إلى المدفوع

  • لم يكن التعليم مجانيًا قبل عام 1950 حتى تولى الدكتور طه حسين منصب وزير المعارف، واشترط لذلك إقرار مجانية التعليم الأساسي حتى الثانوية.
  • بعد سنوات، أصدر الرئيس جمال عبد الناصر قرارًا بأن يكون التعليم الجامعي مجانيًا مع توسع في إنشاء الجامعات الحكومية.
  • ظلت الجامعات المصرية تحت الإشراف الحكومي حتى عام 1992 حين أُصدر قانون لإنشاء الجامعات الخاصة.
  • في عام 2009، صدر قانون لتنظيم إنشاء الجامعات الخاصة والأهلية، حيث عُرفت الأهلية بأنها مؤسسة غير ربحية.
  • عُدّل القانون في 2019 ليمنح الشخصيات الاعتبارية العامة حق إنشاء الجامعات الأهلية.
  • بعد 3 سنوات، بدأ العمل في 12 جامعة أهلية جديدة بتكلفة 39 مليار جنيه (801 مليون دولار).

تشير البيانات الرسمية إلى أن ميزانية وزارة التعليم العالي للعام المالي المقبل تبلغ 117 مليار جنيه (2.4 مليار دولار).

طبقية تعليمية

يطمح الكثير من الأسر المصرية لالتحاق أبنائها بكليات القطاع الطبي والهندسي، والتي تُعتبر من كليات “القمة” لكونها تضمن الوظائف المناسبة والاحترام الاجتماعي. وهنا يبرز الإقبال على كليات القطاع الطبي والهندسي بالجامعات الخاصة والأهلية بالرغم من ارتفاع الرسوم.

يشير الخبير التعليمي محمد فتح الله إلى أن الحكومة بدأت تنافس الجامعات الخاصة عبر تأسيس الجامعات الأهلية، متبعة نفس الاستراتيجية التي تستخدمها في التعليم ما قبل الجامعي.

ومع ذلك، عبّر الخبير -الذي يعمل بالمركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي- عن قلقه بشأن جودة التعليم في المؤسسات غير المتصلة بالحكومة، مشيرًا إلى تراجع ترتيب الجامعات الخاصة مقارنة بالجامعات الحكومية في التصنيفات الدولية.

في تصنيف شنغهاي الدولي لهذا الشهر، تم إدراج 8 جامعات حكومية مصرية ضمن أفضل ألف جامعة على مستوى العالم لعام 2024، بينما لم تضم أي جامعة خاصة أو أهلية.

حذر فتح الله من تفشي ظاهرة “الطبقية التعليمية” التي قد تؤدي إلى أمراض اجتماعية مثل الحقد الطبقي وفقدان الهوية، ومع ذلك اعتبر أن هذه المؤسسات تستوعب أعداداً كبيرة من الطلاب ضمن نظام تعليمي يتسم بالعجز.

الأفضلية للوافد

يتجلى انخفاض درجات القبول في الكليات ليس فقط في الجامعات الخاصة والأهلية، بل يمتد أيضًا للكليات الحكومية التي تسعى إلى جذب الطلاب الوافدين. حيث يتم قبول الفجوات الكبيرة في تنسيق الكليات للطلاب الأجانب وفقاً لمبالغ مالية تتراوح بين 2500 و6000 دولار.

قبل خمسة أعوام، أطلقت وزارة التعليم العالي مبادرة “ادرس في مصر” لاستقطاب مزيد من الطلاب الأجانب، مما زاد نسبة الوافدين من 5% إلى 25% من إجمالي عدد الطلاب.

نتيجة لذلك، تضم قاعات الدراسة طلابًا مصريين حاصلين على مجموع 93% وطلابًا وافدين حصلوا على مجموع أقل من 75%.

صورة1 تنامي أعداد الجامعات بمصر بنسبة 122%- جامعة القاهرة-تصوير المراسل
أعداد الجامعات بمصر نمت بنسبة 122% (الجزيرة)

يتضح التناقض في أعداد الطلاب الوافدين، حيث صرح وزير التعليم العالي السابق بأن عددهم يصل إلى 100 ألف طالب يدفعون رسومًا تقدر بـ480 مليون دولار، بينما أكد الوزير الحالي أن العدد لا يتجاوز 26 ألف طالب.

انعدام تكافؤ الفرص

أكد الخبير بالمركز القومي للبحوث التربوية والتنمية كمال مغيث أن منح الطلاب الأجانب أفضلية في الالتحاق بالجامعات الحكومية على حساب الطلاب المصريين يعد انتهاكًا لمبدأ تكافؤ الفرص. وأوضح أن الحكومة تلجأ إلى الطلاب الأجانب كحل لمواجهة العجز المالي على الجامعات الحكومية حيث يدفعون مبالغ نقدية كبيرة.

وأشار مغيث إلى أن هذه الإجراءات تضر بمبادئ المواطنة والعادل في التعليم، موضحًا أن الجامعات الخاصة أيضًا أدت إلى تآكل هذه المبادئ.

ونفى مغيث استعمال مصطلح “الجامعات الأهلية” على المؤسسات التعليمية الجديدة، مستشهدًا أن أول جامعة مصرية تأسست عام 1908 كانت جامعة أهلية بتمويل محلي، بينما الكيانات الجديدة تعدّ كيانات تهدف للربح فقط.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية



رابط المصدر

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.