بعد تعيين ميشال بارنييه (73 عامًا) لرئاسة الحكومة الفرنسية الجديدة، يُعتبر الرئيس ماكرون قد اختار أكبر رؤساء الحكومة سناً في الجمهورية الخامسة، بعد أن اختار قبل تسعة أشهر غبريال أتال (34 عامًا) كأصغر رئيس حكومة في التاريخ.
الفارق بين الاثنين ليس فقط في العمر، بل في الخبرة أيضا؛ حيث يحمل بارنييه تاريخًا حافلاً بدأ منذ انتخابه نائبًا في الجمعية الوطنية (المجلس النيابي) في سن السابعة والعشرين، وتولى عدة مسؤوليات محلية ووطنية، وشغل مناصب وزارية في عهدي الرئيسين جاك شيراك ونيكولا ساركوزي. بالإضافة إلى ذلك، عمل كمفوض وأحدث نائب لرئيس المفوضية الأوروبية لمدة عشر سنوات، وكان يقود المحادثات المعقدة بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
سوف يحتاج بارنييه إلى كل خبرته في التعامل مع المفاوضات السياسية في ظل الوضع المعقد الذي يواجهه في إدارة السلطة التنفيذية مع الرئيس ماكرون، المعروف برغبته في ممارسة الحكم «عمودياً» حيث تكون له الكلمة الأخيرة دائمًا. لكن مصادر مقربة من الإليزيه أفادت بأن ماكرون يعتزم تغيير أسلوب حكمه وسيترك الحكومة تعمل وفق الدستور.
خلال عملية الانتقال بينه وبين غبريال أتال، اشتهر بارنييه بتأكيد ولائه للخط السياسي اليميني الذي بدأ به، مشيرًا إلى أنه انضم إلى الجنرال ديغول عندما كان في الرابعة عشرة من عمره، وهو ينتمي حاليًا إلى حزب «الجمهوريون» اليميني المعتدل.
ومع ذلك، تأتي محاولة بارنييه في وقت يفتقر حزبه إلى الشرعية بعد حلولهم بالمركز الرابع في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حيث حصلوا على 44 مقعداً فقط. وقد تعرض لانتقادات لاذعة من أحزاب اليسار، التي اتهمته بغياب الشرعية الانتخابية، في حين يتهم ماكرون بأنه عمليًا ينقلب على الديمقراطية.
حيث عارض اليسار تشكيل الحكومة الجديدة في ظل وجود انتقادات حادة لماكرون، ودعا إلى مظاهرات احتجاجية في جميع المدن لإظهار رفضهم للسياسات الحالية.
التحديات أمام بارنييه
في أول كلمة له كرئيس للحكومة، قال بارنييه: “علينا الاستماع لكل الأطراف واظهار الاحترام لجميع القوى السياسية”. وهو يدرك صعوبة الموقف بسبب التركيبة الحالية للبرلمان. باستثناء حزبه، فإن الأحزاب الأخرى ستستغل أي خطأ لانتقاده.
ليس هناك أي دعم ملموس يتوقعه بارنييه من جبهة اليسار التي أبدت استعدادها للاعتراض على حكومته في أي لحظة. كما أن معسكر ماكرون ليس مشجعًا على دعمه، وقد عبّر آتال عن حذره وعدم تقديم تفويض مطلق له، على الرغم من أنه هو من عينه في هذا المنصب.
يضاف إلى ذلك أن بارنييه قد يشعر أن الحزب اليميني المتطرف “التجمع الوطني” يمثل خطرًا رئيسيًا عليه، حيث يحتل المركز الثالث في البرلمان. ويدرك بارنييه أن دعمه مؤقت، إذ حصل على وعد من لوبن بعدم سحب الثقة منه.
لذا، فإن العديد من المحللين يرون أن بارنييه أصبح رهينة اليمين المتطرف، حيث تعهد بارديلا بتفعيل جميع الوسائل السياسية إذا لم تحل جميع مخاوفه.
أما الملفات الأساسية التي تواجه بارنييه، فتشمل قضايا الهجرة، والأمن، والقدرة الشرائية، بالإضافة إلى قانون الانتخابات النسبي. يتعين عليه تجنب أي قانون قد لا يقبله “التجمع الوطني”. وقد أكد أوليفيه فور أن مصير بارنييه مرتبط بشكل مباشر بموقف لوبن.
الحكومة الجديدة وحقائقها
عند وصوله لمقابلة بارنييه، كان التألق واضحًا على وجه لوران فوكييز، زعيم اليمين التقليدي، الذي شعر بعودة حزبه للسلطة بعد غياب طويل. ولكن لم يخف فوكييز رغبته في الحصول على حصة وزارية، معربًا عن ضرورة توافق البرنامج الحكومي مع مخاوف اليمين التقليدي.
الواقع أن بارنييه يواجه تحديات صعبة إذ يرى البعض أنه بين المطرقة والسندان، حيث أنه بحاجة لتوازن دقيق بين توجهات الأحزاب المختلفة، وكلها تفكر في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
من الواضح أن عمر الحكومة لن يتجاوز عامًا، حيث من المتوقع أن يتم حل البرلمان بحلول يونيو المقبل. وهناك تضارب واضح حول الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها بارنييه، خصوصاً مع الحاجة لتمرير ميزانية عام 2025 قبل أكتوبر، في وقت تعاني فيه البلاد من عجز ميزانية مرتفع.
وفي ظل دعوات من اليمين واليسار بفرض ضرائب أعلى على أصحاب الثروات والشركات، يقف بارنييه أمام خيارات صعبة بشأن كيفية تحقيق التوازن بين دعم الاستثمارات واحتياجات المواطنين الاقتصادية.
“);
googletag.cmd.push(function() { googletag.display(‘div-gpt-ad-3341368-4’); });
}