العدوان اللطيف.. لماذا نميل إلى عض خدود الأطفال؟
قد يبتسم أحد الأقارب لطفلك الرضيع ويقول “إنه لذيذ، أريد أن آكله”، وهذا الأمر ليس غريبًا، خصوصًا أن الأطفال الرضع يتمتعون بملامح مميزة، مثل العيون الكبيرة والأنوف الصغيرة والشفاه الوردية، ما يجعلهم جذابين للغاية. يدفعك ذلك لرغبة قوية في قضم أصابعهم أو قرص خدودهم الممتلئة، أو حتى التهامهم من شدة الإعجاب.
تشير عالمة الأعصاب كاثرين ستافروبولوس من جامعة كاليفورنيا إلى أن 70% إلى 75% من الناس يشعرون بهذه الرغبة، وتكون النسبة أعلى بين النساء.
كيف يفسر العلم هذه الظاهرة؟
قام فريق من الباحثين الدوليين بدراسة هذا الارتباط بين الأطفال والطعام. وفي ورقة بحثية نشرتها دورية “فرونتيرز إن سيكولوجي” عام 2013، تبين أن رائحة الرضع تُنشط مناطق معينة من الدماغ وتثير استجابة فسيولوجية، خاصة لدى النساء وأمهات الأطفال، تشبه شعور الجوع عند رؤية طعام لذيذ.
وفق دراسة نُشرت في مجلة الأكاديمية الوطنية للعلوم عام 2009، فإن الملامح الطفولية، التي وصفها عالم السلوك كونراد لورينز بـ “مخطط الطفل”، تعزز نشاط الشبكات العصبية المتصلة بالمكافأة في الدماغ، مما يزيد من إفراز الدوبامين (هرمون السعادة) مما يشجع على رعاية الأطفال والاهتمام بهم.
إذًا، إذا كان “مخطط الطفل” يحفز على السلوكيات الإيجابية، فيمكن أن يزيد من النشاط العصبي المرتبط بالمكافأة، مما يؤدي إلى مشاعر قوية قد تتجلى في شكل “عدوان لطيف”.
ما العدوان اللطيف؟
يشير مصطلح “العدوان اللطيف”، أو “التعبيرات الثنائية الشكل”، إلى التناقض بين المشاعر الإيجابية المرتبطة بإعجاب الأطفال ورغبة مفرطة قد تأخذ شكل عضهم أو التهامهم. يرتبط ذلك أيضًا بمظاهر أخرى مثل البكاء في لحظات السعادة أو التعبير عن الفرح بشكل عدواني.
صممت عالمة النفس أوريانا أراغون عدة تجارب لفهم العدوان اللطيف. في عام 2014، ارتبطت دراسة أجرتها أراغون وزملاؤها في جامعة ييل بظاهرة العدوان اللطيف وتنظيم المشاعر، حيث طلب الباحثون من المشاركين مشاهدة صور لأطفال.
أظهرت النتائج أن المشاركين الذين عبروا عن مشاعر إيجابية قوية تجاه الصور كان لديهم استجابات عدوانية، ورغبة في قرص خدود الأطفال.
تشير البيانات إلى أن المشاركين الذين أظهروا ردود فعل عدوانية لاحظوا انخفاضًا في المشاعر الإيجابية بعد 5 دقائق من رؤية الصور، مما دفع الباحثين للاعتقاد بأن “العدوان اللطيف” يعمل كوسيلة لإعادة التوازن العاطفي.
العلم يفسر سبب هذه الرغبة
تخفيف التوتر: بحسب أراغون، فإن التعبير عن هذه المشاعر المتناقضة يعد آلية فعالة للتحكم في العواطف وإدارتها. فالمشاعر الجياشة قد تكون مرهقة، وتؤدي إلى زيادة إفراز هرمونات التوتر، حيث أن الدماغ يسعى لإعادة التوازن العاطفي بطريقة تعكس طبيعة البشر الطيبة.
جزء من آلية الارتباط التطورية: يشير بعض الخبراء إلى أن “العدوان اللطيف” يعكس عملية تكيفية للبقاء والتكاثر خاصة مع دور الرعاية لن يتمتع به البعض.
اختبار الروابط الاجتماعية: تقول عالمة الرئيسيات سوزان بيري من جامعة كاليفورنيا ب لوس أنجلوس إن “العض الاجتماعي” غير المؤذي يعتبر سلوكًا وديًا تتبناه العديد من الثدييات لخلق روابط اجتماعية وإظهار النية الحسنة.
سلوك مكتسب لا ينتشر في جميع الثقافات
أوضحت كارا بيكر، أستاذة اللغويات في كلية ريد، أن الرغبة في “التهم الأطفال” سلوك مكتسب وليس شائعًا في كل الثقافات، كما ظهرت دراسة أجريت في ساموا تبين أن مقدمي الرعاية لا يتعاملون مع الرضع بهذه الطريقة.
تتفق هيذر باكستون، أستاذة الأنثروبولوجيا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، على أن رؤية الأطفال ليست موحدة عالميًا، مُشيرة إلى أن في جزيرة بالي، يُعتبر الرضع أشخاصًا مقدسين وليسوا بشراً تمامًا.
رغم دلالات رغبة العض، فقد تؤخذ في بعض الثقافات كتهديد، حيث إن الأمهات الأمريكيات واليونانيات قد تقلن “سآكل هذا الطفل” بينما يعتبر الأمر على نحو مختلف في مناطق كالشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، حيث قد يُفهم كحسد أو يُعد تهديداً، ما يجعل الناس حذرين عند الإشادة بجمال الطفل.
رابط المصدر