غبطة وفرح… ذلك هو الشعور الذي ينتابك وأنت تزور منتجعاً بحرياً في بلادك. مزيج من الفرحة والفخر والشعور بالطمأنينة إلى مستقبل أفضل للأجيال القادمة. كنا نستمتع كثيراً حين نزور المنتجعات البحرية العالمية مثل المالديف وسيشل وغيرها، لكنَّ تلك المتعة لا تقارَن بما أحسست به وأنا أزور أحد منتجعات مشروع البحر الأحمر. ذلك أنه مشروع جمع بين الترفيه والاستدامة، بين السياحة والمحافظة على البيئة. وأجمل ما فيه هم العاملون فيه من الشباب والشابات، ترى الفرحة والابتسام على وجوههم، يرحِّبون بك بأكثر من أسلوب وطريقة. والجميل أنهم أتوا من مناطق مختلفة من المملكة، ويعملون في كل الوظائف التي في المشروع؛ من قيادة القوارب إلى الرياضات البحرية والمطاعم وغيرها، جنباً إلى جنب مع مدربيهم الذين أتوا من مختلف قارات العالم.
بدأت الرحلة من الرياض إلى مطار البحر الأحمر على الخطوط السعودية؛ طائرة نظيفة، ومقاعد مريحة، وخدمة متميزة. وهذا دليل على أن الخطوط الوطنية السعودية تسير على الطريق الصحيح لتنافس غيرها من الخطوط الجوية الناجحة. وأرى أن السر يكمن في عاملين: القيادة العليا في الخطوط، والدعم اللامحدود من الدولة. ولذا أكرر دائماً أن سرّ تقدم الأمم والمؤسسات بكل أنواعها هو القيادة. أصلِحْ القيادة يَصلُح ما عداها.
اليوم تسعى المملكة بكل ثبات وقوة لتنويع مصادر الدخل، بتحويل قيمة كل برميل من النفط، أو متر مكعب من الغاز إلى قيمة مضافة، فلا مجال للهدر، أو تجميد الأصول. بل استثمارها بما يعود على الاقتصاد بمزيد من الفائدة، والأجمل أن جزءاً كبيراً من الاستثمار يتم في الداخل لخلق مزيد من فرص العمل، في السياحة والصناعة والزراعة والنقل والبنية التحتية بشكل عام.
مشروع البحر الأحمر واحد من مشاريع الرؤية العملاقة، وهو مشروع رائد على مستوى العالم، ذلك أنه يمتاز بعناصر من أهمها الاستدامة، فكل ما تراه في مشروع البحر الأحمر يوحي بذلك، من الطاقة الكهربائية المتجددة التي تنير المنتجعات ليل نهار، إلى البنية التحتية القوية والملائمة للبيئة. أما التشجير فدليل واضح على أنه لا مجال لاستنزاف البيئة، بل بتكثيف عوامل بقائها وزيادتها، حيث تحتل البيئة حيزاً كبيراً من اهتمام المسؤولين، فتعليمات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عرّاب الرؤية واضحة: تجب المحافظة على البيئة وزيادة التشجير، والمحافظة على الحياة الفطرية في البر والبحر.
ويتكون مشروع البحر الأحمر من أكثر من 90 جزيرة، لم يُستثمر منها لبناء المنتجعات سوى 20 جزيرة، أما بقية الجزر فقد تمت المحافظة عليها مع كل ما فيها من غطاء نباتي وحياة فطرية. كما تم ضمن المشروع إنشاء مشتلين؛ أحدهما للأشجار التي تُزرَع في البرّ، والآخر لأشجار المانغروف يُنتج خمسة ملايين شتلة في العام لزراعة الشواطئ والجزر، وتوزيع البقية على مختلف مناطق المملكة. ومعروف أن أشجار المانغروف تعيش على مياه البحر، وتعد من أكثر الأشجار فائدة في امتصاص الكربون وتنقية البيئة، كما تعد بيئة مناسبة لتكاثر الأسماك، وعلى أغصانها الحانية تبني الطيور أعشاشها. كما تقوم إدارة البحر الأحمر بأبحاث علمية مع جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية لزراعة الشعب المرجانية التي تناسب البيئة الحارة.
مشاريع «رؤية 2030» والمحميات الطبيعية وُضعت للحاضر والمستقبل. ولاستمرارها لا بد من إشراك قادة المستقبل، طلبة المدارس لتكريس مبدأي الاستدامة وحماية البيئة، والمساهمة في نظافة البيئة، وهذا يتطلب جدولة بعض الطلبة من مختلف مدارس المملكة لزيارة أهم منجزات الرؤية، ومنها مشروع البحر الأحمر.
أعود مرة أخرى إلى القيادة سواء على مستوى الدولة أو المشاريع والمؤسسات، فهي العنصر الحاسم في النجاح أو الفشل. ومَن يطَّلع على هذه المشاريع العملاقة يعرف أن خلفها قيادات شابة ومخلصة، وبمعنويات عالية وبُعد نظر.
السعودية تعيش ثورة خضراء في البر والبحر، وأتمنى مثلها في كل دولة عربية وإسلامية، ومنها على سبيل المثال زراعة كل شواطئ البحر الأحمر والخليج العربي بأشجار المانغروف لمكافحة التصحر، وتحسين البيئة، ومكافحة التلوث، والمساهمة في تحقيق مشروع الأمير محمد بن سلمان لزراعة 40 مليار شجرة على مستوى العالم، لنسهم في إنقاذ كوكبنا الجميل مما يهدده من التلوث البيئي.
رابط المصدر