الفلسفة والطفل: إمكانية تدريس الفلسفة للأطفال!
في كتابه “فلسفة الطفولة”، يتساءل غاريث ماثيوس: “أبي، كيف يمكننا التأكد من أن كل شيء ليس حلماً؟”.
قبل أن يصبح الإنسان بالغا، كان يوماً ما طفلاً مبدعاً يكتظ بأسئلة هامة، لكن المجتمع يسعى لإخماد فضوله ودهشته، مما يحوله إلى كائن محدود التفكير، مثقل بحياة سريعة وبدون إبداع.
يمتلك الأطفال عادة عبقرية تخبو عندما يكبرون نتيجة لضغوطات الحياة، إلا أنهم يستطيعون الاحتفاظ بهذه الروح إذا ما تمت تنميتها. ولذا، فإن تدريس الفلسفة يعدّ حقاً مشروعاً يساهم في تطورنا ككائنات عاقلة.
لكن على الرغم من بساطة هذا المفهوم، إلا أن الواقع ينقضه. فعلى الرغم من أن الفلسفة مشهورة بالإبداع والاختلاف، تُعتبر أيضاً علوية يصعب الوصول إليها، مما يجعل محاولة الجمع بين حب الحكمة وموضوع الطفولة أمراً معقداً.
السعي لتنمية الطفولة المتسائلة من خلال الربط بالفلسفة يثير تساؤلات حول طبيعة الفلسفة والطفولة، إذ أن الاتصال بين الطفولة البسيطة والفلسفة النقدية يشبه الفجوة بين السماء والأرض. لكن ذلك يمكنه التقريب بين الفيلسوف والطفل، حيث يجمعهما الإنسانية في النهاية.
الدهشة شعور نهائى يختص بالبشرية، وهي تبرز في موقفات غير اعتيادية، مثل شعورنا بالدهشة أمام المعجزات أو الكوارث الطبيعية.
طبيعة الفلسفة والطفولة
الطفل هو كائن يتفتح على العالم، وقد يظهر انفتاحه في إطار الأسرة، والتي تشكل الدور الأساسي في نشأته. لكن هذا الدور يصبح مشتركاً مع المدرسة، مما يجعل عبارة “المدرسة بيتنا الثاني” ذات أهمية خاصة.
ومع ذلك، فقد تؤدي الأسرة والمدرسة إلى قمع هذا المشروع الطفولي، حيث تكون التساؤلات التي يطرحها الأطفال مثل: من أين أتيت؟ كيف خُلِق العالم؟، أسئلة تحمل دلالات فلسفية عميقة، ولكن عادة ما يتم تجاهلها.
الطفل بطبيعته يتسم بالتساؤل والدهشة، مما يؤكد استعداده الفطري للمشاركة في الفلسفة.
الدهشة والتساؤل: بين بساطة الطفل وتعالي الفيلسوف
إن الدهشة هي شعور إنساني يتجلى في مواجهة الكائنات غير العادية، وهي تتطلب نظرًا متأملاً عميقًا من الطرفين – الطفل والفيلسوف – اللذين ينظران إلى العالم كأنهما يريان القدر مندهشين للمرة الأولى.
السؤال هو لب الفلسفة، كما يقول كارل ياسبرز: “السؤال في الفلسفة أهم من الجواب”، فهو يسائل الأطفال بعمق حول مواضيع متعددة مثل الله والوجود، مما يعكس رؤيتهم الاستكشافية.
بالتالي، فإن الطفل يمثل تربة خصبة لنمو الفلسفة، حيث تُساعد هذه الفلسفة في تنمية قدراته العقلانية ووعي الواقع.
في “محاورة الجمهورية”، يشير أفلاطون إلى ضرورة دراسة الفلسفة اعتبارًا من سن الثلاثين، مما يستدعي أن يكون الفرد قد درس الرياضيات والعلوم قبل ذلك.
إمكانية تدريس الفلسفة للطفل
يشير جان بياجي إلى أن الأطفال دون سن الثانية عشرة عاجزون عن التفكير الفلسفي النقدي، حيث لا يستطيعون “التفكير في التفكير”. فهل كان محقاً في هذا الحكم؟
- جرائث ماتيوز وميشيل طوزي كمدافعين عن فلسفة الطفولة
من جهته، يرفض جاريث ماتيوز نظرية بياجي، مُشيرًا إلى أن الأطفال يظهرون الاستعداد والشغف للفلسفة من خلال حواراتهم. وقد أظهر بعض التلاميذ مهارات فلسفية مذهلة خلال المناقشات.
بالإضافة إلى ذلك، يؤكد ميشيل طوزي على ضرورة ربط الفلسفة بفئة عمرية أوسع من المراهقين عبر مناهج تعليمية تعزز النقاشات والنشاطات التفاعلية.
- أفلاطون ورفضه لتعليم الفلسفة قبل الثلاثين
في “محاورة الجمهورية”، يعتبر أفلاطون دراسة الفلسفة حقاً وجب أن تنال عناية فائقة، مشددًا على وجوب أن يكون الطالب ملمًا بالعلوم ومتجاوزًا مرحلة الفتوة قبل دراسة الديالكتيك. هذا المفهوم يؤكد على أهمية أن يكون المتعلم مؤهلاً للدخول إلى عالم الفلسفة.
من هم الفلاسفة؟ إنهم الذين يتوسطون بين الجهلاء والحكماء، يمتلكون شغف المعرفة لكنهم يفتقرون إلى الأجوبة التي تروي هذا السعي.
ختامًا
الإنسان هو كائن يتحرك بين العدم والوجود، وعليه أن يسعى نحو الحكمة، فهو إما يتجاهل وجوده أو يتحسس وراءه ليكون عاقلًا أو فيلسوفًا.
كونك فيلسوفًا يعني أن تتساءل، تندهش، وفي ذات الوقت تتأمل. أن تظل الطفولة حية في داخلك وتحتفظ بنظرة جديدة تجاه العالم، كما لو كنت تراها لأول مرة, “و إلى الوجود كما رأته عينا آدم حين فتحهما للمرة الأولى”.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
رابط المصدر