سياحة الأثرياء.. ما هي تكلفة السفر إلى الفضاء؟
في ظل التوجه المتزايد نحو الرياضة والترفيه، يواجه عدد من أغنياء العالم ضغوطات تسعى لتقديم تجارب جديدة في عالم السفر. قد تجسد هذه التجارب في الرحلات الفضائية، حيث أصبح السفر إلى الفضاء رهنًا بالأثرياء فقط بعد أن خاضوا مغامرات عدة حول المعالم السياحية المختلفة.
تتطور هذه التجربة ضمن سياحة الفضاء، والتي لم تعد مقتصرة على رواد الفضاء، بل باتت متاحة للجمهور بفضل التكنولوجيا الحديثة وبرامج التعاون في مجال الطيران الفضائي التي تقدمها وكالات مثل “ناسا”. هدف هذه المشاريع هو توفير تجارب سفر ممتعة وآمنة للمسافرين غير المحترفين.
بالرغم من أن مجال سياحة الفضاء لا يزال في مراحله الأولى، فإن الطلب على الحجوزات يتزايد بشكل ملحوظ من قبل الشركات المتخصصة. فما هي المعلومات الأساسية حول الرحلات، وكم من الوقت تستغرق، وما هي التكلفة المرتبطة بها؟
مقدمة في السياحة الفضائية
مع تزايد عمليات السفر إلى الفضاء بواسطة المركبات الفضائية الخاصة، أصبحت هذه الرحلات جزءًا من الاقتصاد الفضائي منذ عام 2021. حيث قامت شركات مثل “سبيس إكس” و”بلو أوريجن” و”فيرجن غالاكتيك” بتنفيذ أولى الرحلات التي شملت مسافرين مدنيين.
على الرغم من التكاليف الباهظة، من المرجح أن تنخفض أسعار الرحلات مع تقدم التكنولوجيا وزيادة الإقبال على هذا النوع من السياحة.
في عام 2021، أطلقت “سبيس إكس” أول رحلة فضائية خاصة بالكامل، بينما قامت “بلو أوريجن” بنقل مدنيين ضمن رحلة شبه مدارية بقيادة جيف بيزوس، كما بدأ ريتشارد برانسون في تنفيذ رحلات شركة “فيرجن غالاكتيك”.
السلامة والمخاطر
تشكل سياحة الفضاء تحديات كبيرة، بدءًا من مخاطر الإطلاق مرورًا بالمشكلات المتعلقة بالجاذبية الصغرى وصولاً إلى صعوبات العودة إلى الأرض. تعتبر السلامة الأولوية الأساسية، حيث تعتمد الشركات على دروس مستفادة من مجالات أخرى كاستكشاف أعماق البحار لضمان حماية الركاب.
تكلفة الرحلات إلى الفضاء
تظل تكاليف السفر إلى الفضاء أحد أكبر الحواجز أمام توسع هذه الظاهرة، إذ تتراوح أسعار التذاكر بين مئات الآلاف من الدولارات. ومع ذلك، يُتوقع أن تنخفض هذه الأسعار بفضل التطورات التكنولوجية وكثرة الاهتمام بالسفر الفضائي.
تتراوح تكلفة الرحلات شبه المدارية القصيرة بين 250 ألف دولار و450 ألف دولار لكل شخص، مثل تلك التي تقدمها “بلو أوريجن” و”فيرجن غالاكتيك”. في المقابل، قد تصل تكلفة الرحلات المدارية المتطورة المقدمة من “سبيس إكس” إلى 55 مليون دولار، وتشمل الإقامة في محطة الفضاء الدولية.
الاستعدادات اللازمة للمسافر
ليس من الضروري أن يكون لدى المسافرين خبرة في الفضاء، لكن عليهم الخضوع لتدريبات مكثفة قبل الرحلة. تشمل هذه التدريبات التحضيرات النفسية والجسدية للتكيف مع آثار انعدام الجاذبية، بالإضافة إلى مهارات السلامة وإجراءات الطوارئ. تعتمد مدة هذه التدريبات على طبيعة الرحلة وشركة التشغيل، ويمكن أن تستغرق عدة أيام أو أسابيع.
تستوجب المعايير الحالية من الشركات الالتزام بمعايير إدارة الطيران الفيدرالية للحفاظ على سلامة الجمهور خلال الإقلاع والعودة، ويتعين على الطاقم والركاب توقيع اتفاقيات موافقة تتضمن حقوقهم والمخاطر المحتملة خلال الرحلة.
مدة الرحلات
تستمر الرحلات شبه المدارية، التي تقدمها “بلو أوريجن” و”فيرجن غالاكتيك”، لفترات قصيرة تتراوح بين 10 إلى 15 دقيقة، بما في ذلك بعض الدقائق من حالة انعدام الوزن. بينما تمتد الرحلات المدارية المقدمة من “سبيس إكس” من عدة أيام إلى أسبوعين، مما يسمح للركاب بالإقامة في محطة الفضاء الدولية.
طبيعة الرحلة السياحية إلى الفضاء
تخدم الرحلات الفضائية المسافرين بتجربة غير مسبوقة تبدأ بإطلاق المركبة بسرعة كبيرة نحو الغلاف الجوي. في الرحلات شبه المدارية، يصل الارتفاع إلى بين 80 و100 كيلومتر فوق سطح الأرض، مما يسمح للمسافرين بالاستمتاع بحالة انعدام الوزن لمدة تتراوح من 3 إلى 5 دقائق، حيث يمكنهم التخلص من تأثير الجاذبية والطفو بحرية.
المناظر الفضائية
يستمتع المسافرون بمناظر مدهشة للأرض من الفضاء، حيث يتمكنون من رؤية منحنى كوكب الأرض بوضوح مع خلفية من الفضاء الأسود. في هذه اللحظات، يمكنهم رؤية الغلاف الجوي كخط رفيع حول الأرض بالإضافة إلى مناظر بانورامية للكواكب والنجوم. كما تتيح الرحلات المدارية، مثل تلك التي تقدمها “سبيس إكس”، فرصة للركاب لرؤية الأرض من زوايا متعددة عبر دورانهم حول الكوكب.
الأثر البيئي
تثير سياحة الفضاء العديد من المخاوف البيئية بسبب انبعاثات الصواريخ، والتي قد تؤثر سلبًا على طبقة الأوزون والمناخ. ورغم أن تأثيرات هذه الرحلات ما زالت قيد الدراسة، إلا أن زيادة عدد الرحلات قد تؤدي إلى آثار سلبية على الغلاف الجوي.
الشركات المتعثرة
تعرضت بعض شركات سياحة الفضاء إلى صعوبات مالية، حتى أعلنت إفلاسها قبل أن تستهل خدماتها. ومن أبرز هذه الشركات:
فيرجن أوربيت: تقدمت هذه الشركة، التابعة لمجموعة فيرجن، بطلب إفلاس في 11 أبريل/نيسان 2023، وسط صعوبات فنية وخسائر مالية.
آركا سبيس: رغم طموحاتها الكبيرة في مجال الرحلات المأهولة، واجهت الشركة تحديات وصعوبات مالية أدت إلى إلغاء بعض مشاريعها.
مستقبل السياحة الفضائية
تشير التوقعات إلى توسع سياحة الفضاء في المستقبل، مع خطط لرحلات أطول وزيارات للمدار القمري، بالإضافة إلى إنشاء فنادق فضائية مثل مشروع “فوياجر ستيشن” المتوقع بدء تشغيله في عام 2027، مما يتيح للسياح الإقامة في الفضاء.
سياحة القمر
رغم عدم وصول سياحة الفضاء إلى القمر تجارياً بعد، تحقق بعض الشركات تقدمًا في هذا الاتجاه. “سبيس إكس” تحت قيادة إيلون ماسك تعمل على مشاريع تهدف لإرسال رحلات حول القمر، مثل رحلة “دير مون” المخصصة لمجموعة من الفنانين. بينما تركز “بلو أوريجن” حاليًا على الرحلات الفضائية حول الأرض، إلا أن لديها خططًا مستقبلية تشمل رحلات إلى القمر.
رغم هذه التطورات، تبقى الرحلات إلى القمر مكلفة وتحتاج إلى تقنيات متقدمة. لكن هناك توقعات بأن تصبح هذه الرحلات ممكنة تجارياً في المستقبل القريب.
بشكل عام، تشهد سياحة الفضاء تطورات سريعة، لكنها تبقى حصرية للأثرياء نظرًا للتكاليف المرتفعة والتحديات البيئية والسلامة التي يتوجب مواجهتها بفعالية.