هل أثبتت “القبة الحديدية” الإسرائيلية فعاليتها تقنيًا؟
تسعى منظومة “القبة الحديدية” في الأساس لحماية المباني والمنشآت الإسرائيلية من الهجمات الصاروخية الموجهة. وقد شهدت السنوات الأخيرة تطورًا في المنظومة ما يجعلها تتكون من عدة أجزاء تعمل بشكل متكامل لصد مختلف أنواع الصواريخ. لكن يبقى التساؤل المطروح: كيف تعمل تقنيًا هذه المنظومة؟ وهل هي فعلاً محصنة كما يروج جيش الاحتلال؟
تكوين المنظومة: 4 مراحل مختلفة
تشتمل منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية على أربع مراحل مختلفة، ورغم أن اسم “القبة الحديدية” يُستخدم للإشارة إلى المنظومة بشكل عام، إلا أن هذا الاسم يقتصر في حقيقته على أحد أجزائها.
تتشابه مراحل العمل في هذه المنظومة في بعض الآليات، لكنها تختلف في مدى وقدرة الاستشعار. تبدأ العملية بـ”القبة الحديدية”، التي تعترض القذائف والصواريخ قصيرة المدى بمدى تغطية يصل إلى 70 كيلومترًا وارتفاع حتى 10 كيلومترات، مستخدمة صواريخ تعرف باسم “تمير”، والتي تكلف حوالي 50 ألف دولار لكل صاروخ وفقًا لتقارير “بي بي سي”.
المرحلة الثانية تتكون مما يُطلق عليه “مقلاع داود”، المصمم لاعتراض الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى. تستخدم هذه المرحلة صواريخ من طراز “ستونر” بتكلفة تصل إلى مليون دولار، وتستطيع العمل بمدى يصل إلى 300 كيلومتر وارتفاع يبلغ 15 كيلومترًا. بينما المرحلة الثالثة والرابعة، وهما “آرو 2” و”آرو 3″، مصممتان لاعتراض الصواريخ بعيدة المدى التي قد تصل إلى 2400 كيلومتر وارتفاعات تصل إلى 100 كيلومتر.
تعمل هذه الأنظمة بالتوازي لتوفير حماية شاملة ضد أنواع متعددة من القذائف والطائرات، وقد تم تطويرها بالتعاون مع شركة “رايثيون” الأميركية. على الرغم من دخولها حيز الاستخدام في فترات متقاربة، إلا أن النظام الأخير “مقلاع داود” بدأ العمل عام 2017.
يجدر بالذكر أن جيش الاحتلال يستخدم أيضًا أنظمة أخرى بشكل متفرق، من بينها نظام “باتريوت” الأمريكي لاعتراض الصواريخ التي لا تستطيع “آرو 3” التعامل معها.
آلية عمل “القبة الحديدية”
تقوم “القبة الحديدية” على أساس استشعار واعتراض القذائف والصواريخ، وهي تتكون من أنظمة رادارية قادرة على الكشف عن التهديدات. تتعقب هذه الأنظمة القذائف التي تدخل نطاق مراقبتها، الذي يختلف بناءً على المدى والطبقات. بعد اكتشاف القذيفة، ترسل الرادارات إشارة إلى أنظمة التحكم والذكاء الاصطناعي، التي تقوم بدورها بحساب النقاط المحتملة للاصطدام ومسار القذيفة.
بعد إتمام هذه الحسابات، تُرسل بيانات التصدي مباشرة إلى قاذفات الصواريخ، التي تقوم بإطلاق الصواريخ الاعتراضية بناءً على نوع التهديد. بالرغم من تطوير المنظومة عام 2006، فثق التنسيق السريع بين الشبكات السندية وخوارزميات الذكاء الاصطناعي تلعب دورًا محوريًا لضمان التصدي في الوقت المناسب قبل وصول التهديد إلى الأهداف المستهدفة.
## أنظمة تتطور لمواجهة التهديدات
تتطور أنظمة الدفاع باستمرار لتصبح أكثر قوة وسرعة في التصدي للهجمات المتنوعة. ووفقًا لتقرير شبكة “بي بي سي”، تعتبر منظومة الدفاع قادرة على تقييم مجموعة من الاعتبارات أثناء حساب مسار القذائف والخطر المحتمل منها. تُعطي المنظومة أولوية للقذائف الموجهة إلى الأهداف المدنية والحيوية، كما تأخذ في الاعتبار حجم القذائف والأضرار الناتجة عن اعتراضها في الجو. بينما يتم ترك القذائف التي تستهدف مناطق غير حيوية أو خالية من السكان تسقط بدون اعتراض.
فعالية “القبة الحديدية”
على مدى فترة طويلة، كانت منظومة “القبة الحديدية” عائقًا أمام الهجمات المختلفة داخل الحدود الإسرائيلية، سواء من الهجمات قصير المدى من حماس أو الصواريخ طويلة المدى من إيران وحزب الله. ولكن الوضع تبدل بشكل ملحوظ منذ أحداث أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث استطاعت حماس القيام بهجمات مؤلمة داخل منطقة “القبة الحديدية” باستخدام الطائرات المسيرة والمتفجرات قصيرة المدى، مما أبرز نقاط ضعف المنظومة.
تأكيدًا على ذلك، شنت إيران هجومًا واسعًا على إسرائيل، حيث أُطلقت حوالي 200 صاروخ، ورغم تضارب الروايات حول نتائج الهجوم، إلا أن الأضرار التي لحقت ببعض المباني والمراكز الحيوية داخل منطقة “القبة الحديدية” كانت واضحة، مما دفع المدنيين إلى البحث عن الحماية في الأنفاق.
وفي المجمل، يعتبر تقييم فعالية منظومة “القبة الحديدية” في السنوات الأخيرة أمرًا صعبًا بسبب التقارير المتعارضة، حيث ترفض إسرائيل الاعتراف بالهجمات التي استهدفتها.
نقاط الضعف في القبة الحديدية
رغم ادعاءات القوات الإسرائيلية حول كفاءة “القبة الحديدية”، إلا أنها تبقى عرضة للفشل، وهو ما أكده الهجمات الأخيرة والمقاطع التي تظهر الأضرار الواقعة على المنشآت الإسرائيلية.
ويشير المحلل العسكري مايكل كلارك إلى أن هذه المنظومة ليست محصنة ضد الفشل مثل أي نظام تكنولوجي آخر، ويعتقد أنه من الممكن اختراقها من قبل قراصنة محترفين. ويضيف أن أي هجوم منظم ومدروس يمكن أن يستغل نقاط الضعف في النظام بسهولة، خاصة إذا كان هناك جهد لدراسة كيفية عمل “القبة الحديدية”.
وطبقا لمقال نشره موقع “فورتشن” في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فإن النظام يظهر ضعفه في مواجهة الهجمات المتتابعة أو الكبيرة التي تتم في وقت واحد، وهو ما يزيد من صعوبة تصديه للنيران.
كما يشير المقال إلى الفرق الكبير في تكلفة الصواريخ، حيث أن تكلفة بعض الصواريخ الإسرائيلية تصل إلى مليون دولار، في حين أن تكاليف الصواريخ المستخدمة من قبل إيران أو حماس أقل بكثير، مما يتيح لهم الهجوم بجداول أكبر تفوق قدرة “القبة الحديدية” على التصدي.
تتعين معالجة هذه الثغرات من خلال تحديثات في أنظمة الذكاء الاصطناعي والمستشعرات، وهو ما يمثل تحديًا اقتصاديًا كبيرًا لإسرائيل، والتي تواجه ضغوطًا اقتصادية منذ بداية النزاع الأخير، خاصة إذا تم تطوير صواريخ وقذائف يصعب تتبعها عبر أنظمة الرادارات المعتمدة.