التوجه نحو المدارس الإسلامية: اختيار المهاجرين في أميركا لأبنائهم
1/10/2024
–
|
آخر تحديث: 1/10/2024 08:19 م (بتوقيت مكة المكرمة)
تحديات الهوية والاندماج
تتركز هذه التحديات بشكل أكبر عندما يتعلق الأمر بالأبناء. يجد المهاجرون أنفسهم أمام ضرورة اتخاذ خيارات حول كيفية الحفاظ على ثقافتهم الأصلية من جهة، وكيفية الاندماج في المجتمع الجديد من جهة أخرى. تعتبر المدارس الخاصة، خاصة الإسلامية منها، حلاً ملائماً لتحقيق هذا التوازن.
تستند المدارس الإسلامية إلى مبدأ دستوري يضمن حرية الدين والتعليم الخاص، حيث يُسمح لها بتدريس المناهج الأكاديمية المعتمدة من قبل الدولة، مع الالتزام بالمعايير الأكاديمية المطلوبة.
بداية المدارس الإسلامية في أميركا
ظهر خلال أواخر الستينيات والسبعينيات عدد من المدارس الإسلامية في الولايات المتحدة، تزامنًا مع زيادة الهجرة من الدول الإسلامية. جاء ذلك عقب إقرار قانون الهجرة المعروف “هارت-سيلر” عام 1965، الذي سمح للمهاجرين من دول غير أوروبية بالاستقرار في أمريكا.
من بين أولى المدارس الإسلامية التي تأسست كانت سلسلة مدارس “سيستر كلارا محمد” في نيويورك، والتي بدأت نشاطها في الستينيات وقدمت لجالية المسلمين تعليمًا إسلاميًا متكاملاً.
لماذا يختار المهاجرون المدارس الإسلامية؟
التقت الجزيرة نت بعدد من أولياء الأمور الذين تناولوا أسباب اختيارهم المدارس الإسلامية لأبنائهم. وعلى الرغم من أن الحفاظ على الهوية وتعليم القيم الإسلامية كان من بين الأسباب الأبرز، إلا أن بعضهم كان لديه قصص شخصية تؤكد على أهمية هذا القرار.
تروي نهلة محمد كيف قامت بنقل ابنتها من مدرسة أميركية عامة إلى مدرسة إسلامية بولاية ميشيغان، التي تشهد وجود حوالي 300 ألف مسلم، نصفهم من أصول عربية. وقد اعتبرت أن الدروس المقدمة في المساجد خلال عطلات نهاية الأسبوع غير كافية لتربية ابنتها، لذا اختارت بيئة علمية أكثر التزامًا بالقيم الإسلامية.
## تزايد إقبال الأسر المسلمة على المدارس الإسلامية في أمريكا
تأثرت الأسر المسلمة بشكل متزايد من الفئات الشابة في مجتمعاتهم، حيث برزت تحديات التنمر والمواقف العنصرية في المدارس التقليدية. لمواجهة هذه المشكلات، تبحث العديد من هذه الأسر عن بيئات تعليمية أكثر أمانًا وملائمة لقيمهم، مما أدى إلى ارتفاع الطلب على المدارس الإسلامية.
تجربة نهلة مع التنمر
تروي السيدة نهلة كيف قررت إلحاق ابنتها بمدرسة إسلامية بعد أن لاحظت تعرض أطفالها للتنمر بسبب خلفياتهم المسلمة. فقد أعربت إحدى الفتيات عن قلقها من السخرية عند سماع أذكار الصباح في السيارة، بينما خجلت طفلة أخرى من حجاب والدتها بسبب سخرية زملائها. ترى نهلة أنه يجب تهيئة الأطفال في بيئة آمنة تعزز هويتهم الثقافية والدينية قبل دخولهم إلى مجتمع قد لا يتقبلهم بسهولة.
هجرة طارق إلى فلوريدا
عائلة طارق التي انتقلت من كاليفورنيا إلى فلوريدا في صيف 2023 فعلت ذلك بسبب مخاوف من قوانين الولاية بشأن حقوق الطفل في تغيير هويته الجنسية. على الرغم من أن كاليفورنيا تعكس تنوعًا أكبر في الجاليات الإسلامية، إلا أن طارق يسعى لتنمية هوية إسلامية قوية لأطفاله في بيئة يشعرون فيها بالراحة والاندماج.
التعليم في المدراس الإسلامية
تحتوي كاليفورنيا على حوالي 30 مدرسة إسلامية تخدم جالية مسلمة تعدّ مليون نسمة، ورغم أن 53% من الطلاب المسلمين يتعرضون للتنمر، فإن نسبة المراهقين الذين يشعرون بالأمان في المدارس تصل إلى 69%، مما يعكس بعض التحديات التي تواجه الجالية.
الطريق إلى فلوريدا
على الرغم من أن فلوريدا ليست موطنًا لأكبر جالية مسلمة، إلا أنها أصبحت وجهة شائعة للمهاجرين من الدول العربية والإسلامية. ويعتبر الكثير من هؤلاء المهاجرين فلوريدا بيئة محافظة تدعم قيمهم الثقافية والدينية.
مدرسة آية كأحد الحلول التعليمية
تعد مدرسة “آية” في تامبا من أقدم المدارس الإسلامية في أمريكا، وتمتاز بتقديم مناهج تعليمية تجمع بين التعليم الأكاديمي الأميركي والدروس الدينية، وقد استقبلت المدرسة الآن حوالي 1200 طالب. تهدف المدرسة، كما قالت مديرة المدرسة، الدكتورة دلال قاهوق، إلى بناء شخصية الطلاب وتعزيز قيمهم الإسلامية من خلال أنشطة متنوعة.
تشجيع الطلاب على الحفاظ على هويتهم
تحتفظ المدرسة بتوازن بين التعليم الأكاديمي والتعاليم الإسلامية، مما يساعد على تطوير شخصية الطلاب والشعور بالفخر بما لديهم من هوية إسلامية. وعلى الرغم من المخاوف من تحديات الحياة الجامعية، فإن الكثيرين من خريجي المدرسة يواصلون المحافظة على هويتهم كأميركيين مسلمين.
الأنشطة الفنية والإبداعية
تحتضن “آية” أنشطة فنية ورياضية تهدف لتطوير مهارات الطلاب بشكل شامل، مع التأكيد على أهمية الفنون والرسم والخط العربي. الدكتورة دلال تبرز أن العلاقات لا تنقطع بعد التخرج، حيث يستمر خريجو المدرسة في إلحاق أطفالهم بها، مما يعكس نجاح نموذج التعليم الذي توفره.
مناهج تعليمية تدمج الدين واللغة
في جولة داخل مدرسة “آية”، كشف الدكتور معن الصالح، رئيس قسم القرآن والإسلام والدراسات الإسلامية، الرؤية التي تتبناها المدرسة لتطوير المناهج التعليمية بدءًا من المرحلة التمهيدية وحتى الثانوية. حيث أوضح أن المنهج يحمل اسم “QAIS”، الذي يُختصر به “قرآن ولغة عربية ودراسات إسلامية”. وأكد على أن اللغة العربية ينبغي أن تكون اللغة الثانية لجميع الطلاب، ويتم تقييم مستوياتهم من خلال ثلاثة معايير: متقدم، متوسط، ومبتدئ.
كما أشار الصالح إلى أن المدرسة تقدم دروسًا مكثفة لمدة ثلاثة أشهر لتقوية معرفة الطلاب بالعربية لأهميتها، مشدداً على أن الدراسات الإسلامية تُدرس باللغة الإنجليزية.
تعزيز القيم المعتدلة
في سياق التعامل مع المخاوف من تأثر الطلاب بالأفكار المتشددة، أضاف الدكتور معن أنه يتم دائمًا إجراء حوارات مع الطلاب وأسرهم حول فهمهم الشخصي للإسلام، مع التأكيد على أهمية قيم الإسلام المعتدلة.
وقالت رزان محمد، مديرة مكتب الإدارة في المدرسة، إن المدرسة تُعتبر عائلة كبيرة تمثل نموذجًا للتنوع الثقافي، حيث يجتمع فيها معلمون وموظفون من مختلف الخلفيات، بما في ذلك بعض المعلمين الأميركيين غير المسلمين.
التعامل مع القضايا الشائكة
تناول الصالح كذلك القضايا المرتبطة بالهوية الجنسية، مشيرًا إلى أن المناهج المتعلقة بالدراسات الإسلامية في المرحلتين الإعدادية والثانوية تشمل توضيحات بشأن العلاقة بين الرجل والمرأة وفق المفاهيم الإسلامية.
أحلام الطلاب وطموحاتهم
من جانب آخر، أعرب الطالب يوسف الحمزاوي، الذي يدرس في المدرسة منذ الصف الأول، عن عدم شعوره بالعزلة أو الاختلاف عن أقرانه في المدارس العامة، حيث يُقدم له تعليم يتماشى مع المعايير التعليمية الأميركية، بجانب مناهج تعزز من هويته الإسلامية.
يوسف يطمح أن يصبح مهندس برمجيات وقد بدأ في تعليم البرمجة منذ سنوات، كما يشارك في المسابقات العلمية ويمارس كرة السلة ضمن فريق المدرسة.
وفي حديثها عن تجربتها، قالت الطالبة ليان الروسان، إنها فخورة بالحجاب، وتؤكد أن هذا القيم لن تعيقها في تحقيق طموحاتها كطبيبة أسنان في المستقبل.
المدارس الإسلامية في الولايات المتحدة
تشير التقديرات إلى أن عدد المدارس الإسلامية في الولايات المتحدة يتراوح بين 270 إلى 300 مدرسة، تقدم هذه المدارس برامج تعليمية تتضمن المواد الأكاديمية المعتادة إلى جانب القيم الإسلامية والدراسات الدينية. وتغطي هذه المدارس جميع مراحل التعليم، مما يجعلها جزءًا مهمًا من المجتمع الإسلامي المتنامي في الولايات المتحدة.