الطاقة الشمسية والذكاء الاصطناعي
20/10/2024
في عام 1964، وضع عالم الفلك الروسي نيكولاي كارداشيف مقياسًا يُعرف باسمه، لتصنيف مستويات تطور الحضارات حسب مقدار الطاقة المستخدمة. يتضمن هذا المقياس ثلاثة مستويات رئيسية:
تصنيف الحضارات حسب استخدام الطاقة
الأول: حضارة تستخدم جميع موارد الطاقة المتاحة على كوكبها، خاصة الطاقة الشمسية.
الثاني: حضارة تستطيع استغلال طاقة نجمها بالكامل (مثل الشمس بالنسبة لكوكب الأرض)، من خلال إنشاء هياكل تجمع الطاقة بشكل فعال.
الثالث: حضارة تستهلك طاقة المجرة بالكامل (درب التبانة بالنسبة لكوكب الأرض).
تُصنف البشرية حاليًا بين المستوى 0 والأول على مقياس كارداشيف، حيث تستخدم نسبة ضئيلة من طاقة المستوى الأول وفقًا لتقديرات العلماء.
رؤية إيلون ماسك
استلهم إيلون ماسك من رؤية كارداشيف، حيث كتب مؤخرًا على منصة إكس (X): “بعد فهم مقياس كارداشيف وإجراء الحسابات، يتضح تمامًا أنه يجب توليد الطاقة بالكامل من الأشعة الشمسية”.
مقدار الطاقة الشمسية المتاحة
تشير تقديرات معهد “إس بي سي” إلى أن أشعة الشمس التي تصل إلى الأرض في عام واحد تكفي لتلبية احتياجات البشر من الطاقة لمدة 6 آلاف سنة، حسب معدلات الاستهلاك الحالية. هذا يعني أن الطاقة الواصلة خلال يوم واحد تكفي الأرض لمدة 16.4 سنة؛ وبالتالي، تكفي 82 سنة خلال 5 أيام، مما يعادل كل موارد الأرض من الطاقة الأحفورية المتاحة والتي تقدر بعمر 80 إلى 85 سنة تقريبًا.
إذن، لماذا لا تُستخدم الطاقة الشمسية بشكل كامل لتلبية احتياجات البشر من الطاقة؟
تاريخ الخلايا الكهروضوئية
في عام 1839، اكتشف الفيزيائي الفرنسي ألكسندر إدموند بيكريل أن بعض المواد تُنتج تيارًا كهربائيًا عند تعرضها للضوء، وكانت هذه البداية لأبحاث الطاقة الشمسية. ومع ذلك، استغرق الأمر حوالي 115 عامًا لتطوير خلية كهروضوئية عملية تتمكن من تشغيل الأجهزة الكهربائية.
في 25 أبريل 1954، أعلنت صحيفة نيويورك تايمز عن نجاح مختبرات بيل في تطوير خلية شمسية جديدة من السيليكون قادرة على تحويل ضوء الشمس إلى كهرباء بكفاءة تبلغ حوالي 6%.
اليوم، وبعد مرور أكثر من 70 عامًا، لا تتجاوز حصة الطاقة الشمسية 2.5% من إجمالي الطاقة المستخدمة على مستوى العالم. بينما وصلت كفاءة الخلايا الشمسية إلى 27.1% في تحويل ضوء الشمس إلى كهرباء في عام 2024، وقد أعلنت شركة “لونغ آي” الصينية عن تحقيق كفاءة 30.1% للخلايا الترادفية المصنوعة من السيليكون والبيروفسكايت، التي تم تطويرها باستخدام رقاقات تجارية بحجم 6 مليمترات. كما أشارت إلى أن كفاءتها قد تصل إلى حوالي 40% تحت ضوء الشمس المركز.
**الخلايا الشمسية المتعددة التقاطع: كفاءة تصل إلى 47.6%**
تستمر الابتكارات في تقنية الخلايا الشمسية بوتيرة متسارعة، حيث تظهر تقنيات مستقبلية مثل الخلايا الترادفية وخلايا البيروفسكايت كخيارات واعدة لتحسين كفاءة إنتاج الطاقة وتقليل التكاليف. بالإضافة إلى ذلك، يُشهد تقدماً ملحوظاً في التقنيات المعاونة، مثل بطاريات الليثيوم والكبريت، التي تساعد في تخزين الطاقة الشمسية بشكل أفضل وتسمح باستخدامها في أوقات غياب الشمس.
**سيطرة الصين على سوق الطاقة الشمسية**
تحتل الصين مكانة مهيمنة في جميع مراحل سلسلة التوريد العالمية في صناعة الطاقة الشمسية، بدءاً من البولي سيليكون وصولاً إلى المنتج النهائي. وفقاً للتقارير، زادت الطاقة الإنتاجية للصين من وحدات الطاقة الشمسية إلى أكثر من 610 غيغاوات في عام 2023، مما يمثل حوالي 43% من إجمالي الإنتاج العالمي، بفارق كبير عن الولايات المتحدة التي أنتجت 129 غيغاوات فقط في نفس العام.
في السابق، كان التركيز الرئيسي للصين على صناعات مثل الملابس والأثاث والأجهزة المنزلية، بينما اليوم، تحولت هذه الاتجاهات إلى صناعة الألواح الشمسية والسيارات الكهربائية وبطاريات الليثيوم. تتمتع الصين بتكاليف إنتاج منخفضة جداً بالمقارنة مع البلدان المتقدمة، حيث تتراوح تكلفة صناعة الألواح الشمسية بين 16 و18.9 سنتاً لكل وات، مقارنة بـ 24.3 إلى 30 سنتاً في الشركات الأوروبية وحوالي 28 سنتاً في الشركات الأمريكية.
تعزيز استغلال الطاقة الشمسية لا يقتصر على كميتها الكبيرة، بل يتعداه إلى كونها مصدراً نظيفاً بالمقارنة مع الطاقة الأحفورية، التي تمثل 82% من استهلاك الطاقة العالمي، بينما تصل حصة الطاقة الشمسية فقط إلى 2.5% من الاستخدام الكلي.
**التقنيات الحديثة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي**
يساهم الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في تسريع تطوير تقنيات الطاقة الشمسية. فهو يقوم بتحليل البيانات الخاصة بمواد الألواح الشمسية، مما يساعد في تطوير خلايا شمسية جديدة ذات كفاءة أعلى. كما يمكن للذكاء الاصطناعي التنبؤ بمستويات الإشعاع الشمسي استناداً إلى بيانات الطقس، مما يزيد من كفاءة إدارة أنظمة الطاقة الشمسية ويقلل من الفاقد بسبب التغيرات المناخية.
أيضاً، يتيح تحليل البيانات من أجهزة الاستشعار اكتشاف الأعطال المحتملة في أنظمة الطاقة الشمسية مبكراً، مع إمكانية ضبط زاوية الألواح لتركيز أكبر على الشمس، مما يؤدي إلى زيادة كميات الطاقة المجمعة. بالإضافة إلى ذلك، يُستخدم الذكاء الاصطناعي في الطائرات المسيرة لفحص الألواح الشمسية والتعرف على الشقوق والأوساخ، مما يحسن من جودة الصيانة ويقلل أوقات الفحص.
**التحديات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي**
على الرغم من فوائد الذكاء الاصطناعي، إلا أنه يستهلك كميات كبيرة من الطاقة، حيث توصل الباحثون إلى أن إنشاء محتوى نصي بواسطة الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتطلب كميات كبيرة من الطاقة تفوق ما تحتاجه بعض الأجهزة التقليدية. ومع تزايد المستخدمين وانتشار هذه التكنولوجيا، تتصاعد الحاجة إلى الطاقة، مما يعزز من انبعاثات الغازات الضارة الناتجة عن استخدام الطاقة الأحفورية.
يرى بعض المفكرين أن تطوير الطاقة الشمسية يمثل أولوية أكبر من تطوير الذكاء الاصطناعي، لما لها من تأثيرات إيجابية على البيئة وقابلية أن تساهم في تفادي العديد من الكوارث البيئية.
**المصدر: الجزيرة**