قفزة علمية هائلة.. علماء يرسمون أول خريطة كاملة لدماغ ذبابة الفاكهة
ورغم أن الباحثين استطاعوا سابقًا رسم خرائط مشابهة لكائنات أقل تعقيدًا، فإن ذبابة الفاكهة تمتلك حوالي 140 ألف خلية عصبية وعشرات الملايين من التشابكات العصبية. وقد تم الإعلان عن النتائج الجديدة من خلال نشر 9 دراسات في عدد خاص من مجلة نيتشر المرموقة.
لم تعد ذبابة الفاكهة مهمة إلى هذا الحد؟
تعتبر أدمغة ذبابة الفاكهة قادرة على التعامل مع العديد من المشكلات التي يعالجها البشر، مثل التنقل واكتشاف الروائح وتحديد الاتجاهات في البيئة. كما تشارك ذبابة الفاكهة في 60% من الحمض النووي البشري، بما في ذلك الجينات المرتبطة بالتعلم والاضطرابات مثل متلازمة داون.
يشير الباحثون من جامعة برينستون إلى أن 75% من الأمراض الوراثية البشرية لها أوجه تشابه في ذبابة الفاكهة، وقد ساهمت أبحاثها في الحصول على 6 جوائز نوبل، منها جائزة فاز بها إريك فيسهاوس من جامعة برينستون في عام 1995.
ويشبه تقدم ذبابة الفاكهة في العمر ما يحدث عند البشر، حيث يمكن لها البقاء مستيقظة بفعل القهوة وتغني عندما ترغب في التزاوج. وهذا التشابه يمنح العلماء فرصة أفضل لفهم أدمغة البشر، التي تحتوي على 86 مليار خلية، لا تزال أشد تعقيدًا. وبهذا، فإن دراسة نماذج أبسط نسبيًا مثل ذبابة الفاكهة تساعد العلماء في التقدم نحو فهم أفضل.
السر في التشابكات العصبية
لفهم كيفية عمل الدماغ، يتعين على العلماء تحليل كيفية تشابك الخلايا العصبية مع بعضها ومدى قوة هذه التشابكات. فإن العثور على خلية عصبية فردية وفهم وظيفتها يبدو بسيطًا، لكن الأمر أكثر تعقيدًا في الحقيقة.
وبالتالي، يُعتبر الدماغ البشري العضو الأكثر تعقيدًا في الجسم ليس لعدد خلاياه فقط، بل لتعقيد الوصلات بين تلك الخلايا. فهذا التعقيد يفوق أي جهاز حاسوب مُصنع من قبل الإنسان، ولا يزال العلماء حتى الآن غير قادرين على فهم آلية عمله دون معرفة تفصيلية لكيفية اتصال الخلايا العصبية ببعضها البعض.
في هذا السياق، تبرز أهمية الاكتشاف الجديد، الذي يتيح فهمًا أعمق للتشابكات العصبية وكيفية تفاعلها، مما قد يكون له تأثيرات كبيرة على معالجة العديد من الأمراض العقلية والنفسية التي تؤثر على البشر.
### خريطة ثلاثية الأبعاد لأدمغة ذباب الفاكهة: إنجاز علمي بارز
نجح عدد من الباحثين في تحقيق إنجاز علمي كبير من خلال إنشاء خريطة شاملة لأدمغة ذبابات الفاكهة، استندت إلى 21 مليون صورة تم التقاطها لتلك الأدمغة على مدار عشرة أعوام. ولتحويل الكتل والبقع الموجودة في تلك الصور إلى خريطة ثلاثية الأبعاد، تم استخدام نموذج حديث من الذكاء الاصطناعي.
جهود جماعية من العلماء واللاعبين
قبل نحو عشرة سنوات، لم يكن الذكاء الاصطناعي قد حقق التطور اللازم لتتبع كل خلية عصبية بدقة. لذا، تعاون الباحثون مع مجموعة من الألعاب الإلكترونية التي شارك فيها الآلاف من الهواة والمتخصصين في علم الأعصاب. وقد جمع هؤلاء اللاعبين ملايين القطع الصغيرة لحل لغز البنية ثلاثية الأبعاد لكل خلية عصبية في الذبابة، وكشفوا الروابط بينها.
مع تحسن نماذج الذكاء الاصطناعي بالتدريب الذي خضع له هؤلاء اللاعبين، استطاع العلماء الآن متابعة الخلايا العصبية والتفاعلات بينها. حيث يقوم البشر بدور المصححين للنتائج المولدة من الذكاء الاصطناعي، مما يسهل عملية تجميع القطع الأصغر في نموذج كلي متكامل.
تصوير الروابط العصبية
بفضل هذا التعاون الفريد، استُحدثت خريطة لكل خلية عصبية في دماغ ذبابة الفاكهة، ويقدر عددها بـ139,255 خلية، بالإضافة إلى 50 مليون من الاتصالات المشبكية بينها. في الصورة العامة التي تم التوصل إليها، يمكن رؤية معظم الخلايا العصبية على شكل شجرة، تتضمن جذعًا، والفروع، والجذور.
التفاعلات بين هذه الخلايا العصبية تشبه تلك التي تحدث بين الأشجار. حيث تؤثر الأشجار على بعضها البعض، تتصل جذورها بالأخرى المجاورة، وتتنافس فروعها على الضوء، وهذا ينطبق أيضًا على الخلايا العصبية التي تتواصل عبر التشابكات العصبية.
الدماغ: شبكة معقدة من الاتصالات
لكن الجديد في حالة الدماغ هو أن جميع الخلايا العصبية ترتبط ببعضها بعلاقات اتصال معقدة، حتى أن بإمكانها التفاعل عبر مسافات شاسعة نسبياً. فبكلمات أخرى، يمكن تشبيه الأمر بشجرة في قطر تتفاعل مع أخرى في السعودية، والتي بدورها تتواصل مع شجرة في مصر، مما يعكس مدى التعقيد والترابط في بنية الدماغ.