تونس.. فنون الخط العربي تستعيد جمالياتها العريقة
تستمر العديد من المساجد في الحفاظ على أشكال فنية زخرفية ومخطوطات تعكس الهوية الثقافية للبلاد، التي تجسدت بفن الخط العربي الذي أبدع فيه العديد من الخطاطين.
خطوط عثمانية وأندلسية
يقول الخطاط عمر الجمني إن حركة الخط العربي في تونس بدأت تظهر بين القرنين الثاني والثالث للهجرة في فترة الأغالبة بالقيروان، وتبعتها مرحلة بني زيري التي أطلقت العديد من الكتابات الرائعة على الخشب والرقاق الأزرق والأبيض، مستخدمين خطوط كوفية متنوعة. كما استمر العهد الحفصي بتوظيف الخط الكوفي على العمارة، وصولاً إلى التأثيرات الأندلسية والعثمانية التي رسخت أساليب جديدة في الخطوط مثل الثلث والنسخ.
يضيف الجمني أن الخط التونسي يعد من مشتقات الخط الأندلسي والمغربي، إلا أنه تعرض للإهمال عقب استبعاد التدريس الإسلامي من جامع الزيتونة في أوائل الستينيات، مما أثر سلبًا على تطوير ثقافة الخط. ومع بداية هذا القرن، بدأ الخطاطون التونسيون في استعادة تراثهم وهويتهم الخطية.
تجلى الاهتمام بالخط العربي في تونس من خلال جهود الخطاطين الذين تميزوا في تزيين المساجد والقصور، حيث كتب الخطاطون المصاحف الشرقية بأروع الخطوط وأبدعوا في هذا الفن. كما ظهر تأثير واضح للنسق التركي في كتابة الخطوط في المساجد خاصة بالعاصمة تونس.
يبرز هذا الفن في اهتمام تونس بخطوط المصحف الشريف وبعض الأعمال الفنية البارزة، مثل مصحف المملوك زهير الموجود بالمكتبة الوطنية في تونس.
فن عالمي
تتمتع تونس حاليًا بهيئة رسمية مرجعية للخط العربي، هي “المركز الوطني لفنون الخط” الذي تأسس عام 1994. يهدف المركز إلى حماية فن الخط العربي وتطويره ونشر أساليبه في الوطن العربي والإسلامي.
استمر العديد من الخطاطين في ممارسة هذا الفن، مما أتاح لهم الوصول إلى الساحة العالمية، مثل نجا المهداوي الذي سافر لدراسة الفنون الجميلة وحاز على تعليم متميز في أكاديمية الفنون بجامعة سانت اندريا في روما.
الخط العربي في تونس: إبداع وتنوع
تحول الفنانون التونسيون إلى مختلف الآفاق الفنية، حيث انتقل أحدهم إلى باريس لتلقي تدريبات أكاديمية في المدينة الدولية للفنون. وتركوا بصماتهم في العديد من المعالم، مثل واجهة مسجد الجامعة في جدة، بالإضافة إلى إنجاز أعمال قيمة للعديد من الشركات العالمية.
إنجازات فنية في المتاحف العالمية
تحتفظ أهم المتاحف العالمية، مثل المتحف البريطاني ومتحف سميثسونيان في واشنطن، بعدد من اللوحات والجدارية للفنانين التونسيين. وقد أصدر الفنان المهداوي مؤلفات تتضمن “كتاب الألف” و”فن الكوليغرافيا”، التي تسلط الضوء على فنون الكتابة والتصميم.
موهبة الخط العربي: قصة محمد نجيب الزعلوني
في سياق الحديث عن الخط العربي، يُعتبر محمد نجيب الزعلوني واحدًا من أبرز الخطاطين، حيث اكتشف موهبته في الصغر وساهمت توجيهات أساتذته في صقل مهاراته. وتخصص الزعلوني في رسم الخرائط بشكل يتناغم مع الخطوط العربية، بعد تلقيه تدريباً مكثفاً في معهد تاريخ العسكر والثقافة والإعلام.
الخطوط اليدوية الفريدة
كتب الزعلوني دستور 2014 بخط يده، مستغرقاً ثلاثة أشهر في إنجاز هذا العمل التاريخي. اليوم، يُعتبر متخصصًا في كتابة القرآن، مع التركيز على تطوير أساليب الخط لسهولة القراءة. وأكد وجود عدد من المصاحف المكتوبة بالخط العربي اليدوي في تونس، مشيراً إلى أن كتابة سورة واحدة قد تستغرق سنوات.
أعمال الخط في جميع المحامل
امتدت أعمال الخطاطين التونسيين لتشمل مختلف المحامل، بدءًا من اللوحات إلى الجدران والسجادات. يعد سامي غربي من أبرز الخطاطين في تونس، حيث طور فنونه عبر استخدام أنماط مختلفة مثل الخط المغربي والكوفية، وأدخل لمسات فنية خاصة به عرفت بـ”الخط البنزرتي”.
إحياء الخط العربي بمنهج أكاديمي
على الرغم من أن الخط العربي لم يحظَ بالاهتمام الكافي في تونس في السابق، إلا أنه منذ مارس 2023، تم الإعلان عن مشروع المركز العالمي لفنون الخط ليكون من بين المراكز الرائدة في هذا المجال. سيعمل المركز على تعزيز البحث والدراسات وقد يتضمن قاعات مؤتمرات وفضاءات ورش، مما يسهم في إحياء فن الخط العربي.
مساهمة في الثقافة والفنون
يقدم المركز فرصة لتوثيق وتجميع البيانات حول الخط العربي، وإقامة معارض وندوات لتعزيز الثقافة الفنية. يسعى هذا المشروع إلى الحفاظ على الموروث الثقافي والارتقاء بفن الخط العربي باعتباره جزءاً من الحضارة العربية الإسلامية.