استنفار الإعلام المرئي اللبناني في زمن الحرب
تلعب وسائل الإعلام المرئية في لبنان دورًا حيويًا في تغطية الحرب المستمرة حاليًا. فرضت الأوضاع الراهنة نوعًا من “التجنيد الإجباري” على المحطات التلفزيونية وموظفيها، حيث يقضي العديد منهم نحو 20 ساعة يوميًا في أداء مهامهم. ومن بين هؤلاء، هناك من يرتبط نهاره بليلهم في بث مباشر، بينما يجازف البعض الآخر بحياته للتنقل بين المناطق المتعرضة للقصف. يفضل رؤساء التحرير ومقدمو البرامج الحوارية البقاء في مراكز عملهم، حتى في أوقات الراحة القصيرة، إذ يجدون أن ذلك يمنحهم شعورًا بالارتباط بمهامهم الإعلامية.
مشهد إعلامي محفوف بالمخاطر
يقول وليد عبود، رئيس تحرير الأخبار في تلفزيون “إم تي في” المحلي، إن الإعلام اللبناني في هذه الفترة يعيش حالة استثنائية، نظرًا لعدم وجود محطات إخبارية متخصصة، مما يجعل تعاملهم مع البث المباشر الذي يمتد لـ 18 إلى 20 ساعة يوميًا تحديًا كبيرًا. لكن الخبرات السابقة، مثل تلك المتعلقة بحراك 17 أكتوبر (تشرين الأول) وانفجار مرفأ بيروت، ساهمت في تعزيز قدراتهم على الوفاء بمسؤولياتهم خلال هذه الأوقات الصعبة.
ويضيف عبود “لم نفاجأ باندلاع الحرب بعد 11 شهرًا من المناوشات، وقد توقعنا توسعها. كان واضحًا حتى للمراقب المتابع للإعلام الإسرائيلي”.
رؤية سوريالية للحرب
من جانب آخر، يشير الإعلامي جورج صليبي من محطة “الجديد” إلى أن مشهد الحرب الحالي يختلف تمامًا عن المشاهد السابقة، مشبها إياه بأفلام الخيال العلمي التي لم نكن نتخيل أنها قد تصبح واقعًا. ويصف الأحداث بكلمات تتضمن تفجيرات واغتيالات ودمار شامل يضع الجميع في حالة صدمة.
تنافس المحطات الإعلامية
مع تفاقم الأحداث، يظل اللبنانيون متابعين الأخبار عبر التلفزيونات، مما خلق تنافسًا بين المحطات للحصول على أكبر عدد من المشاهدين. تعمل المحطات على استضافة محللين سياسيين ويربطون بالمراسلين لمتابعة الحدث أولًا بأول، مما يجعل كل محطة تسعى لتقديم أحدث الأخبار بالصوت والصورة.
يوضح عبود أن المحطات أصبحت اليوم تعتمد على مراسلين معتادين على الظهور، حيث تتبدل المعادلة في زمن الحرب، ويصبح هؤلاء المراسلون أكثر بروزا. ويشدد على أولوية سلامة المراسلين، حيث يتم تدريبهم وتعليمهم كيفية التعامل مع المخاطر المحيطة.
التحديات اليومية للمراسلين
إدمون ساسين، مراسل قناة “إل بي سي آي”، يشير إلى أن مهمته الحالية تعتبر من الأكثر خطرًا، موضحًا أن وجود خطوط حمراء أو مناطق قتال محددة قد زال، مما يجعل من الصعب تحديد الأمان في هذه الظروف. يتجاوز التحدي تأمين المعلومات الدقيقة من قلب الحدث.
يسلط ساسين الضوء على الصعوبات في الحصول على المعلومات حول التوغلات البرية للجيش الإسرائيلي، حيث يعتمد المراسلون أحيانًا على مصادر محلية للحصول على الحقائق الدقيقة.
إن الصورة السلبية للحرب اللبنانية تظهر جلية في المتابعة الإعلامية، مع الطموح إلى تقديم أخبار دقيقة وموضوعية في أوقات مناخية شديدة الاضطراب.### تحديات الإعلام في زمن الحرب
يُعتبر نقل الأخبار الدقيقة من المهام الصعبة للغاية، فهو يتضمن أخبار الكمائن والأسر، بينما يواجه الإعلاميون صعوبة في الحصول على هذه المعلومات. لذا، يتوجب عليهم توخي الحذر عند نقلها.
لبنان يستحق التضحية
وفي السياق، يتحدث المراسل في تلفزيون “الجديد” محمد فرحات بحزم عن مهمته الخطرة. وكان محمد ضمن الفريق الإعلامي الذي تعرض لقصف مباشر في مكان إقامته في بلدة حاصبيا، حيث فقد زملاء له وعاش تجربة قريبة من الموت، كما يصف. ويقول: “أصبت بحالة إنكار لما كنت أواجهه من مخاطر. كان كابوساً لم أتمكن من استيعابه في حينه. وعندما فتحت عيني، تساءلت للحظة: أين أنا؟”. ويضيف فرحات: “تجربتي كإعلامي خلال هذه الحرب كانت مؤثرة جداً، على المستويين الشخصي والمهني. من الصعب أن أتعافى من جروح هذه الحرب، لكنني لن أستسلم أو أفكر في مغادرة الساحة؛ لأن لبنان يستحق منا الكثير”.
الحاجة إلى العلاج النفسي الجماعي
في هذه الحرب، لا توجد إجازات أو أيام راحة، فالإعلاميون متواجدون في مواقعهم في حالة استنفار. لكن، ماذا سيحدث بعد انتهاء الحرب؟ هل سيحملون في جعبتهم جراحاً عميقة؟
تؤكد الاختصاصية النفسية الدكتورة سهير هاشم على أن الإعلاميين يواجهون ضغوطًا شديدة، وخاصة المراسلون. هؤلاء قد لا يتمكنون من إدراك تأثير الضغوط النفسية عليهم في الوقت الحالي، لكن عند انتهاء المعارك، قد يكون الأمر كارثياً. ولذا، يستلزم الأمر توفير الدعم والمساندة المستمرة من الإدارات التي يعملون بها. وتضيف الدكتورة هاشم: “هناك حاجة ملحة لإخضاعهم لجلسات علاج نفسي، والأفضل أن تكون تلك الجلسات جماعية. العلاج الموسمي لن يكون كافيًا، حيث سيمكنهم الدعم المتبادل من تفهم تجارب بعضهم البعض بشكل أفضل”.