ولم يتيح الشبكة المالية للحركة فقط الاستمرارية ولكنها جعلتها أغنى وأبرز فروع جماعة القاعدة على مستوى العالم، بحسب ستيفن تاونسند القائد السابق للقوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم).
ووفقًا لوزارة الخزانة الأميركية، فإنه يتم تحقيق أرباح سنوية تزيد عن 100 مليون دولار من خلال الحركة، وهو رقم بارز خاصة مقارنة بإيرادات الحكومة الصومالية المحلية في عام 2022 التي بلغت 250 مليون دولار، مما يسلط الضوء على حجم ونجاعة آليات تحصيل الأموال التابعة للجماعة.
الجباية والتصدق
تمثل الجباية إحدى الموراد الأساسية التي تموِّل مالية الجماعة، ووفقًا لتقرير أممي صدر في عام 2021، فإن هذه الجباية تشمل أربعة مجالات رئيسية: الزراعة والسيارات والبضائع والماشية.
تدير الشباب وحدتين رئيسيتين لتحصيل الجباية من المواطنين، مكتب الصدق المخصص لتحصيل الجبايات غير النقدية مثل الماشية والمنتجات الزراعية، بينما يقوم مكتب المالية بجمع جميع الجبايات النقدية.
تُظهر دراسة نشرها مركز “هيرال” في مقديشو أن التصدق يتم جمعه من الأشخاص المعيَّنين من قِبل الحركة بمساعدة شيوخ العشائر؛ ويُعتبر شهر رمضان الموسم التقليدي لتحصيله.
المسؤولون عن التحصيل يُصدرون إيصالات للمواطنين؛ وأما الذين يفقدون إيصالاتهم فيتعين عليهم دفع الجباية مجددًا في العام التالي، لضمان عدم تهرب المواطنين الذين لم يكونوا في المناطق التي تتحكم فيها الحركة خلال العام السابق من دفع التصدق.
أما المكتب المالي فيقوم بتحصيل كافة الجبايات النقدية، بما في ذلك التصدق النقدي المحدد بنسبة 2.5% من القيمة النقدية للأعمال حسب تقييم من محاسبي الحركة، حيث يُطالب بدفع التصدق السنوي لمكتب المالية نقدًا في نهاية العام.
وفي المناطق التي لا تقع تحت سيطرة الحركة، يتم جمع الجبايات بطرق متنوعة، مثل استدعاء أصحاب الأعمال من قِبل مسؤولي الشؤون المالية في الحركة للحضور والدفع، أو التوقف عن شاحنات نقل البضائع في نقاط تفتيش تابعة للجماعة خارج الأحياء واضطرار التجار للدفع.
بالإضافة إلى ذلك، تعتمد الحركة على شبكة واسعة من المراقبين لتوفير معلومات حول التجار الذين لا يتبعون طرقًا تمرّ بها الجماعة، حيث يُجبرون على الدفع تحت تهديد الاستهداف؛ وفي حالة الرفض، يقوم المكتب الأمني التابع للجماعة بفرض عقوبات تتراوح بين إغلاق الأعمال والقتل.
على الرغم من صعوبة الوصول إلى أرقام دقيقة حول قيمة الجبايات التي تحصل عليها الحركة، فإن الحسابات التي أجراها مركز “هيرال” المختص بالشؤون الأمنية تشير إلى أنها لا تقل عن ٣.٥ مليون دولار من مقديشو وحدها.
نقاط التفتيش
تعد أحد المصادر الرئيسية للدخل لحركة الشباب هي فرض الجبايات على السيارات والبضائع التي تمر عبر نقاط تفتيش متواجدة في مختلف مناطق الصومال، بما في ذلك بعض المناطق التي تديرها حكومات مختلفة.في معتمد من الأمم المتحدة، يُقدَّر أن فريقه يدير نقاط عددها 100.
تتألف هذه الشبكة من مراكز دائمة وشبه دائمة ومتنقلة، مما يُمكِن حركة الشباب من تكييف أساليب التجميع وفقًا لظروف الميدان.
يُعتبر من الصعب التهرب من دفع الرسوم عبر هذه النقاط بسبب الشبكة الكبيرة من المخبرين الذين يقومون بجمع المعلومات لصالح الحركة ويُطلِعون السائقين الذين يُحاولون اتخاذ طريق بديل على مجريات الأمور، ومما يؤدي إلى فرض غرامات لا مجال للمساومة بحقهم.
تتراوح قيمة الضريبة للشاحنة الواحدة بين 500-1000 دولار في كل مرة تستخدم فيها هذا الطريق. ويُقدَّر تقرير أممي أن ما تُحقِقه نقطة جسر كاسوما وحدها من أرباح يتراوح بين 15 ألفا إلى 30 ألف دولار يوميًا.
التحصيل من الموانئ
تُعد الموانئ من أهم مصادر التحصيل المالي للحركة التي تستفيد من تواجدها داخل أقسام الموانئ للحصول على معلومات حول الشحن وتقديمها عن الشركات وتداول ما تستورده وتصدره، مما يُمكِنها من فرض ضرائب لا فقط على التوريدات والصادرات بل تمتد هذه الفرضيات إلى البضائع المارة عبر الشريان الحيوي من الموانئ والشركات وإليها.
ووفقًا لتقرير أممي صادر في عام 2022، قد استوردت إحدى الشركات 8 آلاف طن من المواد الغذائية عبر ميناء مقديشو في بداية عام 2021، وخلال 10 أيام من وصول الشحنة، تلقّت الحركة اتصالًا هاتفيًا من الشركة وطالبتها بسداد ضريبة تزيد عن 30 ألف دولار.
وكشف التقرير عن حجم هذه الضرائب من خلال ما تم تحصيله في شهر يوليو/تموز 2021 من ميناء كيسمايو جنوبي الصومال والذي ارتفع إلى 34 ألفا و200 دولار أمريكي.
الجوال في خدمة الحركة
تُعتبر التحويلات الهاتفية أحد الوسائل الرئيسية التي تستغلها الجماعة لتنقل الأموال. ووفقًا لتقرير صادر عن البنك الدولي، يعتمد أكثر من 70% من السكان على خدمات الأموال عبر الهاتف المحمول، حيث تتم أكثر من ثلثي عمليات الدفع في الصومال عن طريق منصات الأموال التي تعمل عبر الهاتف المحمول، وتصل عدد المعاملات الشهرية عبر هذه الوسيلة إلى 155 مليون عملية بقيمة تُقدَّر بحوالي 2.7 مليار دولار.
تستفيد الحركة من سهولة عمليات التحويل عبر الهاتف المحمول ومن ضعف البنك المركزي في فرض رقابته على هذه العمليات بسبب نقص الموارد. فكل ما يحتاجون إليه هو شريحة هاتفية لتنفيذ عمليات التحويل بشكل مباشر.
إلى جانب حسابات مصرفية تابعة لبعض أفراد الجماعة، فإن التعامل النقدي هو الطريقة الأكثر انتشارًا، حيث يتم جمع الرسوم الضريبية بشكل نقدي ونقلها بنفس الطريقة.
اختراق المؤسسات
قامت الحركة بالتسلل إلى المؤسسات الحكومية، بما في ذلك تلك المسؤولة عن الرسوم وغرف الصناعة والتجارة في الصومال، مما يتيح لها الوصول إلى معلومات كافية لاستغلال التجار ورجال الأعمال والمجتمعات المحلية.
ووفقًا لإفادة عضو سابق في الحركة لصوت أميركا، يتم هذا الاختراق عبر طرق متعددة، بما في ذلك إشراك أحد أتباع الحركة في المؤسسة المستهدفة، أو تجنيد أحد العاملين في تلك الجهات مقابل مبلغ شهري.
قد يتعمق الاختراق حتى إلى الأجهزة المعنية بالأمن حيث سبق أن وُجِّهت اتهامات لمسؤولين في مؤسسات حيوية مثل مطار مقديشو وجهاز الاستخبارات الوطني بالتعاون مع الحركة.
إن هذا الاختراق لا يقتصر على تجميع المعلومات فقط، بل يخلق جوًا من الرعب الذي يجبر المواطنين على الامتثال لمطالب الحركة، حيث يشعرون بفشل الحكومة في حمايتهم عندما يرفضون الدفع، كما يخشون الإبلاغ عن أعضاء الحركة نتيجة لاتساع شبكتها من العناصر والمخبرين وزيادة مستوى التسلل. وهذا ما يجعلها ناجحة في ابتزاز الشركات والأفراد في بعض المناطق بدون الحاجة إلى سيطرتها عسكريًا.
تجفيف المصادر المالية
تشير العديد من
تحديات أمام السلطات
يواجه السلطات الصومالية عدة تحديات في جهودها للتصدي للأنشطة الاقتصادية للحركة، حيث يشعر الموظفون في المؤسسات المالية بالخوف من ردود فعل الحركة إذا قاموا بالإبلاغ عن أنشطتها، ويهدد انتشار الولاءات العشائرية والقبلية داخل الحكومة فعالية الإجراءات، إذ ينبت الفساد من الطبقة الحاكمة المحلية.
في مايو/أيار 2022، أصدر المركز الصومالي لتقارير المالية وثيقة حكومية تقييمية للمخاطر الوطنية المرتبطة بكشف وتقييم وفهم خطر غسيل الأموال وتمويل الإرهاب في الصومال، ونفذ إجراءات منسقة لخفض تلك المخاطر بنجاح.
يظهر هذا التقييم أن الصومال تواجه صعوبة في تسريع التحقيقات في غسيل الأموال وتمويل الإرهاب بسبب التفاعل المشتت بين الوكالات المختلفة، ونقص القدرة على التحقيق داخل المركز المالي والوكالات الأخرى، بالإضافة إلى أن المحكمة العسكرية التي تحاكم ممولي الإرهاب تتهم في بعض الأحيان بانعدام الالتزام بمعايير المحاكمة الدولية العادلة.