من كولومبوس إلى الفراعنة.. هل يعيد فحص الحمض النووي قراءة تاريخ البشرية؟
في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أكدت نتائج دراسة علمية قديمة تتعلق بسرد ملحمة إسكندنافية، تشير إلى إلقاء جثة رجل في بئر مياه بقلعة سفيرسبورغ بالنرويج لتلويث مصدر مياه الشرب.
عند فحص بقايا عظام الرجل المستخرجة من البئر المجاورة لآثار القلعة، تم إجراء تسلسل الحمض النووي، ليظهر أن القصة ليست مجرد أسطورة. فعند مقارنة الحمض النووي، تم التأكد من أن هذه البقايا تعود بالفعل لذلك الرجل المذكور، وهناك صلة وثيقة بين حمضه النووي وسكان جنوب النرويج القدماء.
دراسة كولومبوس
هذا المثال يبرز الأهمية المتزايدة لدراسة الحمض النووي القديم في إعادة صياغة التاريخ البشري. في الآونة الأخيرة، بُحثت دراسة جينية استمرت على مدى 20 عامًا، تشكك في الهوية التقليدية للمستكشف كريستوفر كولومبوس، حيث يزعم مؤلفها أن كولومبوس كان إسبانيا يهوديا، وهو ما يتعارض مع الرواية السائدة التي تقول إنه إيطالي من جنوة.
تشارك في هذه الدراسة عالم الطب الشرعي الإسباني خوسيه أنطونيو لورينتي، الذي أعلن الاكتشاف في فلم وثائقي صدر في 12 أكتوبر الماضي. ومع ذلك، فإن العديد من العلماء اعترضوا على النتائج المعروضة في الفيلم، مؤكدين أن الحكم على صحتها يتطلب نشرها في مجلات علمية مدققة.
دور الحمض النووي في التاريخ
في تصريحه للجزيرة نت، أوضح مايكل مارتن، الأستاذ بقسم التاريخ الطبيعي في جامعة العلوم والتكنولوجيا النرويجية، أن الحمض النووي “يستخدم كأداة قوية في العمل الجنائي، لكنه يمكن أن يقدم أيضًا معلومات دقيقة حول الشخصيات التاريخية”.
وأشار مارتن إلى إمكانية استخدام هذه المعلومات لوصف الصفات الجسدية للأفراد التاريخيين وتحديد المشاكل الصحية التي عانوا منها، إضافة إلى إمكانية التعرف على مسببات الأمراض التي كانت تتواجد في أجسامهم عند وفاتهم.
يعرب مارتن عن اعتقاده بأن استخدام الأدلة الجينية وأدلة الهيكل العظمي وأدلة النظائر المشعة، سيساهم في تعزيز الأبحاث التاريخية مستقبلًا، حيث يمكن من خلال التحليل العلمي لبقايا الهياكل العظمية الحصول على معلومات موضوعية تتعلق بظروف حياتهم، والمشاكل الصحية التي عايشوها.
تاريخ الهجرات والتحديد الجيني
ووفقاً لمارتن، فقد تم تطبيق هذه الطرق العلمية بشكل متكرر خلال السنوات العشر الماضية، لأي العلماء الذين استخدموا الحمض النووي القديم لإعادة بناء دقيقة لتاريخ الهجرات في أوروبا.
معلومات إضافية عن الشخصيات التاريخية
ناقش الباحث بمعهد ويلكوم سانجر لأبحاث الجينوم أهمية هذه الدراسات وكيف يمكن أن تُحدث تغييرًا جذريًا في فهمنا لتاريخ البشرية.
### فحص الحمض النووي: أداة لفهم العلاقات الجينية
أفاد كريس تايلر سميث في تصريح له بخصوص فحص الحمض النووي أنه يعمل على تقديم معلومات قيّمة تتعلق بالعلاقات الجينية. يتعلق الأمر بالتواصل مع أفراد الأسرة المحتملين، أو الأجداد، أو حتى الأحفاد، بالإضافة إلى العلاقة مع المجتمعات بشكل عام.
### تطبيقات تاريخية لفحص الحمض النووي
يمكن الاستفادة من هذه التحاليل للحصول على معلومات عن شخصيات تاريخية معينة، شريطة توفر بيانات حمض نووي قديم تعود لأفراد عائلتهم أو لمجتمعهم في تلك الحقبة. يشدد كريس على دقة علم الوراثة والجينات، مشيرًا إلى أن الاستنتاجات المتعلقة بالعلاقات الجينية يُـمكن الاعتماد عليها في البحث التاريخي.
### أهمية المنهج العلمي في العلاقات التاريخية
يوضح كريس أن مثل هذه الأبحاث تتطلب مقارنة الحمض النووي للشخصيات التاريخية مع بيانات لأشخاص آخرين أو سكان ذوي صلة تاريخية. يعد فحص الحمض النووي واحدًا من عدة أدوات للبحث التاريخي، وقد يؤدي في بعض الحالات إلى اكتشافات مذهلة. مع ذلك، يحذر من أن المعلومات المستخلصة تدور حول العلاقات الجينية فقط، وقد لا تشير بالضرورة إلى علاقات جغرافية أو عرقية.
![جائزة نوبل في الطب عام 2022 ذهبت إلى العالم السويدي سفانتة بابو لأبحاثه عن جينومات قديمة جدا (منصة نوبل)](https://www.alarabiyanow.com/wp-content/uploads/2024/11/1732420703_462_من-كولومبوس-إلى-الفراعنة-هل-يمكن-لتحليل-DNA-إعادة-تفسير.jpg)
### أبحاث بارزة في الحمض النووي القديم
يؤكد الدكتور محمد البرلسي، الباحث في جامعة هارفارد، على الأهمية الكبيرة لدراسات الحمض النووي القديم، مشيرًا إلى أن جائزة نوبل في الطب لعام 2022 تم منحها للعالم السويدي سفانتة بابو لأبحاثه في مجال الجينومات القديمة. استطاع بابو، من خلال أبحاثه الرائدة، تسلسل جينوم إنسان نياندرتال، وهو نوع منقرض يرتبط بالإنسان الحديث، مما أدى إلى ظهور مجال علمي جديد يعرف بعلم الجينوم القديم.
### دراسات تاريخية تثري المعلومات الجينية
يضيف البرلسي أن هناك العديد من الدراسات التي اعتمدت على الحمض النووي وقدمت معلومات تاريخية قيمة، مثل دراسة القرن ريتشارد الثالث وكذلك دراسة أصل المصريين والتي استندت إلى الحمض النووي للمومياوات المصرية القديمة.
منذ عام 2017، تمكن يوهانس كراوس، عالم الوراثة بمعهد ماكس بلانك لعلوم تاريخ البشرية في ألمانيا، من استخراج الجينات المصرية القديمة، مما سمح لفريق من المتخصصين بإجراء تحليل شامل للطبيعة الجينية للمصريين القدماء.
### المصدر
المصدر: الجزيرة