المتأني يصل للهدف
هناك مقولة شعبية معروفة في بلاد المغرب تقول: “المتأني يصل للهدف”، أي أن الشخص الذي يبدي الصبر، يتمكن في النهاية من تحقيق أهدافه، وهذه المقولة تعكس تحديات الرحلة، عندما تغمر العواصف الرملية القافلة، يجب على أفراد القافلة الاحتفاظ بمكانهم حتى تهدأ العاصفة وتتضح الرؤية.
“لعبة خطيرة”: تحذيرات من انفصال “الريف” و”القبايل”
نحن اليوم في عالم مليء بالتحولات الجذرية التي شهدها العالم، والتي لم تشهد مثيل لها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. من الصواب عدم التسرع في اتخاذ القرارات العاجلة أو العاطفية أو الردود الفورية. خطأ كبير هو التفكير داخل إطار قوالب قديمة في عالم جديد، أو العيش في الشكليات القديمة.
هذه الورقة التمهيدية هي بمثابة بوابة لحدث غير مسجل في واقع الأمر، والذي قد لا يكون التعبير الأمثل لمواكبة التحولات الجديدة. إنها إعلان عن بزوغ “جمهورية الريف” في العاصمة الجزائرية، في حي السفارات، متضمناً تفاصيل من “رسم” و”طقوس”، بما في ذلك “النشيد الوطني بتاريفيت” و”العلم” و”بيان التوجهات”.
دعم فكرة الانفصال هو لعبة خطيرة لها عواقب غير محسوبة، إذا تم التساهل معها، فقد تهدد الهويات الاجتماعية في الجزائر والمغرب، وتسبب في نشوء حروب أهلية في كل بلد، وصراعات لا تنتهي بين العرب والأمازيغ
مخاطر الانفصال: تفجير عالم الحركات السلمية
ليس من الضروري أن يكون الإنسان متخصصاً في مجال معين أو خبيراً في موضوع معين، ولكن يكفي أن يستخدم المنطق السليم ليرى كيف يخدم هذا الإعلان، استراتيجيًا، مصلحة الجزائر، كما يسمونها الخبراء بـ “استنتاج سليم” بحق ظهور “جمهورية الريف”. إقامة انفصال “ناجح” سيكون دافعا للحركات الانفصالية الناشئة، ومن السهل استغلالها إذا توفر التغطية الإعلامية وتأطير الجراح الوطنية، وتوفر المختبرات الفكرية، وتدور الأحداث المفبركة، ويحظى بالدعم الدولي.. إنها تفجير لعالم مليء بالحركات السلمية التي تدعو لحقوق ثقافية “مشروعة للغاية” وتنتهي بالدماء والدعوة للانفصال.
حوارٌ ضروريٌّ في زمنِ التحولاتِ الكبرى:
في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها العالم، الحوار بين الجزائر والمغرب يمثل تحديًا هامًا، ويتطلب تفكيراً عميقًا في تلك التحولات الكبيرة، والسعي لتحقيق تقدم يخدم شعوب المنطقة والعالم العربي، كما حدث في الماضي بعد التحولات في أوروبا الشرقية نهاية القرن الماضي التي أثرت على البلدين.
من الانفراجِ إلى التوترِ: مسارُ العلاقاتِ المغربيةِ الجزائريةِ
في ذلك الزمن، استأنف المغرب علاقاته الدبلوماسية مع الجزائر، وحضر الملك الراحل الحسن الثاني قمة الدول العربية في الجزائر في يونيو 1988، وجرى لقاء زرالدة في أعقاب القمة. لكن الآن نحن لسنا في منطق العلاقات الدبلوماسية، بل نحن على العكس من ذلك.
مخاطرُ الانفصالِ: تهديدٌ للمنطقةِ العربيةِ بأكملِها
إعلان “جمهورية الريف” داخل الحدود المعترف بها دوليا للمغرب لن يعود بالفائدة على المنطقة ولا على العالم العربي ولا على الجزائر، وكذلك دعوة لتقرير مصير “شعب القبايل” لن تعود بالنفع على المنطقة ولا على العالم العربي ولا على المغرب.
انتقادٌ لتصريحِ سفيرِ المغربِ لدى الأممِ المتحدةِ
لم أتردد في انتقاد تصريح سفير المغرب لدى الأمم المتحدة عمر هلال حينما أبرأ شعب “القبايل الأبي” من التصريح بحق تقرير مصيرهم، في مواجهة نظيره الجزائري – (14 يوليو 2021) – وأبديت رأيي في هذه المسألة في سياق دولي آخر.
ومن الواضح أن الملك محمد السادس قد خصص خطاب العرش بالكامل للعلاقات بين المغرب والجزائر (30 يوليو 2021)، حيث أكد أن الشعبين ليسا فقط شقيقين وإنما “توأم”، وأن الشر لن يأتي من المغرب، وهذا هو الرأي الذي تؤكده الخطابات الرسمية الجزائرية عن المغرب: الشر لن يأتي من الجزائر. هل نحكم بالخطابات أم بالأفعال؟
من الواضح أن لمنطقة القبايل في الجزائر خصوصيتها الثقافية، ولكنها كانت جزءًا مهمًا من الصراع من أجل الاستقلال، وكانت حجر زاوية في هذا الصراع. اتبع بعض قادتها خيارات سياسية مختلفة بعد الاستقلال عن تلك التي اتبعتها الجزائر. ومع ذلك، فإن فكرة الانفصال كانت بعيدة المنال وليس لها قاعدة داعمة، ولا تحظى بدعم شعبي.
كذلك يمكن القول نفس الشيء عن منطقة الريف في المغرب، لديها ثقافتها الخاصة وكانت محور تحرك الأمير عبد الكريم الخطابي لتحرير الريف أولاً وتوجيه قواته للمنطقة التي كانت تحت الاستعمار الفرنسي.
لا ينبغي نسيان أن الاحتلال الاستعماري قسم المغرب مثلما يُقسم الفيء، بين فرنسا وإسبانيا، مع وجود منطقة دولية في طنجة. اندلع الصراع في الريف نتيجة التقسيم الذي خضعت له المغرب وسياسة إسبانيا والتأثير الذي خلفته.
لا شك أن منطقة القبايل في الجزائر اُختبأت تحت قشة الثقافة، لكنها شهدت اضطرابات كبيرة بعد وفاة الناشط ماسينسة كرماح (أبريل 2001)، الذي أدى إلى ما عرف بالربيع الأسود، وكذلك بعد وفاة بائع السمك محسن فكري في الحسيمة (أكتوبر 2016)،كانت الشرارة التي أشعلت حركة الريف. لم يكن الانفصال هو الهدف في كلا الحالتين.
مساندة الانفصال تعتبر لعبة ذات تبعات غير متوقعة، حيث إذا تم التهاون معها، فإنها قد تهدد الترابط الاجتماعي في المغرب والجزائر، وتكون شرارة لحروب أهلية في كل دولة، وتولد صراعًا لا ينقطع بين العرب والأمازيغ، ويكون كبركان ينثر رماده في المنطقة، ويشوه الوضع في حوض البحر المتوسط.
كنا نفرح في بلاد المغرب بتلاحم الدين والفقه، حيث لم يكن قادة الأمازيغ ينظرون إلى مصير بلديهم خارج الوحدة، من الأمير عبد الكريم الخطابي، أو الحسين آيت أحمد، أو محمد بنسعيد. هل نحن الآن مع نفس المعايير، ليس التوجهات؟
نداءٌ إلى أصحابِ القرارِ لوقفِ دورةِ الردودِ والمزايداتِ
لا ينبغي التركيز هنا فقط على صانعي الرأي في البلدين، بل يجب التوجه بالحديث إلى أصحاب القرار بشكل خاص من أجل وقف دورة الردود والمزايدات. هناك برودة بين البلدين يجب التعامل معها بشكل واقعي، كما يفعل الطبيب عندما يسعى للحيلولة دون تفاقم المرض، لكن التهور بممارسة الضغوطات بشكل دولي يعرض الأمور للخطر، من دعم الانفصال والتدخل في الشؤون الداخلية، وتجاهل التزامات القانونية الدولية، وهي لعبة خطيرة بتبعات غير متوقعة.
أعمال الحكماء تبعث على الهدوء وتبتعد عن اللعب، لكن من الأسف الشديد أن الذكاء الفردي يستخدم بشكل غير مناسب عندما لا يُسهم في الصالح الجماعي. وهذا من بين مصائبنا الكثيرة.
الآراء المطروحة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن موقف قناة الجزيرة التحريري.