“أجواء مشحونة بالحيوية: صعود وهبوط السينما في المغرب”
يتذكر عمر إدريسي، الذي عاش تجربة سينما الريف في طنجة، كيف كانت الأيام مضيئة في تلك الحقبة حيث كان التدخين مسموحًا به، وكان الدخان يرحب بالزوار عند دخولهم.
تطور الأسعار وتغير الثقافات السينمائية
كانت تذاكر السينما في السبعينيات تكلف درهما واحدا (0.10 دولار)، أما الآن فقد ارتفعت لتصل إلى حوالي 50 درهما (5 دولارات). وبالرغم من وجود مشروبات غازية بسعر 15 درهما (1.5 دولار)، إلا أن الأسعار أصبحت عقبة للمشاهدين.
“في ذلك الوقت، كنا نجلب كراسي خاصة لنا، لأنه لم تكن هناك مقاعد ثابتة. ورغم بساطة المكان، كنا نستمتع بأوقاتنا”، يضيف إدريسي بدفء وابتسامة.
فترة الازدهار السينمائي في المغرب
تعتبر الفترة الموصوفة على أنها ذروة السينما المغربية، إذ كانت هناك حوالي 240 دار سينما عام 1980 تستقبل حوالي 42 مليون تذكرة سنويًا – رقم كبير لحجم السكان آنذاك.
يتذكر الصحفي أحمد بوغابة كيف كان يقضي وقتًا طويلًا في طوابير شراء التذاكر، مؤكدًا على الأسعار المرتفعة في السوق السوداء.”إذا تأخرت، كان عليك دفع المزيد في السوق السوداء” يضيف بوغابة.
الباعة في السوق السوداء كانوا يجمعون تذاكر الأفلام الشهيرة ويبيعونها بأسعار مرتفعة، مختبئين في زوايا الشوارع لتفادي انتباه السلطات.
تتذكر نجوى الهيثمي، صاحبة صالة عرض في طنجة، كيف كانت دور السينما تجمع الشباب والمراهقين في الماضي، معتبرةً أنها كانت ملتقى ثقافيًا حيويًا.
وفي نهاية المطاف، تعكس التجارب الشخصية لعشاق السينما واقعاً معقداً من الصعود والهبوط الذي شهدته السينما المغربية، ولا تزال آمال العودة إلى تلك الأوقات السعيدة حاضرة في الأذهان.
### سينما لوتيسيا: أيقونة ثقافية في الدار البيضاء
تعتبر لوتيسيا رمزاً من رموز السينما المغربية، حيث تم افتتاحها لأول مرة في عام 1953. وتروي أسماء المدير، التي قدمت العرض الأول لفيلم “أم كل الأكاذيب”، أن والدَيها كانا قد تعارفا في ذات السينما، ما يضيف بعداً عاطفياً لتاريخ هذا المكان.
### ذكريات السينما وتنوع الثقافات
تتحدث الهيثمي عن دور السينما في التعريف بشعوب وثقافات أخرى، مشيرة إلى مشاهدتها للأفلام الهندية والأمريكية، لتبرز أهمية هذه الأماكن كمراكز للترفيه والتعلم. ويتذكر بوغابة كيف كانت رحلاته من الرباط إلى الدار البيضاء لحضور العروض محاطة بأجواء من الإثارة والحماس.
### انحدار دور السينما
شهدت دور السينما في المغرب انحداراً ملحوظاً منذ نهاية الثمانينيات، حيث أغلقت العديد من صالات العرض الشهيرة مثل سينما روكسي وسينما باريس في طنجة. ومع حلول عام 2011، أصبحت هذه دور السينما قديمة الطراز، مما أدى إلى تراجع شعبيتها في ظل توفر وسائل ترفيه جديدة مثل التلفزيون والبث عبر الإنترنت.
### إعادة إحياء السينما
رغم الصعوبات التي واجهتها، تمكنت سينما لوتيسيا من الصمود. يشير بنجلون إلى أن الحالة المزرية للمبنى كانت بسبب نقص الأموال اللازمة للتجديد. ومع ذلك، تلقى المركز السينمائي المغربي موارد مالية لإنعاش السينما، وشهدت “لوتيسيا” ترميمًا جذريًا يعيد إليها بريقها.
### عودة الحٌيوية إلى السينما
في الوقت الحالي، تستعيد السينما بريقها، مع ديكورات آرت ديكو الأصلية، وأجهزة عرض تاريخية تعرض أمام قاعة العرض. وقد تم ترميم سينما الريف أيضًا بنفس الطريقة، مما يعكس تصميمًا معماريًا مميزًا.
### مقهى وتمكين ثقافي
تعزز المقاهي الموجودة خارج دور السينما الحياة الاجتماعية، حيث يجتمع الزوار لتناول المشروبات واستذكار الذكريات. يعبر إدريسي عن مشاعره تجاه المكان، مؤكداً أنه يحمل الكثير من تفاصيل الماضي ويجذب جيل الشباب الحالي.
### جيل جديد من المبدعين
شمس الدين نواب، المدير الفني لسينما الريف، يسعى لإعادة روح السينما، فتحت إشرافه، يعود المكان ليكون مركزًا ثقافيًا حيويًا يستقطب الزوار ويشجع على الإبداع، وهو يعمل الآن على كتابة أول سيناريو له.
تسجل هذه الرواية لفصول ازدهار وانحدار السينما المغربية قصة متكاملة عن الهوية الثقافية والتغيرات الاجتماعية، مما يجعلها واحدة من القطع الأثرية الحية في التاريخ الحديث للمغرب.
### إحياء تجربة السينما المغربية
“عندما كنت مراهقًا، كانت معظم دور السينما قد أغلقت أبوابها. نشأت وأنا أشاهد الأفلام على التلفاز وأشتري الأقراص من المحلات المحلية.. إن ترميم أماكن مثل سينما الريف أعطاني فرصة حقيقية لتجربة ثقافة السينما”، Quote يعكس الشغف المتجدد للجيل الجديد.
### تجديد سينما رينيسانس
أُغلقت سينما رينيسانس في الرباط عام 2006 وظلت مغلقة لعدة سنوات، لكن تم تجديدها وإعادة افتتاحها بشكل كامل عام 2017 كمركز ثقافي متعدد الأغراض. وفقًا لمروان فشان، المدير التنفيذي للسينما، “قبل أعمال التجديد، كانت القاعة مكتظة، وكانت حالتها متدهورة”.
وتمت عمليات تجديد داخل وخارج المبنى مع الحفاظ على لمسات فن الآرت ديكو، وحاليا توفر السينما 350 مقعدًا، ما يتيح مساحة أكبر ووسائل راحة حديثة.
### التكيف مع احتياجات الحاضر
أكد فشان على ضرورة التكيف مع الأذواق الحديثة، حيث تحولت دور السينما إلى “مراكز ثقافية متعددة الأغراض”. فهي تستضيف العروض السينمائية بجانب النقاشات وحفلات الموسيقى والمهرجانات.
“من المهم أن نميز دور السينما عن خدمات البث والتلفزيون”، يقول فشان. ويضيف أنه بالرغم من عدم وجود دور سينما في مدينته مكناس، إلا أن أصدقائه يسافرون ليشاهدوا الأفلام، مما يبرز أهمية السينما كوجهة ترفيهية اجتماعية.
### دور السينما في تعزيز الثقافة المحلية
تعتز سينما رينيسانس بتقديمها منصة للنقاشات وتبادل الأفكار، وتعتبر مهرجاناتها السينمائية من الأحداث البارزة في الساحة الثقافية. خلال مهرجان الفيلم الإيطالي في سبتمبر 2022، عُرضت مجموعة من الأفلام المستقلة، مما أدى إلى حوارات مثمرة حول مواضيعها.
كما تكونت فرص لتعزيز الصناعة السينمائية المحلية من خلال عروض أفلام مستقلة، مثل فيلم “صوت بربريا” الذي يسرد قصة موسيقيين يسافرون في شمال أفريقيا لاكتشاف الموسيقى الأمازيغية.
في مدينة الدار البيضاء، عرضت سينما لوتيسيا مجموعة من الأفلام الجديدة سواء المحلية أو المستقلة، مما يعني أنَّ كل هذه الجهود تهدف إلى تعزيز المشهد الثقافي، والذي لا يهدف فقط لإحياء اهتمام الجيل الأكبر سناً، بل يلبي أيضًا احتياجات الجيل الجديد.
ويؤكد فشان على أن التحولات الحاصلة ساهمت في إعادة تشكيل المشهد الثقافي لدور السينما، مما يعكس تطلعات الأجيال جديدة ويعيد للحياة تجربة السينما كمكون أساسي من الحياة الثقافية والاجتماعية.