فهم فلسفة التميز الشعري وأسباب التراجع: تصنيفات الشعراء في عصر التواصل السهل.

Photo of author

By العربية الآن

في زمن السيولة التواصلية، يتساءل الكثيرون عن واقع الشعر وأسباب تدهور مكانة الشعراء. فإن الشعر كان دوماً يمثل جزءاً أساسياً من الثقافة العربية، وله طبيعة خاصة تميزه عن مجالات أدبية أخرى. وفي هذا السياق، نستعرض فلسفة النبوغ الشعري ونتائج التراجع الذي يعيشه الشعر في ظل الظروف الراهنة.

### أهمية الشعراء في الثقافة العربية القديمة

في العصور القديمة، كانت للشعراء مكانة عظيمة تصل إلى حد التقديس، حيث كانوا يمثلون صوت قبائلهم. كما ذكر بعض النقاد، فإن الشاعر كان يشبه النبي في قدرته على ولادة الأفكار والمشاعر التي تعبر عن تطلعات مجتمعه. وقد أشار الإمام محمد بن مناذر إلى أهمية الموهبة الشعرية والقدرة على التأثير، محذراً من الخوض في الشعر دون امتلاك هذه الملكة.

### فلسفة النبوغ في الشعر

الشعر في جوهره يعتبر رأس الأدب، حيث يتمتع الشعراء بقدرة فريدة على توليد معاني جديدة ومثيرة. ويؤكد أدباء مثل الرافعي وابن رشيق أن سر النبوغ يكمن في القدرة على الابتكار والإبداع. فالشاعر الحقيقي هو من يستطيع إخراج مشاعر وأفكار جديدة من لغة يومية مألوفة.

### أسباب تراجع مكانة الشعراء

لتقليص مكانة الشعراء، يشير العلماء إلى عدة عوامل، من بينها تأثير الحضارات الأخرى ودخول الإسلام. في حين كانت مكانة الشعراء تميزهم عن الناس، تراجع دورهم بعد أن اكتسب فن الشعر شهرة واسعة بين عامة الناس، مما حول الشعر إلى وسيلة لكسب المال أكثر من كونه أداة تعبير فني.

### الخاتمة

إن النبوغ والتميز في الشعر يتطلبان قدرة على تجديد الأساليب والتعبير عن المعاني بطريقة مبدعة. ورغم التحديات المعاصرة، يبقى الشعر فناً يتطلب شغفاً وإبداعاً، وينتظر من شعرائه تجديد أساليبهم لتجاوز حالة الركود.

في نهاية المطاف، تبقى الثقافة الشعرية جزءاً لا يتجزأ من الهوية العربية، تستحق التعزيز والتقدير في كل زمان ومكان.

التحولات في مكانة الشعر والشعراء

شهدت مكانة الشعر والشعراء تحولات جذرية على مر العصور، حيث كانوا في بداياتهم يُعتبرون بمنزلة الأنبياء، إلى أن أُدرج العديد منهم في خانة الغيّ والضلال والنفاق، مع استثناء عدد قليل من الشعراء الصالحين. وقد تحوَّل الشعر في العصور الإسلامية اللاحقة إلى وسيلة للتملق والتضرع والشكاية، مما أضعف من مكانته وأزاحه عن عرشه الذي كان محاطًا بالتقدير والاحترام في المجتمع العربي.

أهمية الشعر في الجاهلية

عبَّر ابن رشيق عن عظمة الشعر والشعراء لدى العرب في عصور الجاهلية، حيث كان يُعتبر ولادة شاعر في قبيلة مصدر فخر وسعادة، كونه يُعتبر حمايةً لعرضهم ودفاعًا عن هويتهم. وقد وصف ذلك قائلاً:

“إذا نبغ في القبيلة شاعر، أتت القبائل فهنأتها وصنعت الأطعمة، واجتمع النساء يلعبن بالمزاهر ويتباشر الرجال، لأنه حماية لأعراضهم وذَبٌّ عن أحسابهم.”

غير أن هذا الوصف لا يُعتبر تصويرًا دقيقًا للواقع، إذ لم تُسجل الأخبار احتفالات دقيقة بمناسبة ولادة شاعرين في القبائل. ورغم مساهمة الشاعر في الدفاع عن قبيلته، إلا أن نبوغه لا يجعله سيدًا فيها ما لم يكن له نسب قوي، كما هو الحال مع عنترة بن شداد.

تأثير النسب على مكانة الشاعر

إن تميُّز الشاعر في القبيلة لا يكفي ليجعله ذو قيمة إذا لم يكن من عائلة عريقة أو من أبناء الرؤساء. وقد يشكل الشاعر تهديدًا خطيرًا للقبيلة إذا كان خطابه لا يتماشى مع توجهاتها الفكرية، كما حدث مع طرفة بن العبد وعروة بن الورد.

إبان فترات غلبت فيها الطبيعة العسكرية على المجتمع، كانت الحاجة إلى الشعر تفوق الخطب، حيث كان الشعر أداة تساهم في تعزيز الشجاعة ومواجهة الأعداء. وقد أفصح المعري عن ذلك قائلًا:

“كان الشاعر في الجاهلية يقدَّم على الخطيب لفرط حاجتهم إلى الشعر.”

بيد أن تحول الشعر إلى أداة للمتاجرة والتسول أدى إلى تراجع مكانته في المجتمع.

مراتب الشعراء وتأثير تراجع الشعر

في حديث للشاعر عبد الرزاق عبد الواحد، ذُكِر موقف طريف في مجلس الجواهري حيث خشى الشعراء العظام من إلقاء قصائدهم أمامه، وفي إحدى المرات دخل شاب وألقى قصيدة ركيكة. وحين سأل الجواهري عن رأيه، قال له:

“يا بُنَيّ الشعراء ثلاثة؛ شاعر عظيم، وشاعر، وحمار، أنا شاعر.”

وهذا يبرز فئات الشعراء في المجتمع، التي تراوحت بين الجد والعابر.

الشعر وتأثيره على المجتمع

يفسر قول ابن رشيق أن الشعر يرفع من قدر الضعيف ويخفض قدر الشريف، كما حدث مع النابغة الذبياني الذي مدح ملك المناذرة وخسر مكانته. كذلك، قسم ابن قتيبة الشعر إلى أربعة أنواع وفق معايير لفظية ومعنوية.

كتاب الشعر والشعراء
كتاب الشعر والشعراء لمؤلفه أبي محمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة.

رغم هذا التراجع، يبقى أصيل الشعر متمسكًا بمكانته وسط زبد من الكلمات، فالفرق بين الشعر الحقيقي وما هو دون ذلك يظل حاضراً، كما عبر القرآن الكريم عن ذلك بقوله:

﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ﴾ (الرّعد: 17).

المصدر: الجزيرة

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.