إشتياق إلى دفء الماضي.. كويتيون يفتشون عن “رمضان الأول” | نمط حياة

Photo of author

By العربية الآن

الكويت- بحماس شديد يتجوّل أبو محمد مع أبنائه بين محلات سوق المباركية الشهيرة في العاصمة الكويتية، يبحثون عن أصناف حلويات لشرائها احتفالاً بـ”القرقيعان”، وهي تقليد رمضاني ينتقل عبر الأجيال.

يقول أبو محمد لجزيرة الإنترنت، إن هذه المناسبة التي تبدأ مع اقتراب منتصف شهر رمضان الكريم تثير العديد من الذكريات الجميلة، ويحاول من خلال الاحتفال بها مع أطفاله تلك الشوق إلى رمضان الكويت سابقاً أو “رمضان الأول”، وهو التسمية المستخدمة في الخليج نظراً لأنها من الاحتفالات الشعبية التي ما زالت مستمرة حتى اليوم.

وتعكس العبارات حالة شديدة من الشوق لـ”رمضان الأول” ترافقها عملية مستمرة من البحث عن الأجواء التي كانت تميزه وهذا الشعور الذي يظهر دائما عند قدوم شهر رمضان وخلال أيامه الفضيلة.

أجواء رمضان في الكويت تحتلف عن الماضي
أبو محمد يبحث عن إشتياقه لأجواء رمضان قديماً في سوق المباركية بالعاصمة الكويتية (الجزيرة)

فقدان التقاليد

غالباً ما يشعر المسلمون في مختلف الدول العربية بحالة من الاشتياق يرجعها إلى فقدان الكثير من الطقوس والأجواء الرمضانية التي اعتادوا عليها سابقاً، والتي غابت حالياً بسبب عدة أسباب، منها تأثير التطور التكنولوجي والضغوط الحياتية المتنوعة.

يصف المؤرخ بأسماء اللوغاني هذا الشعور بأنه بحث مستمر عن حالة الدفء الاجتماعي الذي كان يُحيط برمضان في السابق، بداية من طريقة الزيارات التي كان يقوم بها الأب برفقة أبنائه سيرا على الأقدام لزيارة الأقارب والعائلة في المنازل والديوانيات المجاورة خلال أيام الشهر الفضيل وقبل انتشار استخدام السيارات.

يقول اللوغاني لجزيرة الإنترنت، إن الاشتياق دورة حياتية ملازمة للجميع في مراحل العمر المتنوعة، وفي رمضان يشمل أيضاً طريقة العبادات نفسها إذ كانت المساجد في الكويت قبل اكتشاف النفط تتميز بصغر حجمها والبنية البسيطة من الطوب اللبن، وكانت أصوات الذكر والتسبيح تعلو فيها بشكل جماعي بعد كل صلاة في جلسات الذكر المشترك والتي كان يشارك فيها جميع الحضور، وهي تقليد ديني اندثر في الوقت الحالي.

وبحسب المؤرخ الكويتي، تتضمن الفروقات أيضاً طريقة الجلوس حول المائدة والتي كان يجتمع حولها كل أفراد العائلة من الذكور، بينما كانت تجمع مائدة أخرى كل أفراد العائلة من الإناث، حيث كان مجموع الحضور في المنزل يصل إلى 20 شخصاً، وهو أمر لم يعد متاحاً في ظل الضغوط الحياتية الحالية التي أثرت على العادات الاجتماعية.

أجواء رمضان في الكويت تحتلف عن الماضي
توفير كافة مستلزمات رمضان كانت تتم قديما قبل قدوم الشهر بوقت كبير (الجزيرة)

التحضير لرمضان

ويسلط رئيس مركز الكويت لتوثيق العمل الإنساني خالد الشطي في كتابه “الأعمال الخيرية الكويتية قديماً” الضوء على العديد من مظاهر الاحتفال برمضان في الماضي، حيث يذكر أن سكان الكويت كانوا يستعدون له منذ بداية شهر شعبان بتجهيز المؤن الغذائية التي تكفي للشهر كاملاً، منها التمور التي كانت تُستورد من البصرة والأرز الذي كان يأتي من الهند.

ويشير الشطي إلى أنه بحلول منتصف شهر شعبان كان أهالي الكويت يبدؤون في إعداد الهريس والجريش..في احتفال يشارك فيه سيدات الأسرة وأبناؤهم ايضًا فرحًا بقرب حلول شهر رمضان.

اشتهر رمضان في الماضي بما يُعرف بـ “النقصة” وهي هدية يُقدمها أفراد العائلة للجيران والأصدقاء والأقارب احتفاءً بالشهر الفضيل وتشمل الطعام أو البخور والعطور أو الملابس، وهي عادة يحرص عليها الأهل حتى اليوم كنوع من بروز التراحم والتواصل بينهم.

أجواء رمضان في الكويت تحتلف عن الماضي
سوق المباركية نافذة من الماضي لأجواء رمضان قديما (الجزيرة)

سوق المباركية

وحسب الباحث في التراث الكويتي محمد كمال، يُعد سوق المباركية اليوم مع كل ما يحتويه من مظاهر تاريخية وأسواق تراثية فرصة لاستذكار جزء من التاريخ القديم خاصةً في شهر رمضان.

ويضيف كمال للجزيرة نت، بأن كثير من أهالي الكويت يسعون لاستحضار ذكريات الطفولة من خلال زيارة المكان وشراء بعض مستلزمات رمضان لأطفالهم من الأكليات والحلويات وكذلك مستلزمات القرقيعان مثل حلوى الملبِّس وغيرها التي تُعبأ معًا في أكياس صغيرة للأطفال الذين يزورون المنازل خلال فترة الاحتفال بهذه المناسبة ويتلون الأهازيج لتُقدم لهم الحلويات.

تشهد شوارع الكويت خلال الليالي السابقة تطوير أساليب جديدة للاحتفال بالقريقعان؛ حيث يتم وضع حلوى القرقيعان على سطح بعض السيارات المفتوحة التي تجوب شوارع الضواحي للاحتفال بهذه المناسبة مع أطفال الأحياء من خلال توزيع الحلوى عليهم.

يُذكر كمال بأن احتفالات عيد الفطر كانت تبدأ بعد منتصف الشهر مباشرة بزيارة الأسواق لشراء قماش الثوب العيد والمسبحة والخاتم، وبعد ذلك انتظار عدة أيام لحين اكتمال خياطة الثوب وهذه الأجواء التي لم تعد متاحة حاليًا بنفس الطريقة القديمة بسبب توفر العديد من الأشياء الجاهزة خلال وقت قصير وبدون عناء وربما دون الحاجة لمغادرة المنزل.

وبحسب تصريحات لأشخاص تحدثوا معهم الجزيرة نت، تُفتقد احتفالات اليوم والتي تتعلق بالشهر الكريم إلى البساطة التي كانت تميز الاحتفالات سابقاً، بينما تمثل احتفالات اليوم ومنها “حفل القرقيعان” عبئًا إضافيًا على الأسرة التي تجد نفسها مضطرة لشراء كميات كبيرة من الحلويات مع ضرورة تواجد بعض الجوانب المرافقة للحدث مما يزيد من التكاليف المالية على عكس ما كان موجودًا في السابق.

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.