اقتراب المعارضين من العاصمة السورية
يواجه نظام الأسد أزمة غير مسبوقة حيث تقترب قوات المعارضة من العاصمة السورية دمشق، في تطور سريع فاجأ عالم السياسة. الجيش السوري تراجع عن مدن رئيسية دون مقاومة تذكر، مما أثار قلق سكان دمشق الذين أشاروا إلى انتشار قوات الأمن في الشوارع. كما اضطرت الوكالة الرسمية للأنباء إلى نفي شائعات حول مغادرة الرئيس بشار الأسد البلاد.
من هم هؤلاء المقاتلون المعارضون؟ وماذا سيحدث إذا دخلوا دمشق بعد السيطرة على بعض من أكبر المدن السورية؟ نلقي نظرة على التحولات المفاجئة في مصير الأسد وحكومته خلال الأيام الماضية، وما يمكن أن يحدث في ظل تجدد فتيل الحرب الأهلية السورية التي تستمر منذ 13 عاماً.
الهدف: الإطاحة بالحكومة
تعد هذه المرة الأولى التي تصل فيها قوات المعارضة إلى مشارف العاصمة منذ عام 2018، حين استعادت القوات الحكومية السيطرة على هذه المناطق بعد حصار استمر لسنوات.
المقاتلون القلقون يقودهم أقوى الجماعات المسلحة في سوريا، “هيئة تحرير الشام”، إلى جانب مجموعة من الميليشيات السورية المدعومة من تركيا المعروفة بـ”الجيش الوطني السوري”. هذه الجماعات تمتلك نفوذًا في شمال غرب سوريا، وقد شنت هجومًا مفاجئًا في 27 نوفمبر، حيث تمكنت من السيطرة على حلب، أكبر مدينة سورية، وكذلك مدينة حماة، الرابعة في الحجم.
تشارك “هيئة تحرير الشام” في جذورها مع تنظيم القاعدة، وتعتبرها الولايات المتحدة والأمم المتحدة منظمة إرهابية. ومع ذلك، زعمت الهيئة في السنوات الأخيرة قطع علاقاتها مع التنظيم، ويشير الخبراء إلى أنها تسعى لإعادة تشكيل نفسها من خلال تعزيز الحكومة المدنية في المناطق التي تسيطر عليها بجانب العمل العسكري.
وفي حوار حصري مع CNN من سوريا، صرح أبو محمد الجولاني، قائد هيئة تحرير الشام، بأن هدف الهجوم هو الإطاحة بحكومة الأسد.
خلافات محتملة في المستقبل
تعتبر “هيئة تحرير الشام” والجيش الوطني السوري حلفاء في بعض الأحيان ومتنافسين في أحيان أخرى، وقد تختلف أهدافهما في المستقبل.
تسعى الميليشيات المدعومة من تركيا أيضًا لإنشاء منطقة عازلة بالقرب من الحدود التركية لتجنب المقاتلين الأكراد المتعارضين مع أنقرة. وكانت تركيا أحد أبرز الداعمين للمقاتلين الذين يسعون للإطاحة بالأسد، ولكنها دفعت مؤخرًا نحو المصالحة، وقد رفضت بشدة إدعاءات بوجود أي دور لها في الهجوم الحالي.
تبقى مسألة ما إذا كانت “هيئة تحرير الشام” والجيش الوطني السوري سيتعاونان في حال نجاحهم في الإطاحة بالأسد أو سيتحولون ضد بعضهم البعض مرة أخرى.
استغلال الظروف السياسية
في الوقت الذي بدأ فيه الهجوم المفاجئ ضد حكومة سوريا شمالًا، شهدت مناطق أخرى تحركًا من قبل مجموعات المعارضة المسلحة.
مناطق السويداء ودرعا الجنوبية شهدت أيضًا تحركات محلية. تعتبر السويداء معقلاً للأقلية الدينية الدرزية في سوريا، وكانت تشهد احتجاجات ضد الحكومة حتى بعد أن بدا أن الأسد عزز سيطرته على المنطقة.
درعا منطقة ذات غالبية سنية، وكانت تُرى على أنها مهد الانتفاضة ضد حكم الأسد التي بدأت عام 2011. استعادت القوات الحكومية السيطرة على درعا في 2018، لكن المتمردين ظلوا في بعض المناطق. وفي السنوات الأخيرة، عاش سكان درعا في حالة من الهدوء غير المستقر تحت اتفاقيات الهدنة التي توسطت فيها روسيا.
وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية، وهي مجموعة كردية مدعومة من الولايات المتحدة، على معظم شرق سوريا، وقد اشتبكت في السابق مع معظم المجموعات المسلحة الأخرى في البلاد.
حالياً، حكومة سوريا تسيطر على ثلاث من أصل أربع عشرة عاصمة محافظة: دمشق، اللاذقية، وطرطوس.
ما هو التالي؟
يعتمد الكثير على التحركات المقبلة للأسد وإرادة قواته في مواجهة المتمردين.
وقد نشر أحد قادة المتمردين، حسن عبد الغني، عبر تطبيق تيليجرام، أن قوات المعارضة بدأت بتنفيذ “المرحلة النهائية” من هجومها من خلال محاصرة دمشق.
كما شهدت القوات السورية انسحابها من معظم مدينة حمص المركزية، ثالث أكبر مدينة في سوريا، وفقًا لمصادر مؤيدة للحكومة ومراقبون.
إذا تم الاستيلاء على حمص، فسينقطع الرابط بين دمشق، مركز قوة الأسد، والمنطقة الساحلية حيث يتمتع بدعم واسع.
قال أنس جودة، أحد سكان دمشق، “حمص إلى المدن الساحلية ستكون خطًا أحمر بالغ الخطورة سياسيًا واجتماعيًا، وإذا تم تخطي هذا الخط فإننا نتحدث عن نهاية سوريا كما عرفناها سابقًا”.
يبدو أن الأسد بات شبه معزول، حيث أن حلفاءه روسيا وإيران مشغولون بصراعات أخرى، كما أن حزب الله اللبناني تعرض للضعف بسبب الحرب مع إسرائيل، التي تمر حاليًا بهدنة هشة.
يسعى مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن، لعقد محادثات عاجلة في جنيف لضمان “انتقال سياسي منظم”، مشيرًا إلى أن الوضع يتغير دقيقة بدقيقة. وقد اجتمع مع وزراء الخارجية ودبلوماسيين كبار من ثماني دول رئيسية تشمل السعودية وروسيا ومصر وتركيا وإيران على هامش قمة الدوحة.
وأدلى الرئيس المنتخب دونالد ترامب بتصريحات واسعة حول التطورات في سوريا، حيث قال إن الأسد المحاصر لا يستحق دعم الولايات المتحدة للبقاء في السلطة، مضيفًا “هذه ليست معركتنا”.