كيف قام الباحث الإسرائيلي آدم راز بتوثيق نهب الممتلكات الفلسطينية؟

Photo of author

By العربية الآن

الباحث الإسرائيلي آدم راز يوثق النهب.. كيف سُرقت الممتلكات الفلسطينية؟

آدم راز، باحث ومؤرخ إسرائيلي، يظهر صورة قديمة لفلسطينيين أثناء لقاء مع AFP في منزله في كفار سابا. - "تنتورا"، الذي عُرض للمرة الأولى في مهرجان سندانس السينمائي، يعيد النظر في حادثة مثيرة للجدل من الحرب التي تزامنت مع إنشاء إسرائيل في عام 1948، حيث فر أكثر من 760,000 فلسطيني أو طُردوا من منازلهم.
آدم راز باحث ومؤرخ إسرائيلي في تاريخ حقوق الإنسان والقرن العشرين، ألف عدة كتب عن تاريخ الأسلحة النووية في إسرائيل والصراع الإسرائيلي الفلسطيني (الفرنسية)
يُعتبر آدم راز أحد أبرز “المؤرخين الجدد” في إسرائيل، وهي مجموعة من الباحثين والكتاب الذين تحدوا السرد التاريخي القائم على الأسس التي وضعتها المؤسسة الصهيونية. وقد قدّموا دراسات تتعارض بشكل كبير مع أساطير تأسيس الكيان الصهيوني، وركزوا على التاريخ الحقيقي لنكبة فلسطين.

ارتبطت هذه الظاهرة بفتح أرشيفات إسرائيلية كانت مغلقة حول أحداث حرب عام 1948، مما أدى إلى ظهور أسئلة جديدة حول الروايات المعروفة. ويأتي تأثيرهم بعد الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 وانتفاضة 1987، حيث اتسعت دائرة النقاش حول الماضي.

تفكيك الأساطير التاريخية

نجح هؤلاء المؤرخون في دحض العديد من الأساطير، منها:

  • أسطورة “خطر الإبادة” الذي واجه الاستيطان اليهودي من العرب.
  • أسطورة أن العرب “رفضوا” السلام الذي عرضته إسرائيل منذ عام 1948.
  • أسطورة “حرب الاستقلال” التي قام بها اليهود ضد الانتداب البريطاني.
  • أسطورة أن الفلسطينيين هاجروا “طوعياً” أو بسبب دعاية الجيوش العربية.
  • أسطورة الاستيطان اليهودي المثالي والرومانسي.

النهب كأداة لمنع العودة

عند تهجير الفلسطينيين من أراضيهم عام 1948، سُلبت ممتلكاتهم وتعرضت للنهب، حيث استخدمت هذه الأفعال كسلاح لمنع عودتهم. خلال هذه الحرب، نهبت العصابات المسلحة ومجموعة من المدنيين ممتلكات الفلسطينيين، لا سيما منازلهم ومتاجرهم وحقولهم، وتم نسيان أو قمع هذه الحقائق لسنوات.

شارك الآلاف من الإسرائيليين في هذه العمليات، حيث كان النهب جزءاً من سياسة لتهجير الفلسطينيين وتدمير أرواحهم وأراضيهم. إذ ساهم هذا السلوك في إخلاء البلاد من السكان الفلسطينيين وجزء من الجهود المبذولة لفصل العرب عن اليهود.

من خلال أبحاثه المستندة إلى الوثائق الأصلية، تمكن آدم راز من تسليط الضوء على أحد أكثر الفصول مأساوية في تاريخ الصراع في المنطقة، وقد وفّر الأدلة اللازمة للكشف عن “مؤامرة الصمت” المتعلقة بتأسيس الدولة الإسرائيلية. إذ من خلال فهم تفاصيل النكبة وتوثيقها، يتوجب علينا إنصاف الفلسطينيين المظلومين.

## خريطة الكتاب

يبدأ الكتاب بمسرد للاختصارات والمجموعات الأرشيفية المستخدمة من قبل المؤلف، ويتبعها مقدمة ثم الجزءين الأول والثاني، وفي النهاية خلاصة للنتائج وفهارس.

تفاصيل نهب الممتلكات الفلسطينية

يتناول الجزء الأول من الكتاب أحداث التهجير وسرقة الممتلكات الفلسطينية في عدة مدن، منها طبريا، حيفا، القدس، يافا، عكا، صفد، بيسان، الرملة، اللد، وبئر السبع، بالإضافة إلى دعمه بتفاصيل حول المساجد والكنائس والقرى الفلسطينية، وأعمال النهب الجماعي.

أما الجزء الثاني، فيعالج الأبعاد السياسية والاجتماعية لعملية نهب الممتلكات الفلسطينية، مستعرضًا كيف انتشر هذا النهب في المجتمع الإسرائيلي، متناولاً السرقة الفردية والنهب الجماعي، ومعارضة هذا السلوك.

“كانوا جيران الأمس”

أعرب الصحفي الإسرائيلي جدعون ليفي، مؤلف كتاب “قتل غزة”، عن اهتمامه بالكتاب الذي أعده آدم راز، واصفًا إياه بأنه وثيقة قوية ومزعجة. وأشار إلى أن معظم الإسرائيليين يجهلون تفاصيل النكبة نتيجة قلة المعلومات. يوضح راز في مقدمته أن هذا الكتاب هو الأول الذي يركز بشكل أساسي على نهب الممتلكات الفلسطينية، محذرًا من أن هذا النهب لم يكن نتيجة قرار حكومي بل كان سلوكًا طوعيًا من أفراد. وفي تحليله، يبرز راز أن هذا النهب ليس مجرد سرقة عادية، بل كان نوعًا من إلغاء إنسانية الفلسطينيين، والتي استمرت لأكثر من 76 عامًا.

انهيار أخلاقي

يناقش الكتاب بشكل مفصل حجم النهب الذي تعرضت له الممتلكات الفلسطينية، حيث يشير إلى أن احتلال مدينة طبريا أدى إلى تهجير كامل للسكان الفلسطينيين، وهو الأمر الذي نتج عنه كميات ضخمة من الممتلكات التي تعرضت للنهب. كتب أحد مسؤولي الصندوق القومي اليهودي في مذكراته: “لقد تحرك اليهود في مجموعات، ونهبوا منازل العرب ومتاجرهم، وكان هناك تنافس بين فصائل الهاغاناه”. وتجاهل الجنود المكلفون بحماية الممتلكات ما كان يحدث حولهم.

الضباط ينظمون النهب

تظهر أعمال نهب طبريا كمنارة تسلط الضوء على ما جرى في مدن أخرى. فالأحداث التي وقعت هناك تُعد نموذجًا لنمط النهب الذي عبرت عنه العديد من المدن في مختلف أنحاء فلسطين.### عمليات النهب المستهدفة

في حيفا، لم ينتظر اللصوص حتى يترك السكان ممتلكاتهم. وأكد أحد وزراء الحكومة أن أغلب الممتلكات التي تعرضت للنهب كانت من نصيب العرب، بالإضافة إلى تعرض المنازل اليهودية للاقتحام أيضًا. حيث كشف التقرير أن “عمليات الاقتحام شملت استخدام القوة، مما أدى إلى ضرب الرجال والنساء العرب، وكسر الأبواب، وسرقة الأثاث، وإخراج المواطنين من منازلهم وإلقائهم في الشارع”. كما أشار التقرير إلى أن هذه الاقتحامات كانت من تنظيم ضباط الجيش، وكان بينهم من نزعوا رتبهم العسكرية أثناء النهب.

أعمال نهب في القدس

شهدت القدس أيضًا عمليات نهب عشوائية، حيث قام اللصوص بسرقة العديد من المنازل الفلسطينية لدرجة أنهم احتاجوا إلى حماية المسروقات من مدنيين يهود آخرين جاءوا للنهب. ومع مرور الأيام، استمرت هذه الاعتداءات حتى استنفدت جميع الممتلكات القابلة للسرقة، حيث تم تدمير ما كانت تعتبره العصابات بلا قيمة، وتم إحراق مكتبات بأسرها.

نهب مشابه في يافا

في يافا، كان الجنود البريطانيون هم القادة في عمليات نهب المحلات التجارية على مدار عدة أيام دون توقف. وقد أكد عضو حزب الشيوعي الإسرائيلي روث لوبيتز: “لم يبق أي منزل أو متجر أو ورشة لم يتم الاستيلاء على ما فيها”. وفي فترة 12 يومًا في يونيو 1948، استخرج أكثر من 5 آلاف طن من البضائع من المدينة عبر الشاحنات.

تدمير الممتلكات والمقدسات

خلال هذا الصراع، تم احتلال حوالي 550 قرية فلسطينية، حيث شهدت بعضها سرقات جماعية شارك فيها أفراد من جميع الطبقات الاجتماعية. وشهدت الأماكن المقدسة، كالكنائس والمساجد، ذات المعاملة، إذ وصف وزير الخارجية الإسرائيلي، موشيه شاريت، هذا التخريب بـ “الهمجية والتدنيس لأماكن مقدسة، وهو أمر ينافي القيم اليهودية”. من المثير للاهتمام أن دير رقاد السيدة العذراء، الذي يعد واحدًا من أهم الكنائس المسيحية، تعرض للنهب الكامل.

العواقب الأخلاقية

قد تكون سرقة الأثاث والأدوات المنزلية تافهة مقارنة بالمذابح التي حدثت في تلك الفترة، لكن توريط المدنيين، بما في ذلك الأطفال، كان له عواقب بعيدة المدى. حيث عبر البعض عن مخاوفهم من فقدان البراءة، فيما قام آخرون بالتأكيد على أن الغنائم تؤذي ليس فقط الضحية، وإنما تضر بروح الجاني أيضًا.

جريمة جماعية متعمدة

إن تورط الآلاف من الناس في عمليات النهب كان له تأثير سياسي بالغ، حيث أسس هذا الترابط بين الجميع كجريمة جماعية كبرى، مما سهل تجنيدهم لدعم الفظائع التي ارتكبتها الدولة الناشئة. ويشير الباحث آدم راز، إلى أن هؤلاء اللصوص “تحولوا إلى متعاونين سياسيين” وأصبحوا يدافعون عن أجندة سياسية تشجع على الحفاظ على حالة من النزاع المستمر بين إسرائيل والدول العربية.

بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن القيادة الإسرائيلية تجاهلت التحذيرات المتعلقة بالنهب الجماعي، ومنحت عفوًا شاملًا عن هذه الجرائم، مما يشير إلى وجود سياسة حكومية متعمدة تهدف إلى إبعاد السكان العرب عن الدولة.### النهب الفلسطيني: تاريخ مظلم وحقيقة مؤلمة

يعكس النهب الواسع للممتلكات الفلسطينية كيف أسهمت هذه الظاهرة في انتاج اللاجئين الفلسطينيين ومن ثم قام بن غوريون باستخدامها لتنفيذ سياسته الخاصة بالاستيلاء على الموارد.

وفي هذا السياق، يبرز المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس، مشيراً إلى أن التأريخ للنهب اليهودي للممتلكات العربية يسلط الضوء على الجوانب السلبية لـ”حرب الاستقلال”. كما يبرز الارتباط بين هذه الأعمال وسياسات بن غوريون التي تهدف لتطهير البلاد من السكان العرب.

نتائج التحقيقات: طيّ السرية والبندول الزمني

بعد انتهاء الحرب، كلّف رئيس الوزراء الإسرائيلي النائب العام بإجراء تحقيق حول الأذى الذي ألحقه الجيش بحياة العرب في الجليل والجنوب. وعلى الرغم من مرور الزمن، لا تزال نتائج هذه التحقيقات سرية حتى اليوم.

ووفقًا للمؤلف، على الرغم من ارتكاب الجنود الإسرائيليين للعديد من الفظائع، فقد تمت محاكمة جندي واحد فقط بتهمة قتل 15 عربيًا، وحُكم عليه بالسجن مدة عام واحد، لكنه حصل على عفو بعد فترة قصيرة.

ة إنكار الماضي: مواجهة مع الواقع

يشير أنتوني لوينشتاين، مؤلف “مختبر فلسطين”، إلى وجود إنكار عميق في المجتمع الإسرائيلي حول الأحداث المظلمة لعام 1948. لكن آدم راز يواصل شجاعته في استكشاف الحقيقة حول تأسيس إسرائيل، وهي حقيقة لا يمكن تجاهلها.

هذا العمل يستحق أن يكون نصًا أساسيًا في كيفية نظر العالم إلى ولادة الدولة الإسرائيلية على أنها عملية عنف واستغلال، ويبرز أهمية التعويض والاعتراف بالحقيقة كأساس لأي مصالحة مستقبلية مع الفلسطينيين.

مساهمة علمية: ضرورة الكشف عن الحقائق

لقد جمع آدم راز معلومات دقيقة ومهمة في بحثه حول هذا الموضوع. في ظل الجهود المستمرة لمحو تاريخ فلسطين وإخفاء الحقائق حول معاملة إسرائيل للفلسطينيين، يعد هذا الكتاب مساهمة فريدة في الكشف عن الواقع الذي تأسست عليه الدولة الصهيونية.

معلومات عن المؤلف

آدم راز هو باحث ومؤرخ إسرائيلي مختص في حقوق الإنسان وتاريخ القرن العشرين. له عدة مؤلفات باللغة العبرية تتناول تاريخ الأسلحة النووية في إسرائيل والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بما في ذلك كتب مثل “الصراع على القنبلة” و”مذبحة كفر قاسم”. ويرتبط راز بمعهد أكيفوت لأبحاث الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

المصدر: الجزيرة

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.