تخطو الدراما الليبية خطوات متقدمة لتأكيد وجودها في المشهد الدرامي العربي، حيث أصبحت تتصدر حديث المتابعين مؤخراً.
جاءت هذه النقلة النوعية مع عرض مسلسلات بارزة مثل “زنقة الريح” و”السرايا”، لتظهر صناعة درامية ناشئة قادرة على تجاوز التحديات السياسية والاقتصادية، وتقديم أعمال تحمل معاني اجتماعية وتاريخية بلمسة إبداعية.
“الزعيمان”.. توثيق الكفاح ضد الاستعمار
يُعتبر مسلسل “الزعيمان” (2020) الذي بدأ البث على منصة “شاهد” مؤخرًا، من أبرز الأعمال التاريخية الليبية التي تتناول سيرة سليمان الباروني والبشير السعداوي، من خلال رحلة كفاحهما ضد الاستعمار الإيطالي.
المسلسل، الذي أخرجه أسامة رزق وشارك فيه ربيع القاطي وصالح القراد، قدّم رؤية درامية بكلفة إنتاجية مرتفعة، ولقي رواجاً لكونه يتناول مرحلة حرجة من تاريخ ليبيا.
وقد أتى العمل ثمرة تعاون ليبي-مصري مع كاتبة النص عزة شلبي، مما أعطى طابعاً ابداعياً خاصاً للمسلسل.
“زنقة الريح”.. الحياة تحت الإدارة البريطانية
يروي مسلسل “زنقة الريح” قصة طرابلس تحت الإدارة البريطانية عام 1945، مستعرضاً التعايش بين مكونات المجتمع المحلي في تلك الفترة.
العمل الذي أخرجه أسامة رزق وكتبه عبد الرحمن حقيق ومستلهم من مراجع تاريخية للكاتب علي الصلابي، يعد من أبرز الأعمال الدرامية الليبية، وشارك فيه أكثر من 250 ممثلاً، كمحمد عثمان ولبنى عبد الحميد. حظي بمديح واسع النطاق عربياً وعرف كمصدر مهم لتعريف المشاهدين بتاريخ ليبيا.
“السرايا”.. صراعات القرمانليين على الحكم
يوضح مسلسل “السرايا” صراعات الأسرة القرمانلية على السلطة بين 1783 و1795، حيث استطاع العمل استحضار الأجواء التاريخية المناسبة بفضل نص كتبه سراج هويدي وأخرجه أسامة رزق.
يضم المسلسل مجموعة من النجوم الليبيين والعرب مثل علي الشول وشكران مرتجى ومعتصم النهار، وقد حصل على جائزة أفضل مسلسل تاريخي في المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون.
“دراجنوف”.. الثورة الليبية
يدخل التاريخ الحديث للدنيا الدرامية عبر مسلسل “دراجنوف”، الذي يستعرض أحداث الثورة الليبية في عام 2011 وسقوط نظام القذافي.
يتضمن المسلسل 15 حلقة ويقدم رؤية درامية مبتكرة تجسد الأحداث والوقائع الهامة في تلك الفترة.
مزيج إنساني وسياسي عبر دراما حب
تستعرض الدراما الليبية الحديثة صراعات اجتماعية وسياسية مختلفة، تتجسد في قصص حب مؤثرة. من بين هذه الأعمال، يبرز قصة حب بين فتاة فقدت والدها خلال مجزرة سجن أبو سليم وضابطٍ موالٍ للنظام، وهو ما يعكس التوترات السياسية والتحولات الإنسانية التي شهدها المجتمع الليبي.
مسلسل “غسق”.. توثيق لملحمة تحرير سرت
يسلط مسلسل “غسق” الضوء على تحرير مدينة سرت من قبضة تنظيم داعش في عام 2016، عبر عشرة حلقات تمتاز بجودة إخراجها. يقدم العمل سردًا دراميًا شجاعًا لتضحيات قوات البنيان المرصوص، ويعيد إحياء ذكرى تلك الفترة الصعبة في تاريخ ليبيا.
“بنات العم”.. صراعات الجيل الجديد
في مجال الدراما الاجتماعية، يعكس مسلسل “بنات العم” الصراعات التي تعيشها الطبقة المتوسطة الليبية من خلال قصص فتيات يعانين من ضغوط الحياة. أخرج العمل أسامة رزق، وتميز بمشاركة فنانين معروفين مثل هند العرفية وآية شو. وقد قوبل بملاحظات إيجابية من قبل المشاهدين.
“خلوه”.. كوميديا تعكس مشكلات الزواج
على صعيد الأعمال الكوميدية، يبزغ مسلسل “خلوه” (2022) كأحد الأكثر تميزًا. يتناول المسلسل موضوعات مرتبطة بالحياة الزوجية بطريقة ساخرة. رغم تعرضه للانتقادات بسبب اتهامات بتقليد العمل السعودي “طاش ما طاش”، يؤكد صناع العمل أنهم يعتمدون على كوميديا الموقف بعيدًا عن الإسفاف.
“شط الحرية”.. تجسيد للكوميديا السوداء
يعد مسلسل “شط الحرية” – المكون من 6 أجزاء – مثالاً بارزاً للكوميديا السوداء التي تتناول قضايا الشباب الليبي. حققت السلسلة نسب مشاهدة عالية وأصبحت جزءًا من الثقافة الشعبية في البلاد. كما سلط مسلسل “دباير سعاد” الضوء على مشكلات النساء في مراحل مختلفة من حياتهن، مقدماً مزيجًا من الفكاهة والجدية.
ازدهار الدراما الليبية
رغم التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها، نجحت الدراما الليبية في جذب انتباه الجمهور العربي من خلال تقديم أعمال تبرز التاريخ والتراث والواقع الاجتماعي. بفضل التعاون مع صناع الدراما من الدول المجاورة، تسعى ليبيا إلى تأسيس صناعة درامية قادرة على المنافسة مع الإنتاجات العربية الكبرى، مما يبشر بفترة جديدة من الإبداع الفني.