سجل تاريخ الكعك والزينة في العيد.. مصر في رحلة الكتّاب والدبلوماسيين الفرنسيين في القرن الـ18 | ثقافة

Photo of author

By العربية الآن

كانت تجليات الاحتفالات العيدية للشعب المصري خلال العصور الماضية محور جذب للعديد من المسافرين والمؤرخين والدارسين للشرق، وحتى الفنانين الأجانب الذين أتوا إلى مصر وتعشقوا لها وتجوّلوا في أراضيها ورسموا مناظرها، ووثقوا جوانب من حياتها اليومية، بالإضافة إلى الباحثين والمحققين والكُتاب الذين سجلوا ما كتبه تلك الطوائف في كتبهم، وما وثقوه في يومياتهم، وما رسمه الفنانون الأجانب من مظاهر تلك الاحتفالات التي كانت حاضرة بشكل كبير في الوثائق العربية والأجنبية.

وفي كتابها “القصص الفرنسية للرحلات والدبلوماسيين في مصر خلال القرن الثامن عشر” -المنشور بواسطة الهيئة المصرية العامة للكتب ضمن سلسلة تاريخ الشعب المصري- نقلت لنا د. إلهام محمد علي ذهني شيئًا من السجلات التي حفظها دبلوماسيو فرنسا والرحالة الذين قدموا إلى مصر من فرنسا، بشأن مظاهر الاحتفالات العيدية للمصريين، مثل تأكيدهم على اندماج المصريين مع الفرح وشغفهم بفنون الغناء والرقص، وأن شغف المصريين بهذه الفنون يتمحور في المدن بشكل أكبر من الريف.

تصميم كتاب مصر في كتابات الرحالة والدبلوماسيين الفرنسيين
كتاب “مصر في كتابات الرحالة والدبلوماسيين الفرنسيين” لد. إلهام محمد علي ذهني (الجزيرة)

تفيد كتابات الرحالة والدبلوماسيين الفرنسيين بأن عيدي الفطر والأضحى من الاحتفالات الدينية الأساسية في مصر، وأن المصريين يضعون بصفة خاصة تقديم الطعام في أعيادهم، والجلوس على الأرض مستمتعين بوجباتهم المحضّرة بالسمن أو الزيت، وأنهم مفتونون بالفواكه وبعد الانتهاء من الطعام يأكلون الشمام والبطيخ، وأن من سماتهم الجميلة أيضًا أنهم عندما يشاهدهم أحد أثناء تناول الطعام فإنهم يقدمون له من طعامهم.

رحلة أوروبية في مصر الحديثة

وروت المصادر التاريخية عن العديد من الرحالة الأوروبيين الذين سجلوا في كتبهم ورسوماتهم مشاهد الاحتفال بالأعياد في مصر، خلال القرنين الـ18 والـ19، وقد أسرهم جو الحياة في القاهرة، وجذبتهم روائح الشرق وجاذبية الحياة الشرقية، وضجيج الاحتفالات الشعبية للمصريين.

ويروي رمضان حسن، في كتابه “رمضان” الصادر عن دار القلم في القاهرة، عن محمد بن السعودي الخياط الذي كان يسكن درب الأتراك بجوار الأزهر، قوله إنه في عيد الفطر تلقى من جيرانه طبقًا من الكعك بحسب عادة أهل مصر ملأها زيرًا كبيرًا، وأن ذلك النوع كان محط اهتمام التجار، لأنه كان مشهورًا في القرون الـ14 والـ15 الميلادية، وكانت رؤية الكعك بأنواعه تشدهم في عيد الفطر بسبب كثرة توافره في الأسواق.

وتحكي أوراق الكتاب عن ما سجله الرحالة والمؤرخون عن الكعك، وكيف تم صنع قوالبه المنقوشة والمكتوب عليها، بينها مجموعة عُرضت في متحف الفن الإسلامي بالقاهرة، على بعضها كتب عبارات مثل: “كل هنيا”، و”كل واشكر”، و”كل واشكر مولاك”، و”بالشكر تدوم النعم”.

ولنتعرف من المصادر التاريخية، كيف للعناية بالعيد أن تتضمن ليس فقط صنع الكعك وأنواع أخرى من الحلويات، بل أيضًا توزيع السمك المملح.
يقول سبط بن الجوزي، الذي عاش في القرن الـ13 الميلادي، إنه تناول السمك المملح في يوم عيد الفطر.

وكما نقرأ في كتب الرحالة والمؤرخين، أنه منذ القرن الـ19 الميلادي كانت تُطلق المدافع في أيام العيد احتفاء وابتهاجًا به، وكان الشعراء والأدباء يقدمون التهاني بالعيد بأشعار ونثر.

الكعك في العيد

ويُذكر عن الفاطميين أنهم اهتموا بشكل كبير بصناعة الكعك في العيد، حتى أنشأوا له إدارة حكومية خاصة تُعرف باسم “دار الفطرة” وكانت مهمة الخبراء فيها تجهيز الكعك والحلويات العيدية.

وفي سياق الحديث عن الكعك وإعداده وتوزيعه، تذكر كتب الرحالة والمؤرخين من مختلف الثقافات أن الدولة الإخشيدية سبقت الدولة الفاطمية في الاهتمام بصناعة الكعك في العيد، وأن أبو بكر محمد بن علي المادرائي وزير الدولة الإخشيدية قاد تصنيع كعك حشاه بالدنانير الذهبية.

وكان البعض يقدّم الكعك في العيد كصنف من أصناف الصدقة للفقراء، حتى قامت بعض الوقفيات بتوزيعه في عيد الفطر على الأيتام والفقراء لكيلا يحرموا من الاحتفال، أمثال وقف الأميرة تتر الحجازية الذي كان يقضي بتوزيع الكعك الناعم والخشن على موظفي مدرستها التي تأسستفي عام 1348 ميلادية، بدأ سكان مصر في تبادل الهدايا منذ ذلك الحين وحتى الآن، ويتباهون بمهارتهم في صنعها.

يشير كتاب “رمضان زمان” الصادر عن مركز الحضارة العربية بالقاهرة، للدكتور أحمد الصاوي، إلى أن من بين أبرز عادات الاحتفال بعيد الفطر للمصريين عبر العصور، هو الاهتمام الكبير بأداء صلاة العيد التي يقدمها الحكام والسلاطين وعمال النواحي وأرباب الوظائف مثل القضاة والعلماء في الدولة. وتشير المصادر إلى أن الدولة الفاطمية كانت من الدول الإسلامية الرائدة في احتفالات عيد الفطر. وكانت الاحتفالات بعيدي الفطر والأضحى تتضمن إقامة المواكب المبهرة بمختلف أنواع المرح.

كانت صلاة العيد تشهد خروج الحكام والسلاطين في مواكب كبيرة مصحوبة بالفرسان، تنطلق من بوابات القصور حتى تصل إلى المساجد الكبرى، بحضور رجال الدولة وكبار التجار والصناع وأعداد من مختلف الطوائف.

زي العيد

ويسجل لنا هذا الكتاب، ما ورد عن الرحالة والمؤرخين، العرب والدراسيين، حول زي العيد الذي كان جزءًا مهمًا من احتفالات المصريين بالأعياد قديمًا، حيث كان زي العيد من المظاهر البارزة للاحتفال بعيد الفطر. ويعود تاريخ زي العيد، حسب المصادر، إلى حقبة الخلافة الإسلامية في عصور بني أمية والعباسية، حيث كانت توزع الملابس على أرباب الوظائف خلال شهر رمضان. في بعض الأحيان كان يُسمى عيد الفطر بعيد “الحلل”، أي الملابس الجديدة.

كانت هناك دار تدعى “دار الكسوة” و”دار الطراز” لتخصيص زي العيد. واشتهرت دور الطراز المصرية بإنتاجها من المنسوجات الكتانية والحريرية، التي كانت تُصدر في الفترة الوسطى إلى العديد من الدول الإسلامية وأوروبا.

كما استعرض الرحالة والمؤرخون، العرب والمستشرقون، قصة “العيدية”، التي تعتبر مفهومًا معروفًا حتى اليوم في مصر وغيرها من البلدان.

وتقول المصادر التاريخية إن العيدية كانت تعني الهدايا المالية التي كانت توزعها الدولة خلال أعياد الفطر والأضحى على أصحاب الوظائف.

وتضمنت العيدية ثلاثة أنواع من النقود: الدنانير الذهبية، والدراهم الفضية، وقطع العملات النحاسية، بالإضافة إلى أجزاء منها كالنصفيات والربعيات.

هكذا ازدهرت الروايات للرحالة والمؤرخين، العرب والمستشرقين، حول احتفالات المصريين بالأعياد في الماضي، وتم التركيز على هذا الموضوع في العديد من المصادر التاريخية العربية والأجنبية.

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.