إحباط شعبي وخمول سياسي تونسي في الذكرى الـ14 للثورة
تونس– في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية، غابت مظاهر الاحتفال الرسمي والتظاهر السلمي، ليحل محلها إحباط وصمت عام. وقد ربط سياسيون هذه الحالة بسطوة نظام الرئيس قيس سعيد.
عاشت العاصمة تونس أجواء هادئة وغير مألوفة، حيث انتشرت عناصر الأمن في كل مكان، وخلت الشوارع من الاحتجاجات السياسية أو المسيرات المناهضة للرئيس سعيد. ورغم كون هذه الذكرى فرصة لتأمل أحداث الثورة ومطالبة الحكومة بإعادة تكريس الحريات، إلا أن الشارع التونسي كان في حالة من الهدوء القاتل.
مرت 14 عامًا على ثورة 17 ديسمبر 2010 التي أطلقت شرارة التحولات في البلاد وأسقطت نظام الرئيس زين العابدين بن علي، لكن تونس اليوم تعيش أزمة سياسية واجتماعية، مع استمرار اعتقال معارضين الرئيس وتدهور الأوضاع المعيشية.
يعتبر عدد من المراقبين أن الركود السياسي في تونس يعكس إحباطًا متزايدًا، حيث بات المواطنون مشغولين بالتكيف مع أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة. يُشار إلى أن الأسعار ترتفع، والبطالة والفقر في تزايد، وسط ملاحقات أمنية وقضائية مكثفة.
ركود وإحباط
هذا الوضع يثير تساؤلات حول عدم وجود نشاط ملحوظ للمعارضة، التي كانت تُعتبر صمام الأمان للثورة في السنوات الأخيرة. ويظهر الخمول في قدرة الأحزاب على تحفيز الشارع أو التأثير في الرأي العام، وسط ما تصفه المعارضة بتصاعد القمع السياسي.
يقول القيادي في حزب التيار الديمقراطي، هشام العجبوني، إن هذه الحالة هي نتيجة مباشرة للإحباط الذي تعاني منه القوى السياسية والمدنية، ويشير إلى أن هذا الإحباط قلل من فعالية ذكرى الثورة في أذهان التونسيين بسبب تكريس الرئيس سعيد لنظام فردي.
بعد عامين من توليه الحكم، اتخذ سعيد في 25 يوليو 2021 إجراءات استثنائية تتضمن حل البرلمان وإقالة الحكومة وحل المجلس الأعلى للقضاء وإلغاء دستور 2014، وهو ما أثار رفضاً واسعاً من المعارضة، لكن الطرق العنيفة منعت حشود الشارع.
ووفقًا للعجبوني، ترجع أسباب غياب تحركات المعارضة في ذكرى الثورة إلى عدم التنسيق بينهم بسبب المناخ الذي يسوده الترهيب، بالإضافة إلى الاعتقالات المتواصلة للمعارضين.
ويعتبر العجبوني أن الرئيس سعيد لم يكن معارضاً في يوم من الأيام لنظام بن علي، بل قام بفرض نظام فردي يزيد من خوف الشعب، لكنه يعتقد أن الشعب سيرفض هذا الوضع لاستعادة حريته.
ويؤكد العجبوني أن الدكتاتورية لا تدوم، مشيراً إلى أهمية التعلم من التجارب التاريخية، مثل نظام سوريا، الذي انتهى بعد عقود من القمع.
انسداد سياسي
**السبب وراء الفتور السياسي**
صرّح القيادي في حركة النهضة، بلقاسم حسن، لموقع الجزيرة نت، بأن تراجع الحركة السياسية في تونس مرتبط بتعطيل مسار الانتقال الديمقراطي، حيث يعاني الوضع السياسي في تونس من انسداد بسبب غياب أي حوار وطني أو انفتاح على مطالب المعارضة.
**تحركات المعارضة**
أشار حسن إلى أن أحزاب المعارضة، بما في ذلك حزبه، قاموا بعدة تحركات، كان آخرها في 10 ديسمبر الجاري تزامنًا مع الاحتفال بالذكرى الـ76 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. تم خلال هذه الفعالية المطالبة بإطلاق سراح المساجين السياسيين، منهم زعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي.
**إعادة ترتيب الأولويات**
ولفت حسن إلى أن مكونات جبهة الخلاص الوطني المعارضة، التي تعد حركة النهضة من أبرز أطرافها، تسعى لإعادة ترتيب أولوياتها الداخلية للخروج من حالة الركود، خاصة بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية التي أدت لفوز الرئيس سعيد بولاية ثانية تمتد لخمس سنوات.
### الإحباط واليأس بين القوى السياسية
**مناخ القمع السياسي**
تحدث المحامي والناشط الحقوقي، العياشي الهمامي، عن حالة الإحباط التي تعاني منها القوى السياسية والمدنية بسبب القمع السياسي والملاحقات المستمرة للمعارضين والنشطاء والصحفيين. وعزا الهمامي ذلك إلى الدور الكبير الذي لعبته هذه الممارسات في إضعاف الحركة السياسية وإيجاد مناخ من الخوف لدى المواطنين التونسيين.
**عجز الأحزاب السياسية**
وأضاف الهمامي أن الأحزاب ما زالت عاجزة عن استيعاب ما حدث من انحراف عن أهداف الثورة والإجهاز على الحريات والديمقراطية خلال فترة حكم قيس سعيد. وزعم أنهما تعانيان من الإحباط والارتباك، ولم تنجحا في طرح تصورات بديلة لمواجهة نظام الحكم الفردي الذي يسيطر على البلاد.
### محاولة تهميش الثورة
**إلغاء الاحتفالات**
رأى الهمامي أن سعيد ألغى الاحتفال بذكرى سقوط النظام الدكتاتوري للرئيس بن علي في 14 يناير، بينما اعتمد تاريخ 17 ديسمبر 2010 كتاريخ لاندلاع الثورة. لكنه لم يحرص على الاحتفال الرسمي، مما يعكس توجهًا لكسر صورة الثورة في أذهان التونسيين.