نيزك من الجزائر يكشف أسرار القمر ويعيد كتابة ماضيه
يعتبر القمر الجرم السماوي الأكثر جاذبية لسكان الأرض، ليس فقط لقربه من كوكبنا، بل أيضًا لأنه يحمل تاريخًا مشتركًا. هذا الأمر دفع فريقًا دوليًا من الباحثين لدراسة نيزك تم اكتشافه في صحراء الجزائر عام 2005 لتسليط الضوء على بعض فصول هذا التاريخ.
على مر العصور، تعرض القمر لقصف متواصل من الكويكبات والمذنبات التي أحدثت حفرًا ضخمة على سطحه. ومن أبرز هذه الحفر “حوض القطب الجنوبي-أيتكين”، الذي يعتبر الأضخم والأقدم على القمر، إذ يمتد لأكثر من 2000 كيلومتر على الجانب البعيد من القمر.
لم يتمكن العلماء لسنوات من تحديد التاريخ الدقيق لتشكل هذه الحفرة، لكن التحليل الجديد الذي أُجري على النيزك الجزائري، المعروف باسم “شمال غرب أفريقيا 2995″، أظهر أن عمر الحفرة يتجاوز 4.32 مليار سنة، مما يعني أنها أقدم بحوالي 120 مليون سنة عن الفترات التي كانت مُعتقدة سابقًا.
كيف وصل النيزك إلى الأرض؟
تبدأ الدراسة المنشورة في مجلة “نيتشر أسترونومي” بتأكيد أن النيزك الجزائري هو من النيازك القمرية، حيث خضع لعدة دراسات سابقة ساعدت في تحديد أصله ورسم مسار رحلته من القمر إلى الأرض.
تعرض القمر على مر الزمن لعدد كبير من الاصطدامات، تسببت في كسور ضخمة وصخور تكتلت لتصبح شظايا تطايرت في الفضاء بسبب قوة الاصطدام. هذه الشظايا انطلقت في الفضاء واستمرت في الحركة لآلاف أو حتى ملايين السنين.
في نقطة ما من الزمن، اقتربت إحدى هذه الشظايا من الأرض واندفعت عبر الغلاف الجوي بسرعة كبيرة، مما أدى إلى تسخينها وجعلها نيزكًا متوهجًا. ومع ذلك، لم يتم تدميرها بالكامل وتمكنت من الوصول إلى السطح.
بعد دخولها الغلاف الجوي، سقطت الشظية في شمال غرب إفريقيا، تحديدًا في صحراء الجزائر، حيث وفرت الظروف القاسية البيئة الملائمة لحفظ النيزك. في عام 2005، اكتشف النيزك المعروف اليوم باسم “نيزك شمال غرب أفريقيا 2995″.
تأكيد الانتماء وتحديد العمر
أثبت التحليل العلمي للأبحاث التي أجريت على النيزك، أنه ينتمي إلى القمر، كما توصل العلماء إلى تقديرات دقيقة لزمن تشكله، مما ساهم في تفسير ماضي القمر بشكل أكثر وضوحًا.
دراسة جديدة تؤكد أقدمية حوض القطب الجنوبي-أيتكين
استطاع فريق بحثي مشترك بين جامعة مانشستر ومعهد الجيولوجيا والجيوفيزياء في أكاديمية العلوم الصينية والمتحف السويدي للتاريخ الطبيعي وجامعة بورتسموث، تأكيد انتماء نيزك “شمال غرب أفريقيا 2995” لأقدم الحفر القمرية، وهي “حوض القطب الجنوبي-أيتكين”. استخدمت الدراسة مجموعة من التحليلات الجيولوجية والكيميائية لتحديد عمر الحوض، مستندةً إلى مكونات النيزك وعلاقتها بالبيانات المتوفرة من مهام قمرية سابقة.
التحليلات الكيميائية للنيزك
شملت التحليلات تقنية الطيف الضوئي للكتلة والتحليل الطيفي بالأشعة السينية، مما مكن العلماء من دراسة التركيب الكيميائي للنيزك والإشارات المتعلقة به. من خلال مقارنة هذه البيانات بالكيمياء الممتدة على سطح القمر من بعثات لونا وأبولو، توصل الباحثون إلى أن النيزك يتطابق مع الصخور الموجودة في حوض القطب الجنوبي-أيتكين، مما يشير بقوة إلى مصدره.
تحديد عمر النيزك
استخدم الباحثون أيضاً تحليل النسب بين اليورانيوم والرصاص لتحديد عمر النيزك. نظرًا لأن اليورانيوم يتحلل إلى رصاص بمرور الزمن بنسب يمكن قياسها بدقة، اتضح أن المواد الموجودة في النيزك تعود إلى حوالي 4.32 إلى 4.33 مليار سنة. وهذا يعني أن حوض القطب الجنوبي-أيتكين تشكل قبل حوالى 120 مليون سنة من تشكل معظم الأحواض الاصطدامية الأخرى على القمر.
إعادة كتابة تاريخ الاصطدامات
أثبتت النتائج أن العديد من الحفر القمرية كانت نتيجة لفترة قصف عنيف بين 4.2 و3.8 مليار سنة مضت، المعروفة بـ”فترة القصف الثقيلة”. إلا أن الاكتشاف الجديد يشير إلى أن “حوض القطب الجنوبي-أيتكين” قد تشكل قبل هذه الفترة، مما يعني أن الاصطدامات قد تمتد لفترة أطول وأقل حدة مما كان يُعتقد سابقًا.
في هذا السياق، أفادت د. كاثرين جوي، الأستاذة بقسم علوم الأرض والبيئة بجامعة مانشستر، بأن حوض القطب الجنوبي-أيتكين قد يغير مفاهيمنا حول زمن القصف الفضائي، مشيرةً إلى احتمالية حدوث الاصطدامات لفترات أطول من المتوقع.
تأثير النتائج على فهم تاريخ الأرض
لا تقتصر فوائد هذه الدراسة على فهم القمر فحسب، بل تتضمن أيضًا تأثيرات مباشرة على تاريخ الأرض. توضح د. جوي أن دراسة اصطدامات القمر تعد مؤشراً قوياً لفهم تأثيرات مشابهة حدثت على الأرض في نفس الفترة.
أشارت جوي إلى أن “فهم الانفجارات الاصطدامية على القمر يعزز من تصور توقيت وشدة الاصطدامات التي حدثت على الأرض، حيث تقع الكواكب في نفس المجال الفضائي”.
تتوقع د. جوي أن تؤدي نتائج هذه الدراسة إلى تعزيز الأبحاث المستقبلية، حيث تستهدف بعثات ناسا القادمة جمع عينات من حوض “جنوب القطب-أيتكين”، مما سيمكن من اختبار نظرية عمر الحوض مباشرة.