تحليل تصريحات اليونان حول التدخل العسكري في الحدود البحرية مع تركيا

Photo of author

By العربية الآن


ما وراء تصريحات اليونان عن تدخل عسكري على الحدود البحرية مع تركيا

وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ووزير الخارجية اليوناني جيورجوس جيرابيتريتيس في أثينا الأناضول
وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ونظيره اليوناني جيورجوس جيرابيتريتيس في أثينا (الأناضول)

أنقرة– أثارت تصريحات رئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس حول احتمال “التدخل العسكري” لحماية الجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة، الكثير من التساؤلات بشأن العلاقات التركية-اليونانية، التي شهدت تحسناً ملحوظاً مؤخرًا.

وفي مؤتمر صحفي في أثينا بتاريخ 7 ديسمبر/كانون الأول، قال ميتسوتاكيس إنه “لا يرى أي احتمال للتوصل إلى حل بشأن المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري مع تركيا”، مشيرًا إلى إمكانية اللجوء للتدخل العسكري إذا دعت الحاجة.

وأضاف: “في الماضي تدخلت قواتنا المسلحة، وإذا لزم الأمر، سنفعل ذلك مرة أخرى، لكني آمل ألا نصل إلى هذا الخيار”. كما أشار إلى التزام اليونان بالدفاع عن حقوقها في الجرف القاري، وذلك في ضوء النشاط التركي المتزايد في شرق البحر الأبيض المتوسط.

ورغم إدراك اليونان لمفهوم “الوطن الأزرق” الذي تتمسك به تركيا، أكد ميتسوتاكيس أن بلاده ستستمر في الدفاع عن موقفها الثابت. وأوضح أن “الخلاف الوحيد يكمن في تحديد حدود الجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة في بحر إيجه وشرق المتوسط، ونحن ملزمون بحماية حقوقنا”.

إعلان

ودعا ميتسوتاكيس إلى حل لقضية قبرص، رافضاً أي وجود عسكري تركي أو ضمانات أمنية. وأكد أن “الاحتلال التركي” لشمال قبرص مستمر منذ 50 عامًا، مشددًا على رفض بلاده لأي أمر واقع ناتج عن هذا الوضع، وأن الهدف هو إقامة دولة قبرصية موحدة خالية من القوات الأجنبية والضمانات الأمنية التقليدية.

تركيا تتبنى مفهوم “الوطن الأزرق” الذي طوره رئيس أركان البحرية جهاد يايجي، والذي يشمل المنطقة الساحلية التركية وما حولها في البحر الأسود، بالإضافة إلى المطالب المتعلقة بالجرف القاري في شرق البحر الأبيض المتوسط وبحر إيجه.

وبينما لم تصدر أنقرة تعليقًا رسميًا حتى الآن، تفتح هذه التصريحات الباب لفهم أعمق حول واقع العلاقات التركية اليونانية في ظل تعقيدات إقليمية تتعلق بالموارد الطبيعية والخلافات البحرية.

جولة من اجتماعات الحوار السياسي التركي - اليوناني في أثينا الأسبوع الماضي الخارجية التركية
جولة من اجتماعات الحوار السياسي التركي – اليوناني في أثينا الأسبوع الماضي (الخارجية التركية)

حوار متواصل

تأتي تصريحات ميتسوتاكيس حول التدخل العسكري بعد أيام من جولة جديدة من اجتماعات الحوار السياسي بين تركيا واليونان في أثينا بتاريخ 2 و3 ديسمبر/كانون الأول برئاسة نائب وزير الخارجية التركي لشؤون الاتحاد الأوروبي، محمد كمال بوزاي، ونظيرته اليونانية، ألكسندرا بابادوبولو.

وبحسب بيان صادر من الجانبين، تم التطرق إلى مختلف الجوانب المتعلقة بالعلاقات الثنائية، وتم تقييم التطورات الحالية والتوقعات المستقبلية، بما في ذلك التحضيرات للدورة السادسة لمجلس التعاون رفيع المستوى المقررة في تركيا بداية العام المقبل.

ويأتي هذا الاجتماع بعد زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى أثينا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حيث تم التأكيد على أهمية تعزيز الحوار لحل القضايا المشتركة.

إعلان

وعلى الرغم من استمرار الخلافات حول قضايا الجرف القاري وترسيم الحدود البحرية، أعرب الجانبان عن رغبتهما في إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة وتعزيز التعاون في مجالات الأمن والهجرة، مشددين على أهمية الحوار كوسيلة لحل هذه الخلافات.

دور مثير للجدل

تركيا ترفض الأنشطة البحرية للاتحاد الأوروبي

في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أصدرت وزارة الخارجية التركية بيانًا شديد اللهجة تجاه الأنشطة والدراسات التي يجريها الاتحاد الأوروبي بشأن تخطيط الحيز البحري بين تركيا واليونان.

أكد البيان على أن أنقرة تراقب هذه التطورات عن كثب، مشددة على موقفها القوي في الدفاع عن حقوقها في البحرين إيجة والمتوسط. وأشار إلى أن تركيا لن تسمح بأي انتهاك لحقوقها بأي شكل من الأشكال، معلنة استعدادها لاتخاذ جميع التدابير اللازمة للدفاع عن مصالحها.

وأكد البيان أن الخرائط المستخدمة في هذه الدراسات “تفتقر إلى الشرعية بالنسبة لتركيا، ولا يمكن أن تؤدي إلى أية نتائج قانونية أو عملية”. كما أشار إلى أن الاتحاد الأوروبي ليس له صلاحية التدخل في النزاعات المرتبطة بالمناطق البحرية بين الدول ذات السيادة، وأن هذا التدخل يساهم في تعقيد الوضع بدلاً من تسهيل الحلول.

اجتماعات رفيعة المستوى بين تركيا واليونان

في وقت سابق، التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس في نيويورك خلال الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول. وقد أكد أردوغان حينها على إمكانية اتخاذ خطوات إيجابية نحو تعزيز العلاقات بين البلدين بناءً على مبدأ حسن الجوار.

هذا وقد شهدت العلاقات التركية-اليونانية سلسلة من اللقاءات المثمرة العام الجاري، بما في ذلك زيارة ميتسوتاكيس لتركيا في مايو/أيار، بعد خمسة أشهر فقط من زيارة أردوغان لأثينا في ديسمبر/كانون الأول 2023، والتي شهدت استئناف انعقاد مجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين. يُذكر أن هذا المجلس كان قد أُلغي سابقًا بقرار من أردوغان، الذي هدد حينها بتدخل عسكري ضد اليونان بسبب تسليحها لجزر في بحر إيجه.

أردوغان وميتسوتاكيس في نيويورك على هامش الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة الأناضول
أردوغان يلتقي بميتسوتاكيس في نيويورك على هامش الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة (الأناضول)

السياسة الداخلية في اليونان وتأثيرها على التصريحات

يرى المحلل في القانون الدولي بمركز سيتا للأبحاث، يوجال أجير، أن تصريحات رئيس الوزراء اليوناني بشأن التدخل العسكري ترتبط أساسًا باعتبارات داخلية في السياسة اليونانية. وأوضح في حديثه، أن هناك انتقادات متزايدة للحكومة بسبب ما يُعتبر “تنازلات مفرطة” تجاه تركيا، لا سيما بعد النجاحات التي حققتها أنقرة في شرق المتوسط وسوريا، مما أثار قلق الأوساط القومية المتشددة في اليونان.

ويضيف أجير أن حديث ميتسوتاكيس عن “التدابير العسكرية” يمثل استجابة للضغوط الداخلية، وليس تعبيرًا عن نية فعلية للتحرك العسكري. وفيما يتعلق بالتأثيرات المحتملة لتلك التصريحات على العلاقات بين البلدين، يُشير إلى أنه من غير المرجح أن تؤدي إلى تصعيد قريب، حيث تدرك تركيا أن هذه التصريحات مرتبطة بالضغوط السياسية الداخلية اليونانية.

كما يُتوقع استمرار جهود تعزيز الثقة بين البلدين، مع زيارة مرتقبة لميتسوتاكيس إلى تركيا في فبراير/شباط أو مارس/آذار من العام المقبل، حيث سيتم خلالها عقد اجتماعات مجلس التعاون رفيع المستوى.

أما بالنسبة لاحتمالية استمرار التوتر، فيرى أجير أنها ضعيفة في الوقت الراهن، لكن فرص الوساطة بين البلدين تبدو غير واقعية في المستقبل القريب، حيث يصعب تصور تحرك أي دولة أو منظمة للدخول في أدوار الوساطة الفعالة. ويشير إلى أن الاتحاد الأوروبي يتبنى مواقف تدعم الجانب اليوناني، بينما يُنتظر من الولايات المتحدة استخدام نفوذها لدفع اليونان نحو الحلول، لكن مثل هذا التحرك غير متوقع في المدى القريب، إلا إذا دعت الحاجة لذلك بسبب تطورات دولية.

المصدر: الجزيرة

رابط المصدر

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.