مفاجأة علمية.. الخفافيش تستفيد من الرياح في رحلات هجرتها الطويلة

عند الحديث عن السفر لمسافات طويلة، تبرز الطيور في المشهد، لكن الخفافيش ليست أقل قدرة على القيام برحلات ملحمية. حيث تشتهر بعض أنواع الخفافيش بقدرتها على الهجرة لمسافات طويلة تصل إلى آلاف الكيلومترات. وقد بقى سلوكها غامضاً حتى وقت قريب.
وأظهرت دراسة جديدة نشرت في مجلة “ساينس” بتاريخ الثاني من يناير 2025، كيف تستخدم الخفافيش الرياح القوية لدعم هجرتها، ما يسلط الضوء على ظاهرة طبيعية غامضة.
ركزت الدراسة على الخفاش الشائع “نوكتيول”، الذي يعد واحداً من أربعة أنواع فقط من الخفافيش الأوروبية المعروفة بهجرتها الطويلة. قام الباحثون بتوصيل أجهزة استشعار خفيفة الوزن بـ71 خفاشاً، متتبعين هجرتهم الربيعية عبر القارة، واكتشفوا أن الخفافيش “تركب” الكتل الهوائية الدافئة والرياح العاصفة لتزيد من مدى طيرانها مع استهلاك أقل للطاقة.
يعتقد الباحثون أن هذه النتائج تُعزز من فهمنا لهجرة الخفافيش، ولها تأثيرات سلبية على جهود حماية البيئة، خصوصاً فيما يتعلق بتقليل وفيات الخفافيش الناتجة عن توربينات الرياح.

قفزة تكنولوجية في تتبع الخفافيش
كانت دراسة هجرة الخفافيش لإجراء الأبحاث عنها تحديًا كبيرًا؛ فالخفافيش صغيرة، وليلية، وتسافر لمسافات بعيدة، مما يجعل مراقبتها صعبة.
للتغلب على هذه التحديات، طور الفريق البحثي جهاز تتبع صغير جداً، يزن 5% فقط من كتلة جسم الخفاش. يحتوي الجهاز على مجموعة من أجهزة الاستشعار التي تقوم بتسجيل مستويات نشاط الخفافيش ودرجة حرارة الهواء المحيط.
الأكثر من ذلك هو ضغط 1440 قياسًا يومياً من أجهزة الاستشعار في رسالة بحجم 12 بايت، تم إرسالها عبر شبكة طويلة المدى مشابهة لنظام الهاتف المحمول.
ويقول المؤلف الرئيسي للدراسة “إدوارد هورمي”- باحث ما بعد الدكتوراه في معهد ماكس بلانك لسلوك الحيوان- في تصريحات لـ”الجزيرة نت” إن بيانات أجهزة الاستشعار كانت “مذهلة”، حيث عرضت نتائجها مسار الخفافيش وما واجهته في البيئة خلال هجرتها.
يوضح هورمي: “هذا السياق يمنحنا نظرة ثاقبة حول القرارات الحيوية التي اتخذتها الخفافيش خلال رحلاتها المرهقة والخطيرة”.

مسارات غير متوقعة
يقول “هورمي” إن الدراسة تابعت إناث خفافيش “نوكتيول” الشائعة، التي تقوم بالهجرة أكثر من الذكور، على مدار ثلاثة فصول ربيعية. زرعت أجهزة التتبع في خفافيش في سويسرا وتمت مراقبتها خلال هجرتها نحو الشمال الشرقي حيث موائلها الصيفية.
أظهرت البيانات أن مسارات هجرتها كانت متنوعة بشكل أكبر مما كان متوقعاً، “لا يوجد مسار هجرة موحد. كنا نظن أن الخفافيش تتبع ممرًا ثابتًا، لكننا الآن نرى أن لديها اتجاهاً شمال شرقياً عشوائياً عبر مختلف البيئات”، وفقاً لتوضيح الباحث.
كما اكتشف الباحثون أن خفافيش “نوكتيول” تستطيع الطيران لمسافة تصل إلى 400 كيلومتر في ليلة واحدة، وهو رقم قياسي جديد لها. وعكس الطيور المهاجرة، التي تخزن احتياطات الدهون قبل هجرتها، تحتاج الخفافيش للتزود بالوقود بشكل متكرر. ويوضح هورمي: “الخفافيش لا تزداد وزناً قبل الهجرة. تحتاج للتزود بالوقود كل ليلة، لذا تكتسب هجرتها نمطا متقطعاً بدلاً من أن تكون رحلة مباشرة”.
كان أحد أهم الاكتشافات هو كيف تستغل الخفافيش أنماط الطقس لصالحها. وانتباه الباحثين إلى أن الخفافيش غالباً ما تغادر بأعداد كبيرة في الليالي التي ينخفض فيها ضغط الهواء وترتفع درجات الحرارة، وهي الظروف التي تسبق العواصف.
من خلال الاستفادة من الرياح الدافئة وراء الجبهات العاصفة، تمكنت الخفافيش من توفير الطاقة والطيران لمسافات أطول.
رابط المصدر