تروما بعد السقوط: فهم التحديات النفسية والعلاج

Photo of author

By العربية الآن


تروما ما بعد السقوط

ألاء شرف مع فريقها أثرنا في دمشق
احتفالًا بسقوط نظام بشار الأسد مبادرات شبابية لتعمير سوريا (الجزيرة)

نحتاج اليوم إلى مختصين نفسيين لمعالجة حالة “فرط السعادة” غير المألوفة التي يعيشها الشعب السوري. هذه السعادة التي اجتاحت القلوب في ليلة سقوط النظام، وما زالت محسوسة حتى الآن، وقد تستمر لفترة طويلة.

إنها سعادة غير متوقعة جاءت بعد عقود من الكآبة والخوف، حيث كانت النفوس تعيش في رعب دائم، ولم يكن الفرد يجرؤ على النطق بكلمة قد تقوده إلى مصير مجهول.

اليوم، لا يكاد يوجد مواطن واحد داخل سوريا أو خارجها إلا ويتساءل: “هل هانحن حقًا نعيش هذه اللحظة؟” لتأتي الإجابة: “نعم، لقد سقط النظام بالفعل”.

ومن هنا تنطلق احتفالات بدأت منذ الأيام الأولى، مفعمة بالأمل، حيث تكررت التهاني بكلمات “مبروك” بين الغرباء. وقد يتحول هذا اللقاء العابر إلى حديث طويل عن سنوات الذل والخوف تحت حكم الطاغية.

عاش الشعب السوري جميع أنواع الموت خلال محاولته التحرر من قبضة النظام، حيث ابتلعت البحار جثث الهاربين، وكان الموت أقل وقعًا من الألم الناتج عن القهر والنسيان.

كلمات لن تُسمع في الشارع السوري بعد اليوم

خلال فترة النظام السابق، استخدم العديد من المصطلحات التي تعكس الخوف والرعب، ومن بينها:

  • “أنت بتعرف حالك مع مين عم تحكي؟”: عبارة تحمل تهديدًا، كانت تُستخدم من قبل عناصر الأمن والموظفين.
  • “بيت خالتك”: تعني الذهاب إلى السجون السرية حيث يتم تعذيب المعارضين.
  • “الأخضر/النعنع”: تعبير عن الدولار، الذي كان يُخشى إظهاره تفاديًا للاعتقال.
  • “عفطوه”: تعبير يحمل دلالات على الاعتقال والمصير المجهول.

لن تُسمع هذه الكلمات بعد الآن، لكن يبقى أثرها شاهدًا على مرحلة مؤلمة في تاريخ البلاد، تستحق التوثيق للأجيال القادمة.

في المشهد الحالي الذي تشهده سوريا، تغيرت ملامح البلاد. بائعة الورد استبدلت تجارتها ببيع أعلام الثورة، والسيارات تزينت بأغاني وطنية متجهة إلى ساحات الاحتفالات.

كيكة البؤس

تجربة الموت بأشكاله المختلفة كانت حاضرة خلال محاولة السوريين الهروب من النظام. فقد توفي العديد في البحر أثناء محاولات الهروب، وكأن الموت كان أفضل من استمرار المعاناة. عانى السوريون من التشرد، وكان “كيكة البؤس” رمز معاناتهم.

حتى الذين نجوا من المعتقلات كانوا قد فقدوا جزءًا من شخصياتهم؛ فالأمهات لم يعد بإمكانهن التعرف على أبنائهن بعد المعاناة الشديدة، وقد بدت تجارب الاعتقال كأنها حياة ميتة لكنها على قيد الحياة.

عاش السوريون لعقود تحت نظام قمعي، ومع سقوط النظام، قد يجد البعض صعوبة في التأقلم مع حرية اتخاذ القرارات.

سوريا اليوم: مشاهد جديدة وأمل متجدد

التغيرات في المشهد السوري بعد الثورة

يشهد الشارع السوري اليوم تحولًا كبيرًا. فقد استبدلت بائعة الورد تجارتها بالأعلام التي تحمل رموز الثورة، والزخارف الوطنية تزين السيارات في طريقها إلى ساحة الاحتفالات. فبدلاً من رؤية “بائعة الكبريت” تُعاني من البرد على الأرصفة، أُشعلت النيران لتبدد العتمة التي سادت لفترة طويلة.

دور المجتمع المدني في هذه المرحلة الانتقالية

في خضم هذه اللحظة الحاسمة، يبرز دور المجتمع المدني كعامل أساسي في مواجهة تحديات “ما بعد السقوط”. يوضح محمد سليمان، الصحفي والناشط في المجتمع المدني، أن المهام الرئيسية للمجتمع المدني تشمل:

  • توفير التوعية لعدم إعادة إنتاج النظام بصورة جديدة.
  • مراقبة سير العملية الانتقالية وضمان الشفافية.
  • تسليط الضوء على أي تجاوزات قانونية قد تحدث خلال المرحلة المقبلة.

الشعور بالسعادة بين السوريين ليس مجرد لحظة عابرة، بل يمثل بداية مرحلة جديدة تنبض بالأمل والعمل لبناء مستقبل يتماشى مع تضحيات هذا الشعب.

التحديات النفسية التي تواجه السوريين بعد سقوط بشار الأسد

  • صعوبة التكيف مع الحرية: عاش السوريون لعقود طويلة تحت نظام قمعي. ومع سقوط النظام، قد يجد البعض صعوبة في التكيف مع مسؤولياتهم الجديدة واتخاذ قرارات حرة.
  • الخوف من المستقبل: يزداد القلق الجماعي بسبب عدم وضوح المرحلة الانتقالية والمخاوف من عملية سياسية قد تعيد النظام نفسه.
  • آثار النزوح واللجوء: الصدمة التي تعرض لها النازحون ستثقل كاهلهم عند التفكير في العودة إلى وطنهم، خاصة مع ذكريات التهجير والتجارب القاسية.
  • صعوبة تجاوز الخوف المزمن: رغم سقوط النظام، فإن الخوف من السلطات لا يزال متجذرًا نتيجة سنوات من القمع.
  • التردد في التعبير عن الرأي: يمكن أن يواجه البعض صعوبة في التعبير عن آرائهم بحرية، نظرًا للقيود النفسية الناتجة عن سنوات من الكبت.
  • تحديات بناء الهوية الفردية والجماعية: قد يتعذر على البعض إعادة اكتشاف هويتهم بعد عقود من التهميش.

إن فرحة السوريين اليوم تعكس بداية جديدة ملؤها الأمل، على الرغم من التحديات التي لا تزال قائمة. يمثل الحلم الأكبر تحقيق العدالة والكرامة، والعمل على معالجة الجراح الناجمة عن سنوات من القهر.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

رابط المصدر

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.