الكاتب آفي شتاينبرغ: الجنسية الإسرائيلية أداة للإبادة الجماعية منذ البداية
أعلن الكاتب اليهودي آفي شتاينبرغ، الذي يقيم في الولايات المتحدة، أنه تخلى عن جنسيته الإسرائيلية بسبب “الإبادة الجماعية” التي تمارسها تل أبيب ضد الفلسطينيين في قطاع غزة منذ 15 شهراً.
وفي مقاله على موقع “تروث آوت” الإخباري، أشار شتاينبرغ إلى أن إسرائيل تعتمد على “قوانين عنصرية تستند إلى العرق”.
وقال: “استغلت إسرائيل وجودي ومولدي وهويتي، وكذلك وجود الكثيرين الآخرين، كأدوات في حملة الإبادة الجماعية التي تشنها للقضاء على السكان الأصليين في فلسطين”.
وشدد على أن إسرائيل منذ تأسيسها اعتمدت على “قوانين التفوق العرقي لتعزيز نظام استعماري عسكري يهدف إلى القضاء على فلسطين”.
ودعا أصدقاءه الإسرائيليين للانضمام إليه في التخلي عن جنسياتهم أو على الأقل رفض الخدمة العسكرية الإلزامية.
يذكر أن آفي شتاينبرغ وُلِد في القدس لأبوين يهوديين هاجرا إلى إسرائيل بموجب “قانون العودة”، واستقر لاحقاً في بوسطن الأميركية.
في العام 1950، أقر الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) “قانون العودة” الذي يسمح لليهود بالهجرة إلى إسرائيل والاستقرار فيها والحصول على جنسيتها.
وتنشر الجزيرة نت ترجمة لمقال الكاتب والبحث آفي شتاينبرغ:
التخلي عن الجنسية الإسرائيلية
مؤخراً، دخلت قنصلية إسرائيلية لتقديم أوراق التخلي رسمياً عن جنسيتي. كان يوماً دافئاً على غير العادة في فصل الخريف، بينما كان الموظفون يسترخون بجانب بركة الماء في بوسطن خلال استراحتهم. في الليلة السابقة، وقعت سلسلة من الهجمات الجوية الإسرائيلية على مخيمات اللاجئين في غزة. وبينما كان الفلسطينيون لا يزالون يعدون الجثث أو يجمعون ما تبقى من أحبائهم، سألتني امرأة أمامي في طابور القنصلية بمرح عن سبب وجودي هناك اليوم.
في الوقت الذي يسجل فيه الباحثون والصحفيون والمحامون حول العالم تفاصيل الجرائم الإسرائيلية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، ويؤكدون أنها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية تستوجب المحاكمة، تمتد القصة إلى ما هو أبعد من أهوال العام الماضي. الجنسية الإسرائيلية التي كنت أملكها كانت دوماً جزءاً مادياً من عملية إبادة جماعية طويلة الأمد. منذ نشأتها، اعتمدت الدولة الإسرائيلية على قوانين التفوق العرقي لتعزيز نظام عسكري هدفه الواضح هو محو فلسطين من الوجود.
أثناء ملء النموذج الذي أحضرته إلى القنصلية، لفت نظري الإشارة إلى قانون الجنسية لعام 1952، الذي كان الأساس القانوني الذي منحني وضعي عند الولادة. سبب استغنائي عن الجنسية مرتبط بشكل وثيق بهذا القانون والسياق التاريخي الذي أنتجه في ظل النكبة.
View this post on Instagramالنكبة وقوانين الجنسية الإسرائيلية
في عام 1949، بعد توقيع اتفاقيات الهدنة التي كان يُفترض أن تُنهي حرب 1948، بدأ المستوطنون الصهاينة البحث عن سبل لحماية دولتهم العسكرية. بعد أن ارتكبوا مجازر وطردوا ثلاثة أرباع السكان الفلسطينيين الأصليين، كانت أولويتهم منع عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى قراهم وأراضيهم. وتضمنت خطتهم تحويل الأراضي التي استولوا عليها إلى أملاك قانونية للدولة الجديدة وتحضيرها لاستقبال المهاجرين اليهود من الخارج. في هذا العام، تم إخلاء أكثر من 500 قرية ومدينة فلسطينية من سكانها، وبدأت جهود محوها من الخريطة بصفة نهائية.
رغم أن الدولة الاستيطانية استغرق الأمر عقوداً للاعتراف بذاتها ككيان قائم على التفوق اليهودي، إلا أن لوائح التطهير العرقي كانت جزءاً من استراتيجيتها منذ البداية. كان الهدف واضحاً: إنشاء دولة يهودية تؤمن أغلبية يهودية في أرض كانت قبل القرن العشرين تضم 90% من سكانها غير يهود.
الحياة كمستوطن
سعى البعض للعمل ضمن النظام القانوني الاستعماري الجديد الذي تم فرضه، معتمدين على “إعلان الاستقلال” الذي زعم أنه يمنح حقوقاً متساوية للجميع. ولكن هذا الإعلان لم يكن له أي قوة قانونية، حيث كان بمثابة أداة دعائية لكسب القبول الدولي. وقد تم رفض طلب انضمام الكيان المُسمى “دولة إسرائيل” إلى الأمم المتحدة، مما دفع القيادة الصهيونية إلى البحث عن وسائل لإضفاء شرعية على طلبها الجديد.
على الرغم من الدعاية التي نظمتها الدولة خارجياً، كان الوضع على الأرض يوضح بوضوح عملية التطهير العرقي. على مدى ما يقرب من عقد، استعمل المستوطنون الصهاينة جميع الوسائل الممكنة لفصل الفلسطينيين عن أراضيهم. في أبريل 1949، اعتمدوا سياسة “إطلاق النار الحر”، حيث كان يُسمح بإطلاق النار على الفلسطينيين الذين يحاولون العودة إلى منازلهم بمجرد رؤيتهم. وتم إنشاء معسكرات اعتقال كجزء من عمليات واسعة لجمع الفلسطينيين ونقلهم إلى مخيمات اللاجئين في الأردن ولبنان وغزة، مما جعل غزة واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الممارسات حدثت بعد الحرب عام 1948، إذ استخدمت الهدنة كغطاء لتأمين الأراضي بشكل عرقي. كان الهدف واضحاً: طرد الفلسطينيين نهائياً مع محاولة محو فلسطين كواقع ملموس ومفهوم.
في هذا السياق، وُضعت قوانين الجنسية للدولة في أوائل الخمسينيات. بدأ ذلك بـ “قانون العودة” عام 1950، الذي منح الجنسية لأي يهودي في العالم، وتبعه “قانون الجنسية” لعام 1952، الذي ألغى الوضع القانوني للفلسطينيين. أعادت الدولة صياغة مفهوم الجنسية بناءً على التفوق اليهودي، مما أصبح مبدأ دستورياً أساسياً لها. وفقاً للباحثة لانا تطور، فإن هذه التشريعات الجذرية التي فرضها الاحتلال المسلح لا تعكس فشلاً في السياسة، بل كانت تهدف إلى تطبيع الهيمنة وإضفاء الشرعية على تصنيف السكان واستبعادهم وتجريدهم من حقوقهم.
### الهجرة إلى القدس وتجارب الشخصية
تعود بداية قصتي إلى 19 عاماً بعد إقرار قانون الجنسية الإسرائيلي سنة 1952، حيث انتقل والداي من الولايات المتحدة إلى القدس. وقد مُنحا الجنسية الكاملة وحقوقاً شاملة بموجب “قانون العودة”. وعلى الرغم من معارضتهما للحرب الأمريكية في فيتنام، كانا في ذات الوقت مستوطنين مسلحين يعيشان على أرض الآخرين. لقد استقرّا في حي تم تطهيره عرقياً، عاشا في منزل لعائلة فلسطينية كانت قد طُردت إلى الأردن.
كان هذا التحول غير سري، إذ كانت عائلات مثل عائلتي تتواجد في تلك المناطق كونها منازل “عربية”، وهو ما كان يُعتبر مصدر فخر بسبب تصاميمها الجميلة. ولدت في قرية فلسطينية تُدعى عين كارم، وكانت تعكس جمالاً عربياً أصيلاً، لكن كان ينقصها العرب الذين كانوا يشكلون جزءاً من هذا الجمال.
عمل والدي في الجيش الإسرائيلي، وفي أعقاب الغزو للبنان عام 1982، اعتبر نفسه مدافعاً عن “السلام”، وهو مصطلح عُرف بأنه يعني الحفاظ على دولة ذات أغلبية يهودية وشرعنة التطهير العرقي.
### مفهوم حق تقرير المصير
يظهر كل ما سبق أن قراري بالتخلي عن الجنسية الإسرائيلية هو اعتراف بأن هذا الوضع لم يكن شرعياً منذ البداية. تستند قوانين الجنسية الإسرائيلية على جرائم عنيفة وأكاذيب تهدف إلى تبرير تلك الجرائم. الأوراق الرسمية التي تصدرها الدولة ليست سوى أدوات قمع تُستخدم لطرد السكان الأصليين.
وفي إطار حملتها لإنكار وجود السكان الأصليين، تستخدم الدولة هويتي ومولدي لتثبيت وجودها. الجدار الذي يمنع الفلسطينيين من العودة يتكون من الوثائق المزيفة وكتل الخرسانة، ويجب أن نعمل على تدمير كليهما.
### حق تقرير المصير اليهودي: حدود واحتمالات
إلى من يزعمون بأن “لليهود حق تقرير المصير”، أوضح ببساطة أن هذا الحق لا يمكن أن يتضمن الغزو والاحتلال والتطهير العرقي. الشعب الفلسطيني لم يكن مديناً بشيء لليهود عن الأخطاء التي تعرضوا لها عبر التاريخ.
إيماني الشخصي هو أن تحرير اليهود لا ينفصل عن الحركات الاجتماعية الأوسع. العديد من اليهود كانوا اشتراكيين في أوروبا قبل الحرب العالمية الثانية.
### التوراة ومسؤوليات الأخلاق
كرجل يهودي تقليدي، أؤمن بأن التوراة تقدم رؤية تحكم بأن أي شعب، بما في ذلك اليهود، ليس له الحق المطلق في أي أرض. بل إن التوراة تتحدث عن مسؤوليات أخلاقية صارمة تحكم تصرفاتنا.
التوراة التي يستخدمها القوميون كسند حقوقي، هي في حقيقتها إنذار ضد إساءة استخدام السلطات. أساس السيادة الحقيقية هو إله العدل الذي يرفض الظلم والاحتلال.
### مواجهة الاستعمار
تواصل محاولات استخدام تاريخ الاضطهاد لتبرير ممارسات الاحتلال الاستعماري، وهو أمر يجسّد تناقضاً صارخاً ويجب مواجهته بشجاعة. يجب علينا التركيز على تفكيك هذه الأجندة الاستعمارية باعتبارها الحل الأوحد لتحقيق العدالة.# تحليل الهوية الصهيونية وضرورة التفكيك الاستعماري
## الهوية الصهيونية والتزامات الإبادة الجماعية
يعتبر التغيير في الهوية الصهيونية أمراً صعباً، إذ تُظهر القوانين المتعلقة بالجنسية وتصريحات مواطني إسرائيل ارتباطاً وثيقاً بالإبادة الجماعية. ورغم أن الدعوات لفرض حظر على الأسلحة أو مقاطعة إسرائيل وسن عقوبات اقتصادية تمثل مطالب مشروعة، إلا أنها تفتقر إلى رؤية سياسية شاملة. إن التفكيك الاستعماري هو الطريق لتحقيق هذه الرؤية.
## حركة التحرير الفلسطينية
تحدث الآن تغيير فعلي بفضل حركة نشطة وواسعة تضم أفرادًا من مختلف أنحاء العالم يؤمنون بأن الحل الأخلاقي الوحيد هو تحرير فلسطين من السيطرة الاستعمارية. تستند هذه الحركة إلى قيادة فلسطينية مدعومة دولياً، وتعتبر المقاومة المسلحة إحدى تكتيكاتها المشروعة لكل شعب تعرض للاحتلال.
## خطوات نحو التفكيك الاستعماري
يجب أن يبدأ التفكيك الاستعماري بالإجابة على دعوات الفلسطينيين لتنمية وعي شامل بممارسات تفكيك الاستعمار. يتضمن ذلك إزالة البنية التحتية التي تفصل الفلسطينيين عن أرضهم والتراجع عن قبول هذه الحواجز الظالمة.
أيضاً، لا بد لفهم كيف يرتبط الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي بصور أخرى من الاستعمار في العالم. فالولايات المتحدة، التي تمد إسرائيل بالأسلحة والدعم، برزت كحليف، بينما يُعتبر النظام القانوني في أستراليا ضد السكان الأصليين نموذجاً يُحتذى به.
## الترتيب الدولي ودعوات الانضمام إلى الحركة
إن النضال من أجل تحرير فلسطين يُعتبر جزءاً من حركات “استعادة الأراضي” للسكان الأصليين حول العالم. وعلى الرغم من أن الجنسية الفردية تتمثل في عنصر صغير من هذا النضال، إلا أنها تظل مهمة وجزءاً لا يتجزأ يجب الانتباه إليه.
الدعوة مفتوحة للجميع للانضمام إلى شبكة الدعم المتنامية من الأفراد الذين يتخلون عن جنسيتهم كجزء من المساعي للتفكيك الاستعماري. أولئك الذين لا يتماشون مع هذه الدعوة يمكنهم اتخاذ خطوات أخرى مثل الانضمام إلى حركة رفض الخدمة العسكرية في فلسطين، بما يعزز الطابع الثوري للحركة.
## الالتزام بالمقاومة والتحرير
تدعو المقالة لضرورة الانضمام إلى المقاومة الفلسطينية، أو على الأقل دعمها من الخارج. يجب اتخاذ خطوات فعلية لتفكيك الهيكل الاستعماري ورفض الرواية التي تصف الوضع الحالي كطبيعي أو يمثل المستقبل.
تؤكد الفكرة المركزية على أن تحرير فلسطين بات أمراً ممكناً، ولكن من الضروري الالتزام الفعلي بممارسات التحرير اليوم.
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونيةقد يعجبك ايضا
أخبار الثقافة
أقرأ أيضا